Sunday, September 22, 2013

أعمال المصور محمود الزيات : ترجمة الحدث بلغة فوتوغرافية



تتماشى أعمال الفنان “محمود الزيات” الفوتوغرافية مع الابعاد الجمالية للمعنى القادر على اظهار الفروقات التوافقية بين صورة وصورة، للتبلور اللقطات المؤثرة التي تحدد خصائص فنية، وفق تناسب وهمي يغلب عليه المضمون المتصل بخيوط انسانية تتمثل في اظهار المأساة اللبنانية لحرب تموز، وما جرى فيها من ويلات، محاولا قدر الامكان التقاط التفاصيل الموجعة التي تختفي احيانا اعلاميا، وتظهر عبر الصورة الصادقة والعين التي تسلط الضوء على المضمون. بغض النظر عن الاسلوب ومنظوره الهندسي، فالعين التصويرية ” لمحمود الزيات” متعلقة وطنيا بروح العاطفة والعين الابداعية، واتجاهتها المتفاوتة بين المعاناة وقوة المشاعر، والانفعالات وسلبياتها وايجابياتها، فالصورة في اعمال ” محمود الزيات ” تتكلم بلسان الضوء المتباين والواقع الحقيقي دون اللجوء لتفاصيل اخرى مبطنة، وهذه عين الكاميرا القادرة على الاستطلاع ، واظهار الواقع كما هو دون اللجوء الى تكنيكات هندسية او مرئية. انما ترجمة الحدث بلغة فوتوغرافية تلغي الابعاد اللونية ، وتجرد الصورة من الفواصل لتمنحها عين جديدة هي عين المتلقي .



ابداع تقني وفني في توسيع البؤرة الضوئية، لتلتقط العين بعدستها ما هو قريب وبعيد في آن دون اللجوء الى التأليف الفني. انما هي صورة صحفية بحتة تلتزم فنيا بالابعاد، والمساحات الواسعة وقوانين الضوء النهاري والليلي، والالوان التكوينية للصورة القريبة والبعيدة والسريعة او بالاحرى المترجمة للغة الحدث، والتي تحتوي اكبر قدر ممكن من المفردات الفنية الايحائية ، كتلك التي نرى فيها اسرة مهجرة في مدرسة، واطفالها ينامون داخل المقاعد، بينما الرضيع هو في حضن امه ووطنه الاول الام، ليتشرد داخل وطنه ومع عائلته، وما زال في طور النمو، فالصورة تعبيرية عن واقع يبرز فيه التشرد داخل الوطن نفسه، والعلم المركون كالمقاعد الموضوعة فوق بعضها البعض، ليستطيع المكان احتواء الازمة كما احتوت العدسة مجموعة العناصر الفنية في صورة استوقفتني فعلا. لان اتساع العدسة الضوئية اقترن مع التعتيم المتوازن لتظهر الصورة على طبيعتها ودون مراعاة للتجميل الرقمي او الحذف والزيادة.



ابعاد داخلية وخارجية تظهر الترابط الابداعي في صورة عجوز تتأمل الحجر امامها، وكأن الركن الاساسي لبيتها قد وقع. لنتساءل في انفسنا اليس الانسان هو الاغلى من حجارة داره ؟.ام ان حجار الوطن تعاني كما الانسان من التساقط والانهيار، فهل المعاناة الانسانية هي وليدة تاريخ يتجدد ويترك من البقايا ذكرى نضعها في البوم تاريخ الحروب الاسرائلية التي تشن ضد الانسانية، لتشهد الاعين كما العدسات على القهر والقوة التي تهدم الاوطان، وتشرد الانسان داخل وطنه، ولتبقى الصورة عين على الحقيقة التي لا تضيف اي محسنات فوتوغرافية لها، ولكن بجمالية واقعية تجعلنا نشعر ان للحروب سريالية تظهر جشع وبشاعة العدو، وقوى الشر التي تباغت العجائز والاطفال والرضع، فهل ننسى لا تقطعوا شجرة؟.ام نمسك بالعدسة ونلتقط كل الاوجاع الانسانية؟



