ما الحجاب بمعناه المادي؟قطعة قماش أقرب الى المنديل,يغطي شعر المرأة,ليبدو وجهها بارزا واضحا يضيء معالمه,كأن الحجاب هنا كادر للوحة تشكيلية انسانية متحركة من لحم و دم,و قيمة معنوية و قدسية,أقرب الى ما يعرف بالسينما الحديثة,مما يعطي لعدسة الوجه قيمة جمالية و معنوية هائلة في التفاصيل لعالم الوجه الذي يغطي حديقة الوردة.
لم يحسن الجمال الفكري قراءته الانسانية,بل جاءت التأويلات الدينية و العلمية لتختلف في جدل عقيم حول حيثياته و رمزيته ليتحول من رؤية انسانية أخلاقية الى صراع تداعت اليه كل مكونات القديم و الجديد,البداوي و الحديث,المتخلف و المتنور...الخ,كاثنين مراهقين يناقشان تلمس وجهة حياتهما,و يعشقان امرأة واحدة.
ان التحرر الانساني و الفكري و الوعي غير مرتبط اطلاقا بحجاب مسيحي أو اسلامي و ان اختلفت المعايير الاخلاقية و الطقسية و المكانية و الزمانية و الرسالة,انما هو في الغالب الأعم أخلاقي بامتياز و مرتهن بحكم الطبيعة الدينية بالمفهوم الديني ليس من الجانب التحرري أو عكسه,انما الأخلاق بما تمثله كحرارة انسانية عادلة للطمأنينة و العيش.و المسألة ليست بهذه البساطة الطرية,فالعقل الغربي الذي لامس الثورات و القانون و قلص دور الكنيسة,لما احتوته من مثاليات تجاوزت حدود العقل الانساني,و تفاعل مع المجتمع بحيوات اقتصادية لن نناقش هنا نجاحها أو خفوقها,لكنها عدلت الكثير من المفاهيم الأخلاقية التي انقلبت بحسب نيتشه بحيث أن "الشر" صار يلعب دور "الخير" بينما أجبر الخير ليلعب دور الشر.بينما تأخر "الشر" الشرقي بفعل صوفيته التقليدية في الحياة فارتبطت بحياته بروابط عاطفية أخذت حدود الماكينة على تخوم حدود العاطفة,فتلكأ التغيير.
هنا برز الهم الجمالي الاشكالي الفني و تداعى الموضوع على حيز تشكيلي جمالي مأزقي,أخذت الفنون الثقافية الفكرية مساحة للوعي أن تقرا و تحلل و تناقش بعدسة الجمال و المعنى,و بخاصة الفنون البصرية الحديثة.
نقف الآن عند عنوان المعرض التشكيلي "الحجاب_أجزاء مرئية و أجزاء غير مرئية" التي تنظمه جنيفر هيث,و طرقت موضوع الحجاب برمزيته الغامضة و قدسيته و بمادته كقماش تدخل الى الاجتماعي و الروحاني,لينسل الى مفهوم معاداته كرمز للاسلام و السياسات المغلقة,و الى جوهر المرأة,و ذلك عبر مجموعة من الفنانات التشكيليات و مصورات الفوتوغراف.
الحرب على الشرق سياسية أكثر منها أخلاقية,و الغاية مصادرة كنوزه و ثقافته تبعا لمقولة الدكتور الجامعي و الكاتب هنري ماكوو,المتخصص في الشؤون النسوية و الحركات التحررية,و الذي يفيد أن هذه الحرب تأتي في سياق السيطرة على الشرق الأوسط ,من خلال بحثه الذي حمل عنوان "البرقع مقابل البكيني,فسوق المرأة الأميركية",حيث دافع عن خصوصيتها انطلاقا من وحي علمي,بينما نجد أن النظرة الأوروبية و ان اتسمت بنبرة أدبية فان معظمها يحلل في اتجاه أن حجاب المرأة تعبير عن السرية و القهر و الفصل بينها و بين الرجل و أنه مصدر استباحة أخلاقية مستترة خلف الظواهر و الأسرار؛بينما تأتي نظرة غربية وسطية تحاول الحيادية و ان في باطن الخلاصة ادانة مستترة تكشف عن لامبالاة ثقافية عن الحرية الدينية و الحجاب.
يلتقط نعيم فرحات,جامع اللوحات و مؤسس متحف فرحات,متن الاشكالية حيث يطرح فكرة هذا الموضوع الساخن في أوروبا,و يعتبر أن قصة الحجاب تعود الى مسألة الفرد بذاته و لحريته الشخصية و قناعاته,و هو كلام يأتي في صميم الديمقراطية الأروبية,التي صارت تناور في سلوكها تبعا لمأزقها الاقتصادي و السياسي.
في معرض"الحجاب؟_أجزاء مرئية و أجزاء غير مرئية",تجذب أعمال ماري توما,الأميركية الفلسطينية,معنى الحجاب من وجهة وجودية تدل على واقع الأزمة بروح فنية مختصرة و دالة بسينوغرافيا قماشية عبارة عن اربعة فساتين سود بطول 52 ياردا,يرمز الى المرأة الفلسطينية التي خرجت من فلسطين قسرا,و المأساة أنها توفيت خارج أرضها,و القماش الحريري يمثل طواف روحها و الحجاب بينهما,كيف حجبت الروح عن الأرض و الحرية.(هذه الأعمال الأربعة هي من مقتنيات متحف فرحات).
و في فلسفة المعرض,تعارض جميل في تناسق الموضوع,حيث نرى صورة فوتوغرافية لامرأة تضع الكوفية الفلسطينية و تقرأ الجريدة,و المفارقة هي كيف تقرأ الكوفية هنا,حجاب أم ماذا؟و لوحات تشكيلية لوجوه نسائية و حجابات للوجه مختلفة في أوضاعها في تغطية الوجه,ما يوحي بأن المرأة في هذه الأوضاع تشكل أساس المسألة في جوهرها الانساني لتبدو كأنها ساكنة في ذاتها المهجورة الباحثة عن حريتها,و هذا جانب حقيقي من المعضلة ليس أفضل من الفن في كشف مكنوناتها.
و الى تعابير في المعرض تصيغ فنية المرأة ببلاغة تشكيلية ضبابية و خلاقة الى استكشافات تتفرد في تأويل المشهد الفني للغوص في غموض تشكيلي فاضح من شدة دلالته على روحية المعرض و تشكيلاته القابضة على جمال و غموض الموضوع.
في الختام أتصور,ما الحجاب؟
- كتاب غير مفتوح...
- فيلم سينمائي...
- نهر و ضباب...
- علم ماخوذ بالفضيحة...
- كوة من نافذة حمام نسائي مكسو بالبخار...