علي سيف الدين , مجموعة البنك اللبناني للصورة |
هاني نعيم
قد لا يتكرّر هذا المشهد إلاّ في مدن معدودة. لكنه كثيراً ما سجّل في مدينة طرابلس التي تستمرّ في الحياة بطريقتها الخاصة.
وقد تبدو الصورة مألوفة بالنسبة إلى كثيرين، في حين أن آخرين كثر أيضاً قد يظنّون بأنها التقطت في ستينيّات أو سبعينيّات القرن الماضي، باعتبار أن هذا المشهد لا يُذكّر إلا بالزمن القديم. ولعلّ أبرز ما يدل على ذلك، هو بائع العرقسوس. ملابسه التقليديّة إلى حدّ ما. السوق الذي يبدو عتيقاً. الازدحام الذي يضج بالحرارة.. والليف الخشن الطبيعي الذي أصبح محدود الانتشار في مراكز التسوّق وقد استبدل بالليف المصنع .
وقد تبدو الصورة مألوفة بالنسبة إلى كثيرين، في حين أن آخرين كثر أيضاً قد يظنّون بأنها التقطت في ستينيّات أو سبعينيّات القرن الماضي، باعتبار أن هذا المشهد لا يُذكّر إلا بالزمن القديم. ولعلّ أبرز ما يدل على ذلك، هو بائع العرقسوس. ملابسه التقليديّة إلى حدّ ما. السوق الذي يبدو عتيقاً. الازدحام الذي يضج بالحرارة.. والليف الخشن الطبيعي الذي أصبح محدود الانتشار في مراكز التسوّق وقد استبدل بالليف المصنع .
في الواقع، الصورة ليست قديمة قدر المتوقّع. وقد التقطتها عدسة المصّور علي سيف الدين في خان الصابون في مدينة طرابلس، عام 2003. هي توثّق إلى حدّ ما أحد المشاهد اليوميّة للمدينة التي لم تنهشها الحداثة بعد، والتي حافظت على خصوصيّتها على الرغم من التحوّلات التي تشهدها المدن في كل بقاع العالم.
فطرابلس تعتبر واحدة من أكثر المدن محافظة على طابعها التراثي. أسواقها ما زالت نابضة بالروح القديمة، من سوق النحّاسين والصياغين (سوق الصاغة، للذهب والمجوهرات) مروراً بسوق البازركان (سوق الأقمشة) وسوق حراج وهو السوق المسقوف الوحيد في المدينة، وصولاً إلى سوق الكندرجيّة (محلات بيع الملابس) الذي يُعدّ الأكثر ازدحاماً وسوق العطارين (سوق العطارة). هنا، المهن اليدويّة والحرفيّة ما زالت حيّة تقاوم الغزو الصناعي.
وتأتي هذه الأسواق إلى جانب الخانات التي تقع في وسط المدينة والتي تشكّل مركزاً اقتصادياً وتجارياً لها، إذ تعتبر مواقع لبيع وشراء وتخزين البضائع. أما أبرز، وربّما أقدم، هذه الخانات، فهو خان الصابون حيث التقطت هذه الصورة.
يعود تاريخ خان الصابون الذي يعرف أيضاً بإسم "خان العضيمي" إلى عام 1480، حيث كان يستخدمه الجيش العثماني كثكنة عسكريّة. لكن، وبطلب من سكان المدينة المحليّين، تم تحويله إلى مصنع ومتجر للصابون. وهو ما زال يُنتج حتى يومنا هذا حوالى 400 صنف من الصابون. ويصنف ذلك كإحدى أقدم وأشهر الحرف التي عُرف بها سكان طرابلس على مدى آلاف السنين.
أما بائع العرقسوس الذي يحمل إبريقه وطاساته النحاسيّة، فيعرفه بالإسم أصحاب المحلات التجاريّة وسكّان المدينة. نجده حيث تكون الحركة.. حيث الناس. لذا لن يُضيّعه أحد. هو هنا، وهناك. يتجوّل في الأسواق والخانات المزدحمة بالناس ويروي عطشهم بطريقته الخاصة.. بكأس من العرقسوس البارد الذي يتمتّع بفوائد صحيّة مختلفة. فيُضفي على المشهد اليومي حميميّة خاصة، بشكله ونبرته وملامحه التي تشبه إلى حدّ بعيد ملامح المدينة.
وبيع العرقسوس من المهن التي كانت تتناقلها العائلات أباً عن جدّ، وهي اليوم مهدّدة بالإندثار كغيرها من المهن اليدويّة والحرفيّة. فهذا المشروب الذي يستوجب تحضيره نهاراً كاملاً وطريقة محددة جداً، يمكن لأي كان أن يحضّره اليوم عبر شراء بودرة جاهزة من أي محل تجاري. لكنه يبدو أن هذه المهنة لن تندثر في الآونة القريبة، خصوصاً وأن مدينة طرابلس ما زالت مستغرقة في تراثها كواقع تحياه وليس كماضٍ سحيق تعرضه في المتحف .
أما بائع العرقسوس الذي يحمل إبريقه وطاساته النحاسيّة، فيعرفه بالإسم أصحاب المحلات التجاريّة وسكّان المدينة. نجده حيث تكون الحركة.. حيث الناس. لذا لن يُضيّعه أحد. هو هنا، وهناك. يتجوّل في الأسواق والخانات المزدحمة بالناس ويروي عطشهم بطريقته الخاصة.. بكأس من العرقسوس البارد الذي يتمتّع بفوائد صحيّة مختلفة. فيُضفي على المشهد اليومي حميميّة خاصة، بشكله ونبرته وملامحه التي تشبه إلى حدّ بعيد ملامح المدينة.
وبيع العرقسوس من المهن التي كانت تتناقلها العائلات أباً عن جدّ، وهي اليوم مهدّدة بالإندثار كغيرها من المهن اليدويّة والحرفيّة. فهذا المشروب الذي يستوجب تحضيره نهاراً كاملاً وطريقة محددة جداً، يمكن لأي كان أن يحضّره اليوم عبر شراء بودرة جاهزة من أي محل تجاري. لكنه يبدو أن هذه المهنة لن تندثر في الآونة القريبة، خصوصاً وأن مدينة طرابلس ما زالت مستغرقة في تراثها كواقع تحياه وليس كماضٍ سحيق تعرضه في المتحف .