تقف متأملا صور الفنان الفوتوغرافي ” محمود الزيات” وانت مشتت البصر ، محاولا لملمة الجزء من الكل، وكأنك لو جمعت صور حرب تموز مثلا ! لرأيت الكل يبحث عن ذاته، وعن الوطن المفقود داخل دائرة المعاناة التي تركت السيارات والابنية والتشرد المكتمل الاركان من حيث الخراب والدمار! اي الجماد كما الانسان، وكأن العدو يتعمد تمزيق البنى التحتية وتمزيق الانسان، فتظهر الصورة تعتيمية ضبابية مؤثرة على الوجدان الوطني، وتدفعنا نحو البحث عن بقعة لا خراب فيها او بالاحرى فراغ بين الاجزاء المتشابكة، والمعقدة في صورة احتل الخراب فيها حتى الفراغات اللونية التي غالبا ما تشعر انها بألوان غبارية، وكأن الانفجارات حدثت الآن .

يمتلك ” محمود الزيات” الحس الوطني المتغلغل داخل عدسة تجعلنا نقرأ اخبار الحروب المدمرة، والاوضاع الفلسطينية داخل المخيمات وما تعانيه تلك الفئة الفلسطينية الموجودة داخل لبنان، والتي تتم ملاحقة امنها وانتهاك حتى الفقر الذي تعانيه المخيمات الفلسطينية. لتزداد المعاناة تأثيرا معتمدا بذلك على البصر التحليلي والتفكيري والادراكي القادرة على الاستنتاج والفهم من خلال صور الاطفال خاصة ، كاحتراق وجه طفل يتماثل للشفاء، فهو النقطة الاساسية في الصورة حيث ان العدسة هنا اعتمدت على التكبير والتوسيع والمباشرة في القاء الضوء على انتهاكات حقوق الاطفال، فالاب الذي يبكي كطفل في حضن ابنه تختصر الف معنى مؤلم جرى في حرب سوداء.



وضوح تصويري متفاوت الفروق يحقق للفكرة وصولها الى حواس المتلقي، ليتفاعل معها بوجدانه ومفاهيمه الانسانية ، فنشعر بحرية الصورة ومصداقيتها. كما نشعر بالقيود الصعبة التي تخطاها ” محمود الزيات” قبل ان يلتقط بعدسته المتحررة من كل شىء الانسان اولا، وما يعانيه من تفاصيل حياتية يتعرض لها، ومن حروب تشن على الضعفاء، وتترك امكنة الاقوياء كما هي لا تزحزحها انفجارات او تهشم صورتها عدسة تبحث عن تحقيق المقاييس الفوتوغرافية فقط او عن هدف اعلامي مشوه الحقائق، وهذه ميزة في عدسة ” محمود الزيات” وهو نقل الواقع فوتوغرافيا وبمساحات تتسع لعين المشاهد.

يقول بيكاسو:”ان الفنان لا يكون في واقع الامر في حالة من الحرية كتلك التي يجب ان يتظاهر بها..ان الفنان يحيط به العديد من القيود، وهي ليست دائما من القيود التي يمكن ان يتخيلها الانسان العادي.لان ” محمود الزيات” لا يبحث القيمة الجمالية للصورة الفوتوغرافية فقط. انما يبحث عن سيكولوجيا فنية تحقق اجتماعيا وظيفة صحفية تعرض الواقع المرئي، وتظهر ابعاد الحروب والنتائج السياسية. لكل حدث سياسي سلبي او ايجابي، ليعكس المؤثرات الفوتوغرافية، ويضعها في عين الرائي بمصداقية . كما هي في كل جزئياتها الفوتوغرافية ، ووببصمة واقعية تظهر المعاناة الانسانية ونتائج الحروب السيئة على الاوطان.

