Friday, February 20, 2015

أعمال عدنان يحيى ... لوحات ترفض الموت بقوة الحياة ,بقلم محمد أبو زريق

عدنان يحيى , صبرا وشاتيلا, مجموعة متحف فرحات

عدنان يحيى من الفنانين القلائل الذين كرسوا ابداعهم للقضية الفلسطينية او تحت ضغطها ووعيها ابتداء من هول التهجير القصري الى المجازر والشهداء وصولا الى معايشات الواقع الراهن من حصار وقمع وارهاب وقد تناول ذلك كله بأسلوب فني يجمع ما بين الاحتراف والتمييز من حيث طرح الخطاب وانفعاليته مستندا على تقنيات وأساليب متعددة كالميل الى الكاريكاتير أو اللجوء الى استعمال الرمز أو الاشارة والحروفية والخط واللون في اجواء سوريالية وتعبيرية مختلفة .
بدأ مشواره الفني بداية الثمانينيات من القرن الماضي معتمدا على التعبيرية الخطية مستفيدا من قراءاته الروائية في رسم الشخصيات خاصة تلك التي تعود لكبار الروائيين العالميين وقد كانت تلك المرحلة كنوع من البحث عن شخصيته المستقلة التي لا ترى في الفن الا ذلك الجانب التعبيري الملتزم بقضايا الانسان خاصة ما يتقاطع منها مع قضيته الأولى فلسطين ولعل الحدث المهم الذي ثور لوحاته هو مجزرة صبرا وشاتيلا التي أخذت منه العديد من السنوات وهو يحاول التعبير عن هولها وقد جاءت هذه الأعمال بالأبيض والأسود تسندها خطوط تعبيرية واستفادات كاريكاتيرية عبرت عن مأساة الحدث ثم بدأت الألوان تدخل لوحاته بشكل خجول في البداية وعبر المراحل المختلفة  التي تطور بها فنه الى ان اصبح اللون العنصر الأهم في لوحاته .

عدنان يحيى, الشرق الأوسط,2003 , مجموعة متحف فرحات

ولأن عدنان لا يقنع بمنجزه خاصة تحت ضغط الأحداث المأساوية التي تحدث  كل يوم في فلسطين فإن مجزرة الحرم الإبراهيمي في الخليل ستحدث نقلة اخرى لديه مستفيدا من شاهد الضريح وأرضية الحرم لتصبح منصة الحدث ورمزا له ، فقد لعب على هذا المشهد في أعمال كأنها تخطيطات ملونة لنصب تذكارية يمجد فيها الشهادة بل ان هذه النصب ستتحول تدريجيا الى كتل بيضاوية تتطور لتأخذ شكل الرأس الإنساني ، والذي اتخذ منه وسيلة للتعبير عن شخصية الديكتاتور كرأس ضخم يرتكز على آلاف المسحوقين من البشر ثم يصوره مفرغا من المحتوى من خلال البيضة المتآكلة الفارغة او من خلال الذات المتضخمة التي تتكدس على صدرها الشارات والنياشين والتي افرغت من محتواها لمفارقتها مع الشخصية التي تحتل بزتها العسكرية .
ان الأشكال الإنسانية التي تتكدس وتتناثر كأنها زواحف او حشرات هو تعبير عن السحق والنعاناة وتحول الانساني الى ما هو أدنى وهي حيوات تتصادم وتذوب في كتلة تبدو متحدة لكنها تحمل سمات تنافرها على المستوى الموضوعي ، وهي تمثل رؤيته كشاهد رأي وعايش الحالة الانسانية من داخلها فما كان منه الا ان يستعين بما قرأه وشاهده وعايشه فتحول الانسان الى صرصار يعيدنا الى كافكا وابرازه للأم كشخصية قوية يعود الى رواية الأم جوركي ، بل انه لا يرتكز على قراءاته الروائية وعلاقة ذلك بحياته الشخصية فقط ولكنه يسندها بحس كاريكاتيري سوداوي كأداء ، وتقنيات التحبير والتلوين كخامات ، وصولا الى تعبيرية تتطابق تماما مع شخصيته ، حين وجد نفسه وجها لوجه مع واقع اليم هو أحد ضحاياه ، فقد عانى النفي والتشرد كغيره من الفلسطينيين ، ولم تكن مذبحة صبرا وشاتيلا ، إلا الشرارة التي حولت خطوطه المغرقة في تفاصيل هائمة غامضة ، الى خطوط تتطابق مع ما يحس به ، فكما لو أن الموت والعنف والدمار ، قد وجد نقيضه في لوحة ترفض الموت بقوة الحياة المتمردة الكامنة فيها .


No comments:

Post a Comment