Monday, August 22, 2011

أوراق من ذاكرة الفن التشكيلي الفلسطيني


"دلالات الرمز في الفنون التشكيلية الفلسطينية"
الفنون التشكيلية الفلسطينية واحة بصرية مفتوحة على الرمز في دلالاته المعرفية وإيحاءاته السياسية متنوعة المرجعيات والمشارب الوجودية. ومرهون بإحالات المبنى"البناء الشكلي- التقني" ودلالات المعنى "المضمون الفكري"،ويُشكل حالة فريدة من الخصوصية التعبيرية والتفرد الأسلوبي قد لا نجده في كثير من الفنون التشكيلية العربية أو في محطات الابتكار الأجنبي. لأنه فن ينتمي إلى قضية إنسانية عادلة بكل ما تعنيها الكلمة من معنى ومقاصد وربط مفهومي. فهي قضية غير مسبوقة في التاريخ القديم والحديث والمعاصر، مُتصلة بشعب عربي فلسطيني تعرض وما زال على امتداد قرن من الزمن لغزوة "صهيونية" عدوانية احتلالية إجلائية قائمة على تشويه الحقائق واستلاب الآخر، وخلق معطيات وقائع جديدة متناسبة وفلسفة العدوان. من هنا يكون مبعث الخصوصية في الفن التشكيلي الفلسطيني في شموله الواضح على مفردات وعناصر متناسلة من الرمز بأشكاله ومعانيه المتعددة باعتبار القضية الفلسطينية قضية سياسية بامتياز.

عبد الرؤوف شمعون , مجموعة متحف فرحات


إن نكبة فلسطين عام 1948 التي قسمت الشعب العربي الفلسطيني إلى قسمين مؤلمين في أن معاً. واقع الاحتلال والقمع والسطوة الصهيونية الاستيطانية،والتشرد وفقدان الأرض والوطن والغربة في أماكن اللجوء العربية والدولية من جهة، وما تعرض له هذا الشعب المُقسم من مؤامرات عربية وأوربية وغربية وأمريكية متكررة لإنهاء وجوده كشعب وهوية قومية عربية وإنسانية وحضارية وجمالية من جهة ثانية. وما شكله الرمز في سياقه كمفهوم واسع الطيف في كافة منابت الابتكار وما يحتله من مكانة فاعلة في صيرورة التصدي لحلقات المؤامرة على هذا الشعب العربي الفلسطيني المكافح. قد كان للرمز في مساحة الابتكار الفني التشكيلي الفلسطيني الأهمية البارزة، والتواجد الدائم في كافة أعمال الفنانين التشكيليين الفلسطينيين والعرب والمكافحين العالميين في نصرة وعدالة القضية العربية الفلسطينية سواء عِبر لوحة وملصقة وحفرية ونصب نحتية وسواها من أشكال التعبير الفني التشكيلي.
الرمز في المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني مُرتبط مباشرة بواقع الاحتلال الصهيوني،ومنخرط في الحدث الفلسطيني ومعابره الكفاحية عِبر قنواته النضالية المتاحة. حيث وقف الفنان التشكيلي الفلسطيني في الخندق الدفاعي الأول المُدافع عن الحقوق الوطنية والقومية والتاريخية والدينية والحضارية والجمالية للشعب العربي الفلسطيني في فلسطين المحتلة ومن خارجها، والمتفاعل مع مسألة الصراع العربي – الصهيوني وتفاعلات اللحظة الآنية المعايشة ليوميات الآلام الفلسطينية. تُقحم الفنان التشكيلي الفلسطيني في مساحة الحدث وتضعه وجهاً لوجه أمام مسؤولياته كإنسان وفنان ومقاوم، وتدفعه إلى ضرورة التعاطي مع الرموز التعبيرية تواصلا كفاحياً مشروعاً وأخذ زمام المبادرة التحريضية والدعائية لأشكال النضال الفلسطيني وبكل مستوياته وآلياته وأدواته. ربطاً مباشرا لمسالك الرمز والدلالة كرغبة مقصودة لتحقيق أهداف منشودة من وراء كل عمل فني تشكيلي إذ يتجلى فيها الرمز في مستويات بحث متكاملة (الفكرة والتقنية الخبرة) وقدرة الفنانين على تمثل الموهبة والدربة والابتكار في أعمال فنية تشكيلية حاشدة بالرموز. منفذة بأساليب تقنية متعددة المفردات الفنية التشكيلية كعناصر مرصوفة في حضرة التشكيل والتكوين وتوصيل الفكرة (فلسفة الفن ومبرراته) وكشف خلفيات ومضامين النصوص البصرية المسرودة، حيث يُشكل المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني المعادل الموضوعي لمجمل طرق النضال الفلسطيني في معابر الابتكار الفنية الأُخرى الموازية والمندمجة في سياق تكاملي وشمولي مع ماهية وكينونة الفنون الجميلة التشكيلية كمناهل تعبير، سواء أكان هذا الرمز الدلالي عنصراً متفرداً أو متكرراً في أبعاد العمل الفني أو مُتشكل من مجموعة عناصر فنية متجانسة ومتكاملة خطياً ولوناً وتقنية وفكرة تعبيرية ومواقف سرد بصري.