أعمال الفنان محمود الزيات من مجموعة متحف فرحات

بقلم ضحى عبدالرؤوف المل

Friday, September 6, 2013

أعمال الفنان غوردن كاوتس.. تصوير الواقع برؤية فنية إستشراقية


Gordon Coutts, Farhat Art Museum collection غوردن كاوتس من مجموعة متحف فرحات 


يحاول «غوردن كاوتس» تصوير الواقع من خلال رؤية فنية استشراقية تتصف بمنهجية، تتنوّع فيها جمالية الألوان التي تترجم لحظة زمنية التقط فيها غوردن تفاصيل الأمكنة، وكأنها تراثية النظرة وشمولية اللون، والخط، والحركة، والفراغ، والمساحة المفتوحة، لمشهد شرقي يتسع لتفاصيل دقيقة الملامح، ومجسّدة فنيا بأسلوب واقعي لا يخلو من مخيّلة تعبيرية طرحها تشكيليا من خلال اللون المتضاد، والمتميّز ديناميكيا فالمعالم الشرقية في لوحاته تتميّز بالأقمشة الملونة والقوية ضوئيا وجمالياتها، والوجوه وما تحمله من تعبيرات تزيد اللوحة اشراقا، والرؤية ابعادا تجعلنا نتأمل كل حركة وظلها، والضوء المتدرج من قوة الى خفوت وبالعكس، فدرجات اللون الأحمر والأصفر تمتزج مع برتقالي يتناسق مع الأخضر، ليظهر بصفاء على الزي الشعبي، وبمقاييس فنية تمنح البصر متعة الاستكشاف للأسس الفنية  للمشهد التشكيلي بوصفه رؤية انسانية لحالة اجتماعية.
مقاربات رؤيوية لصيقة بواقع الحياة، ومتلاحمة شكلا ومضمونا مع انماطها اجتماعية وسلوكيات ترتسم على حركات الوجوه، فالنضوج الفني في لوحات «غوردن كاوتس» تظهر من خلال رشاقة اللون وشفافية الأبعاد المؤدية لرصد الحركة الضوئية وانعكاسات الظل حيث ترتسم الانحناءات المتناغمة مع الخطوط اللونية بشكل عام. فروعة التكوين التشكيلي في أعمال كاوتس تعتبر هوية جمالية تتميّز بها أعماله المرتبطة بالإنسان في الشرق، ومعالم بيئته المنسجمة مع الزمان والمكان، ولريشة تتوق الى بث الألوان مباهجا خاصة من حيث التفتيح والاشراق، والتوهج ملتزما حسيا بالبورتريه التي تظهر معالم الوجه الشرقي، وان برؤية غربية تتطلع الى الشرق والانسان المستوطن أمكنة شبه صحراوية، أو تميل الى الألوان الساطعة والقوية في اللباس أو للون أبيض يظهر نوعية من الناس ايضا، تختلف من حيث اللباس مع الإشارة الى النخيل، والى أمكنة تختلف فيها ألوان البشرة التي تميل الى السمرة والمتناسقة ايضا مع الفضاءات الخيالية، لواقع ترك فيها القوة الوجودية للون أبيض مميّز مثير ذهنيا، ويبث ثقة تلغي الغموض فيها، فتواشيح الألوان وتكنيكات مزجها تجعل المتأمل لها يغوص في أعماق التفاصيل والحركة والمساحة، فيشعر بأجواء المكان المتجدد لان لغته المرئية ذات معطيات تؤرخ لاجناس بشرية خاصة بالشرق وتراثه اللوني.

