Saturday, January 25, 2014

معرض الفنان إبراهيم أبو طوق... جدلية الحركة في حالة تفكيكية



من مجموعة متحف فرحات 


فكك «ابراهيم ابو طوق» الحرف العربي ظاهريا، لتتشظى الحركة وفق محور منظوري له ابعاده وحساباته من حيث الشكل الظاهر والحركة. الا انه في العمق يحتفظ بمقاسات جوهرية لها اصالتها الهندسية والجبرية المتميزة بعشوائية مدروسة، وبعيداً عن  صلابة التكوين الانشائي والزخرفي، فهو يمنح الخط قدرة على استجابة حركية تتباين من خلالها مساحات ذات فضاءات حروفية معكوسة مرئيا، بحيث نرى جمال الحرف العربي مرسوما من زوايا مختلفة، بغض النظر عن جمالية الداخل والخارجاو المعنى والمبنى، فالكينونة المادية للشكل الحروفي محسوسة تفكيكيا. لأنها حيوية برغم تثاقلها وتغيراتها،  وتحولاتها الدينامية المتداخلة وفق مستويات وقياسات تنظيمية دقيقة حسابيا.
يضيف «ابراهيم ابو طوق» لاسلوبه بعدا ثالثا. ليبدو العمق اللامتناهي اكثر جمالا، مهما اختلفت زوايا النظر للوحة تحمل في فضاءاتها مفاهيماتفكيكية،  ودلالية هندسية عميقة التصميم. لانها تكشف عن تناقضات فنية بصرية تعتمد على التشظي وتوزيع نقاط ايهامية تنطوي على فراغات جمالية معاصرة تتجدد مع النظر اليها في كل مرة يحاول البصر فيها جمع النقاط الاساسية. لكل خط تفكيكي هيمن بكل اشكاله على المسارات والاتجاهات الجيومترية.  لحروف عربية تحررت من منهج المحدود الى اللامحدود، وباتجاه الافق اللامتناهي، حيث كينونة الحرف تبدو كأنها كتلة شفافة ذات علاقات مترابطة بنظم ومعايير لا تخلو من فوضية ابتكرها. ليؤلف مسارات حروفية ذات خصائص انعكاسية تخدع البصر بميالانها الحركي  احيانا. 
تباين معاكس لحركة واتجاهات الحرف من حيث الشكل المعنوي والمضموني والخط المفاجىء. مما يخلق تناقضات تعصف بالذهن وتولد صورا ذهنية منظورية متعددة الايحاءات والاشكال المثيرة للدهشة. وهذا يدفع المتلقي الى المزيد من التأمل بشغف كل تفاصيل اللوحة الفنية. لفهم وادراك كنه كل حركة بموضوعية فنية تضفي فلسفة عقلانية مبنية على الفوضى المنظمة، وعلى تفكيك حروفي له معانيه المختلفة هندسيا وجيومتريا. لأن الفراغات تحاكي كينونة كل حرف وخاصيته، وكل خط واتجاهاته ونظمه الفنية المحسوسة بنائيا والمتزنة ديناميكيا، معتمدا بذلك على تغيرات الصورة البصرية وتأثيراتها الانطباعية على مفهوم الحركة التفكيكية للحرف المتشابك مع الحروف الاخرى المتماشية مع الطول والعرض، والمساحة،  والفراغات،  والالوان،  الباردة والحارة التي لا يشعر فيها المتلقي وهي تغمر الحروف بجمالياتها. 
ان جدلية الحركة في «حروفيات ابراهيم ابو طوق» التفكيكية هي انعكاس لفكر بنائي معاكس،  ومتحرك مرن يضعنا أمام الاحجام والكتل،  والفراغات بغرابة هندسية مرتبطة بكونية فيزيائية لها قواعدها واسسها دون التقيد بسطر ظاهر. الا انه ايهامي الارضية مركب وفق عناصر فنية متداخلة مع بعضها البعض،  ومتنافرة عن بعضها البعض،  وكأنها تركيبية ذات قدرات جمالية متفاوتة نسبيا من حيث التصغير والتكبير،  والسماكة، والشفافية، والعريض، والرفيع، والدقة اللا