إبراهيم أبو الرب , مجموعة متحف فرحات

معزوفات السرد التقني المحمولة والمؤتلفة إيقاعاً وتجانساً عِبر (الخط،اللون،بناء التكوين) كمجالات حيوية لإيصال الفكرة المنشودة في سياق رسالة جمالية إنسانية حضارية وكفاحية معبرة عن واقع وحياة الشعب العربي الفلسطيني وتاريخ أمة. وتظهر تجليات الفكرة التصويرية في مداخلاتها الدلالية من خلال مُعطيات الرمز البصري العاكس لمرئيات التكوين وتوليفات العمل الفني تقنية وفكرة متناسبة ومقولة الفنان الوجودية والتعبيرية والدور الوظيفي والكفاحي كجزء لا يتجزأ من مخرجات العملية النضالية في مجملها الكفاحي. إن أية نظرة موضوعية عامة عابرة أو مقصودة ومُتفحصة لعموم المنتج الفني التشكيلي الفلسطيني داخل فلسين المحتلة وفي مناطق الاغتراب العربية والعالمية التي واكبت حركة النضال الوطني والقومي الفلسطيني منذ بداية القرن العشرين، وتواصلت مع انطلاقة النضال الفلسطيني المسلح في الفاتح من كانون الثاني عام 1965 وحتى اللحظة الآنية المعايشة وما تلاها من خطوات إقدام وإحجام ملتصقة بهموم الوطن الفلسطيني ومسيرته النضالية المتصلة بمفاهيم المواطنة والوطن والهويّة والانتماء، وما رافقها من عوامل النكوص والإحباط والانسلاخ والتمزق في تداعيات القطرية العربية، والانحياز للوطن القطري الضيق والتخلي عن مركزية القضية الفلسطينية في مساحة الفعل العربي الرسمي.وقنوات الأمل والتفاؤل المشوبة بدماء الشهداء والتضحيات العربية والعالمية والفلسطينية وإلى ما هنالك من تعبيرات وصفية أدبية ورمزية أوجدت للفنان التشكيلي الفلسطيني وسواه من المناضلين فسحة رحبة لدور نضالي مميز للتعبير والتوصيل، ليجد الفنانين ذاتهم المُبتكرة والإنسانية داخل أحضان الحدث جنودا مجهولين، وتُمثل جهودهم الفردية لحمة إضافية فاعلة وقادرة على تشكيل لغة كفاحية وتواصل نضالي مع دروب القضية الفلسطينية كتفًا بكتف مع المقاتلين في مواقع الصمود والتحدي وحروب الوجود.

عدنان يحيى , مجموعة متحف فرحات

ارتبط الرمز في أشكاله الخطية واللونية وسطوح مكوناته وأساليب المعالجة التقنية والفكرية المستلهمة في سياق مفردات وجُمل فنية تشكيلية مُستعارة من عالم الرموز الفلسطينية في عدة مستويات:
 الرموز التراثية هي مجموع العناصر والمفردات الفنية التشكيلية المستقاة من الواقع الفلسطيني المُعايش أو من بطون الكتب والمجلات، محاكاة مباشرة بالرسم واللون والخط والتقنيات المُتعددة أو المستحضرة من جماع المخيلة المُعبرة عن ذلك التراكم الثقافي واسع الطيف البصري والمُتجلي بنبش ركام ذاكرة المكان الجمالية من خلال مُختلف الصنائع الفلسطينية والمهن الشعبية للرجال والنسوة بأن معاً سواء في الريف أو المدينة وشامل بطبيعة الحال للتقاليد الحياتية اليومية وما يتصل بها من أفراح وأحزان، ونذكر منها على سبيل المثال لا الحصر(القمر، الغزال، الخراف،البيت، النافذة، الساقية، النهر، البحر، الجبل، الديوك، الكوفيات، الأسماك، الماء، الأشجار، الأيقونات، الشمس، الزخارف النباتية والهندسية والحيوانية، المهن اليدوية، العادات والتقاليد، الهلال والحكايات والأشعار والمقولات والأهازيج والأغاني.