Gordon Coutts, Farhat Art Museum collection غوردن كاوتس من مجموعة متحف فرحات

يظهر «غوردن كاوتس» قدرة  على خلق تآلف حسي يهدف الى منح قيمة جمالية لتصاوير رؤيوية مؤثرة وجدانيا، وجذابة جماليا. فهي تحمل نفحة زمنية ومحاكاة فنية، لمشاهد متعددة من الحياة رسمها «غوردن كاوتس»  بتفاصيل واضحة المعالم، وتنطق بدلالات ايديولوجية تجسّد مقومات مجتمعات شرقية، برزت في تكثيف اللون المستوحى من فواتح لونية تتميّز برقة تركيبية تسيطر على الخطوط وأبعادها الهارمونية الدقيقة فنيا، فهي تعج بالموتيفات وتشكيلاتها التفصيلية المتباعدة والمتقاربة، المرتبطة أيضا بالبيئة والمناخ وعلاقة الإنسان الشرقي بذلك.
رصانة في سمات تشكيلية تزدحم الألوان الألقة فيها، والأشكال المتأثرة عاطفيا بتفصيلات أظهر انفعالاتها بتقنية واقعية،  وتعبيرية متأثرا بجماليات انعكست على لوحاته انطباعيا،  فالعناصر الفنية المؤسلبة سيميائيا تفتح الخيال نحو استراحات ذهنية، تترك الحواس في حالة من استدراك لكل اختصارات لجأ إليها «غوردن كاوتس» هندسيا ليخلق توازنات بين اللون والشكل، والفراغ،  والمساحة،  والضوء،  والظل، والسطوع المغموس بتحوّلات لها ألوانها المشرقية الخاصة، وبزهو الانسان وفلسفته الذاتية النابعة من فطرة وعفوية، ترعرع عليها وتركته يحتضن الطبيعة الوجودية مشرقيا من خلال لوحات تحمل نفحات استشراقية، وتقنيات لونية تأخذنا الى عوالم التصوير الواقعي، ولكن بريشة فنان معشقة بلون أبيض يدعو المتلقي الى الحوار والتأمل والاستمتاع.
رؤى فنية استشراقية ذات معايير جمالية لها تصويراتها السيكولوجية زمنيا، فخصائص الجماليات في لوحات «غوردن كاوتس» تحاكي التعبيرات الممزوجة بمشاهد غنية سينوغرافيا، ومتباعدة فراغيا،  فالثراء الموضوعي ممتع بصريا وفكريا وحسيا بسبب اعتماده على نسب معينة تدرَّج فيها باللون والخطوط، والمساحة، والسطوع، وترك اللوحة كمشهد استعراضي مفتوح على تأويلات فلسفية متعددة بتوليفاتها المتنوعة في لوحة واحدة، فالمرأة ذات البشرة السوداء والوشاح الابيض الممزج بألوان أخرى تتقارب وتتباعد تكنيكيا من حيث الشفافية والكثافة والتآخى مع الألوان الأخرى. فالمرأة تحتضن طفلا تميل بشرته الى اللون الابيض بدرجات تنعكس من خلالها الألوان الأخرى من حولهما، مع اختلافات في الظل والضوء ولون يدها المتناقض مع لون نستمتع بمزيجه على ثوبها الشرقي الزاهي بألوانه المشرقة، فالابعاد بحد ذاتها تضفي طابعا تصويريا تتضارب فيه الأساليب الفنية من واقعية وتعبيرية تركت للبورتريه صفة إيجابية ثرية بالعناصر والموتيفات والتباينات الدينامية التي تمنح الفكر أبعاد رؤية «غوردن كاوتس» بالشرق ومن فيه.

Gordon Coutts, Farhat Art Museum collection غوردن كاوتس من مجموعة متحف فرحات

دمج لوني ازدواجي، تمخض عنه تأثر وتأثير بالايقاع الموسيقي، المصبوغ بنغمة حركية تروق للبصر، ويستسيغها الحس الفني بتمايز تنجذب له الحواس وفقا لقياسات هندسية، وأبعاد سيمترية تشكل أساسا لوجود الألوان الحارة والباردة في لوحات تمثل جزءا مهما من الحياة والبيئة المناقضة باجوائها للغرب. بوصفها شديدة العاطفة اللونية وواقعية المشهد المرئي، وابداعية بتنوّعها البانورامي، لما تتميّز به من سلاسة بصرية يستمتع بها المتلقي عندما يتأمل تفاصيل كل لوحة مسرحية في تشكيلاتها، وتكوين الحركة التعبيرية على وجوه شخوصها المستمدة شرقيا من تراث فلكلوري فني او اجتماعي بحت، فالانماط الفنية الاساسية تضعنا امام تساؤلات ذهنية تعصف بالوجدان، فهل يستطيع الفنان الغربي   التقاط الظواهر الفريدة في الشرق، وما تحمله من ألوان مخلوطة بسطوع يبعث البهجة في النفس؟ ام ان الاثارة البصرية هي سبب في تصوير الواقع الشرقي بكل تفصيلاته وجزئياته الجمالية؟ أم ان غوردن «كاوتس» يحمل فكرا انسانيا يهدف الى تصوير جمال الانسان في اي بيئة تواجد فيها؟
أعمال الفنان «غوردن كاوتس» (gordon coutts) من مجموعة متحف فرحات.

ضحى عبد الرؤوف المل