متناهية في حروف معينة، وخطوط تتسم باشكال رياضية متكسرة يتيه الفكر فيها الى ما لا نهاية. حيث يصوغ من الخطوط المائلة ايقاعات منسجمة مع نغمات الخطوط المتكسرة،  والضوء المتسم بصفة كونية تتراءى من خلالها الابعاد الفراغية الغير مألوفة في تكويناتها التخيلية المتناقضة مع الخط الواحد الذي يجب ان تسير عليه الحروف المنفية الزوايا الحادة، وتتحرر منها الحروف الملتزمة بالزوايا الذهبية الديناميكية المقروءة فنيا بأكثر من معنى هندسي وفلسفي وفني جمالي. ليكشف « ابراهيم ابوطوق»  عن ما ورائيات الحرف العربي،  وسر كينونته الهندسية والتخيلية حيث يتخطى الحرف اي سلطة حادة تؤثر عليه، فيحافظ على جماله في كل الاشكال والمقاسات والاحجام المحكومة بصرامة تفكيكية مرهونة بنظام تفكيكي له صفة حروفية تشكيلية. 
تمثل الحروف في لوحات «ابراهيم ابوطوق»  انعكاسا فنيا طبيعيا للخطوط المتشظية والمتسقة بابعادها الجمالية،  وحركاتها التي تكشف عن ميزة رياضية تنقص او تزيد حدودها وفقا لشكل كل حرف ومكانه،  وابعاده الزمنية في اللوحة المؤطرة بطبيعة انعكاسية لها اكثر من مفهوم فني عميق الرؤية ولا متناه.لان «ابراهيم ابو طوق» يتمسك بواقعية تفكيكية لا تخلو من روحانية حرف عربي يعانق الاتجاهات بميلانه، وفق درجات وزوايا دراماتيكية قادرة على منح اللوحة حركة يؤكد من خلالها «ابراهيم ابو طوق» على قدرة الحرف في تشكيل الخطوط وجمعها ، ومن ثم تكسيرها لتكون وفق اشكال كونية معمارية ذات وجوه هندسية مرنة، تقود المخيلة الى استنباط ايقاعات ودلالات تتناغم معها الحواس بجمالية ناتجة عن منظومة يعتمدها بعيدا عن افق الخط المحدود او بالاحرى التقيد بالسطر. 
يقول بيكاسو: «اردت الوصول إلى أقصى نقطة في فن الرسم، فوجدت الحرف العربي سبقني إليها، ومنذ أمد بعيد». يحاول «ابراهيم ابو طوق»  خلق نقطة تفكيكية ايهامية تمنح الخط العربي رؤية معمارية لا تخلو من بعد ثالث ورابع.  ليتحدى الزمن بفن معاصر يتجدد تلقائيا كلما تأرجح الحرف العربي في فضاءات الفراغ الضوئي،  وكلما استطاع الخط فرض محاكاة حسية،   لنشعر أن قوانين الفن الحسابية لا تزيده الا جمالا وصفاء، مبتعدا بذلك عن نمطية كلاسيكية. الا انه التزم بضبط حروفي متزن تكوينيا وهندسيا حيث ينساب الحرف كخط هندسي له اصوله وقواعده، وفي الوقت نفسه تحرر ابو طوق من السطر وتأثيره على العين كنظام نقاط لا بد من الالتزام بها.  لكنه احتفظ بأشكال متعددة الرؤى ومستقلة عن الحروفية التقليدية. ليخاطب المتلقي بحس فني هندسي تفكيكي مرتبط بالحرف وقدرته على خلق تسونامي فنية تتمرد على كل ما حولها، وتؤسس لفكر تشكيلي تأملي يجسد الحركة والسكون والتوافق الروحي مع الهندسة المنفردة جماليا بحس الحرف العربي.
معرض الفنان ابراهيم ابوطوق في غاليري رؤى عمان الاردن بالاشتراك مع الفنان عدنان يحي تحت عنوان تسونامي الحرف ويستمر حتى نهاية الشهر الحالي كانون الثاني 2014.
ضحى عبدالرؤوف المل

للمزيد من أعمال الفنان تفضلو بزيارة موقعه :

http://www.ibrahimaburub.wordpress.com/

No comments:

Post a Comment