عبد الحي مسالم , مجموعة متحف فرحات


 الرموز الأسطورية: هي مجموعة المفردات والجُمل الفنية التشكيلية المأخوذة من قصص الأولين سواء منها المسرود عِبر تواصل الأجيال أو المُستلهم من الكتب المقدسة أو من حفريات المعرفة والآثار، فيها مُطارحات غرائبية لجموح الخيال وتجليات الرؤى وتمثُل الروايات وتقمص الأساطير فنياً، وتأتي في مقدمتها قصص الآلهة، وفلسفة الوجود والحكام والأديان وحوار الحكايات المُطابقة لكتب (ألف ليلة وليلة وكليلة ودمنة، الزير سالم، الغولة، الحصيني، شهرزاد، عنقاء الرماد، عناة، داجون، أبو زيد الهلالي، عنترة، الشاطر حسن ومحمد) على الطريقة الشعبية الفلسطينية.
الرموز الحضارية:
هي مجموعة الدلالات المتصلة بمكونات الوجود التاريخي الفلسطيني في أنساقه الحضارية، والانتساب إلى مكونات شعب مُتشكل بفلسطين على مدار دورة الحياة، منذ ما قبل الفينيقيين والكنعانيين مروراُ بالحقبة العربية الإسلامية وحتى التاريخ المعاصر الذي نشهد فيه يوميات انتفاضة الأقصى.

أديب خليل , مجموعة متحف فرحات


 الرموز النضالية:
هي مجموعة الخصائص والمكونات المتصلة بمفاعيل الصراع الأساسية مع جبهة الأعداء الداخليين والخارجيين التي يحتل الشعب العربي الفلسطيني بكل أبنائه المجال الأبرز لتوصيف حالات المواجهة المباشرة في مقاومة الاحتلال الصهيوني بما يمتلكون من إرادة وصدور والتي تجعل من صورة (الفدائي) الحلقة الأبرز في مساحة الرمز في فضاء العمل الفني التشكيلي وبما يُحيطه من دلالات وخلفيات متممة ومُساندة (الحصان، البندقية، الكوفية، رماة الحجارة). دلالات الرمز المنتشرة في أعمال ولوحات الفنانين التشكيليين الفلسطينيين والعرب والعالميين تؤكد على أهميته في كافة المعابر البصرية، ويُصبح للخطوط والمساحات والألوان معاني متجددة مفتوحة على الذاكرة البصرية المكانية والزمنية . يُقدمها الفنانون ولائم بصرية حافلة بفقه الرموز والمعاني، وتغدو دائرة الألوان الأساسية (الأحمر، الأصفر، الأزرق) والمساعدة المتممة (الأبيض والأسود) وتدريجاتها اللونية الاشتقاقية بروداً وحرارة وحِدة لونية، لأن (الأحمر) المجال الحيوي المُعبر عن مفاهيم الثورة والحركة المقاومة من خلال رموز بصرية عاكسة لمسيرة تدفق شلال الدماء في شرايين الثوار المكافحين. الذين يقدمون أرواحهم قرابين حب ووفاء وولاء على مذبح الحرية ومسالك العودة إلى فلسطين أعراساً وشهداء في قافلة الأجيال والعودة، أما "الأزرق" بمدلوله المتعدد الخصائص والسمات يُعبر عن فضاء الحرية والسمو الإلهي والنقاء ونبض الحياة وسمو النفس البشرية وحالات التصوف والهيام في مساحات الوطن وأماني أبنائه في تحقيق الأهداف النضالية الكبرى في مسيرة الآلام الفلسطينية عِبر قرن من الزمن، واللون (الأصفر) يُعبر عن مواسم الحصاد ونور الشمس والفضاء الكوني المتسع لحيوية الشرق العربي ودوام شمسه ونهارا ته. بينما تؤلف الألوان ( الأبيض والأسود) حالة من تمايز مابين مفارق الحياة في تناقضها الأبدي ما بين الخير والشر وملامح النصر في مُقابل الهزيمة، ومناطق الحزن والقنوط في مواجهة مع الأمل والصمود. بينما تأخذ كافة الألوان الاشتقاقية الناتجة عن مزيج لونين أو أكثر واحة مفتوحة على الدلالة والرمز ومفاعيل المعاني مثل (الأخضر) كمدلول رمزي للطبيعة والخير والعطاء وازدهار الحياة وتألقها واستمرار جذوة الكفاح والتفاؤل في تحقيق الخير الوفير. لتشكل دائرة الألوان في نصوصها اللونية حِدة وتوافقاً وحدة عضوية متكاملة لمعزوفة الوطن والنضال الوطني الفلسطيني في إيقاعات بصرية فنية تشكيلية، حاشدة، بالرموز والدلالات المعبرة والموحية تبعاً لذات الفنان المُبتكرة وقدراته في امتلاك أدواته ومفرداته وأساليب الوصف والتقنية والمتوافقة مع اتساع مساحة التأليف الرمزي لتجليات الأفكار والحدس والابتكار التي تصب في حضرة الوطن وفضاء القضية الفلسطينية في سياق فنون تشكيلية أصيلة معبرة عن ذات مقاومة في معركة الوجود وموقعها في خارطة الصراع، أنهاراً جمالية متدفقة تساهم في صناعتها ابتكارات مُساندة من قِبل الفنانين العرب والعالم، أولئك الواقفين في خندق التفاعل والمواجهة في دروب التحرير والعودة متعددة المسالك والأشكال.

