Thursday, March 24, 2011

قساوة تشكيلية جارحة على ايقاع الجمال الانساني : أعمال عدنان يحيى بقلم لمى فواز

مخيم جنين , عدنان يحيى , مجموعة متحف فرحات
الجاذب في لوحات عدنان يحيى التي تحمل في مكامنها مذاهب و دلالات و مدارس رمزية و تشكيلية متعددة ان في رمزيتها أو مقاربتها للنحت أو في لحظها فن الكاريكاتور أن لها فاعلية واضحة من التجديد,و هذه قد يصعب الجمع بينها في معرض واحد و في صهرها و دمجها,حيث استطاع يحيى أن يتجاوز هذه المعضلة الفنية على وقع قسوة و حرارة موضوعه الانساني الذي بقي هو الكائن الحقيقي للوحة,و هنا مرارة يحيى في اختزال عمله المتعدد المذاهب و تذويبه في القضية الانسانية حيث المعنى يسبق الصورة ,ما يفيدنا من أن حساسية الموضوع و مرارته الانسانية رشحت من لوحته التشكيلية  ما انعكس على المتلقي سهولة في كشف وجع اللوحة الانساني القائم على تناقض مذهل و مخيف بعدم التساوي الانساني.

عدنان يحيى , مجموعة متحف فرحات
المهم في سيرة عدنان يحيى أن قضيته الفلسطينية لم تحول لوحته الى خطاب سياسي مباشر لا بل عالج هذا الموضوع أولا بمفهومه الانساني دافعا به الى أقصى درجات الفن,و قد مزج القلق بالرموز,ليعبر عن انفعالات و خلجات النفس البشرية المتألمة و ما تعانيه من قلق و صراع,فجاء فنه كرسالة للعالم الخارجي:في هذا العالم ظلم..قساوة..ألم و دمار...
من يتأمل في لوحات يحيى,انما يتأمل في تاريخ شعب بأكمله.فتجربته الانسانية مشبعة بالذكريات و بتسلسل الأحداث:المجازر التي شهدها,التهجير,القتل ,النفي..الاضطهاد و الظلم المتواصل عبر عنها يحيى بالرموز و الخطوط و الألوان التي تبدو لاذعة و محرقة أحيانا,و ساخرة كاريكاتورية أحيانا أخرى,و مجدولة على ذاتها ككتلة مشدودة يتداخل فيها التشكيل بالنحت لتأتي كأنها عمارة فنية مجسمة و منمنمة بأناقة القساوة الجمالية الجارحة.

قانا , عدنان يحيى , مجموعة متحف فرحات

أما في الخزفيات فقد اتجه الفنان التشكيلي الى لغة نصبية خزفية عامودية التشكيل مبنية من الأسفل الى الأعلى مرتكزا على مجازر تاريخية ارتكبت بحق الفلسطينيين و اللبنانيين(غزة-قانا-جنين-القدس-صبرا و شاتيلا,وخزفيات مستوحاة من قصائد الشاعر الراحل محمود درويش).

عدنان يحيى , مجموعة متحف فرحات

هذه الأنصاب اعتمد الفنان على بنائها تدريجيا من قاعدة حولها الى شاهد قبر مذكرا بتاريخ المجزرة معتمدا الألوان القاتمة للدلالة على الواقع المأساوي لهذه المأساة,ثم شيد فوقها منصة متصلة تشي بتحول من جراء هذه المأساة الى حروفية متشظية كما في نصب-قانا-و نصب-جنين- المتشابهين في التأليف ووحدة الموضوع ليشيد في أعلى الأنصاب هذه آنيات متنوعة لكل مدلولها التفاؤلي المتصل بالضوء و الخروج الى الأمل و الى الحياة لاعادة رفض الظلم و القهر الذي لحق بأطفال و نساء و شيوخ القضية الفلسطينية و اللبنانية.ففي لوحة قانا الآنية التي جاءت على شكل تمثال الحرية الذي يمثل العالم الحر و التي تحولت الى خوذة عسكرية باسمها ترتكب المجازر بحق الطفولة و الانسانية,بينما الآنية في نصب جنين حولها التشكيلي يحيى الى جغرافيا أرضية و الى طائر يستغيث الى سماء,بينما حروف جنين تتشكل كخارطة أمل لفلسطين,أما في نصب القدس يستغل الحرف للدلالة القسوى على عروبة القدس من خلال صياغة حروفية تاريخية و محولا الآنية العليا بتجريدها الدائري الى قبة تجريدية دائرية,و كذلك في الخزفيتين المستوحاة من شعر درويش.أما نصب صبرا و شاتيلا و التي تمثل و تجسد فكرة الفنان التشكيلي يحيى و ان بمقاربة قاسية و جميلة مختلفة عن الآنيات التي ذكرناها,بحيث نرى الآنية الخزفية تتصدع لتخرج منها اليد الطينية البيضاء و كأنها تبعث من جديد للبحث عن حقيقتها ضد الموت الظالم.
ينحو التشكيلي يحيى في نصبه الخزفية الى تشكيل جديد غير مألوف,فالنصب عنده خارج اطار الجمال المعلق في الفضاء ,لا بل اتخذ منحى و توجه مرتبط بمجازر وقعت ضد الانسانية و أعاد تشكيلها من تحت الى فوق,من موت الى أمل,من قهر الى حقيقة...كأنه يعيد تشكيل المأساة بأمل جديد.
لوحات و خزفيات التشكيلي عدنان يحيى طالعة من تجاربه و مراحله المتصلة بدراسته ووعيه و يده,ما جعل من معرضه تجربة تتشكل كمحطة بارزة في مسيرته الفنية المصاغة بتقنية عالية


لمى فواز - فنانة تشكيلية

No comments:

Post a Comment