أيمن عيسى , مجموعة متحف فرحات

متحف فرحات
http://farhatartmuseum.info/

Tuesday, August 9, 2011

تأليف تكعيبي لمدينة الحرف والاشارة في لوحات عدنان المصري

الحرف عمارة ذوقية ومفردة تجريدية
 
عدنان المصري , مجموعة متحف فرحات

 




















ترتاح اللوحة الحروفية العربية المعاصرة ,على معطيات لم تكن سابقاً في الحسبان . اذ ان التيار الاستلهامي للحرف والاشارة , الذي أسسه الفنان الكبير شاكر حسن ال سعيد , ينضغط تلقائياً.. لتصبر اللوحة شقاًفي ذاكرة جدار الزمن . وربما تصير تطعيماً كولاجياً, أو حرقاً واشتغالا على الجزء المحروق من المسطح التصويري . انها تحول الحرف الى اشارة , والاشارة الى تهويمة , والتهويمة الى اندياح الرؤيا الفنية في عالم من البوح الهادىء الغريب الذي لا بد من ان نصل إليه في نهاية المرحلة .. إنها تشبه الى حد كبير , رحلة الطائر الثلاثون "السيمورغ" سوف يجد نفسه وحيداً على جبل قاف . وليس أمامه سوى مرأة القدرة . حيث تتجلى صورة ذاته فيحترق بذاته ليصير رماد أبديته .. هكذا لوحة الاستلهام الحروفي عند مؤسسها مطلق التيار الحروفي شاكر حسن ال سعيد .
لكن التفسيرات المتعددة لهذا التيار الحروفي , تطورت هي الاخرى . فمن المدرسة النصية التي اعتمدت النص الكتابي العربي كخلفية للوحة , الى التيار الانكساري الذي اعتمد تكوين المساحات المستحدثة ضمن علاقات الحرف الكوفي المسطري , الى الحروفية الهندسية التي تستغل مطاطية أو بلاستيكية الحرف العربي كما هو الأمر عند نجا المهدوي, الى التفسيرات الايرانية للتأليف المتداخل للكتابة الفارسية .


عدنان المصري , مجموعة متحف فرحات

لكن ضمن هذه التيارات المتعددة , وخارجها في ان واحد , يبرز الفنان اللبناني عدنان المصري . فما الذي أضافه هذا الفنان ؟
في البدء , لا بد من الاعتراف بأن هذا الفنان اشتغل على تجاربه التأليفية في اللوحة منذ اكثر من ربع قرن , فهو دارس للفن ومتخرج في بيروت العام 1965 , لكنه أيضاً ذلك الدارس المجتهد جامعات باريس , حيث درس هناك الجداريات والحفر . ناهيك عن كونه لم يكتف بالدراسات الفنية العاليا , بل درس أيضا ً علم النفس وعلم الاجتماع ليجمع كل معارفه الأكاديمية في دراسته العليا لفلسفة الجمال ....
إذاً نحن حيال باحث جاد . علينا أن ننصفه ونتحدث عن تجربته بشيء من الوعي النقدي

هذا الفنان الباحث , تناول الايقاع الحروفي من معطيات مغايرة , حيث رأى أن الحرف هو عمارة ذوقية بقدر ما هو مفردة تجريدية للتواصل والاتصال عبر النص الكتابي . من هنا يرجع عدنان المصري الحرف الى تكوينه الهندسي الاول ,لكنه لا يتركه معلقاً كقوة تجريدية صوتية قابلة للاندثار وسط أي تأليف لوني على مبدأ جرىء ينم عن متابعة دقيقة للوحة في جميع اجزائها . انه يربع الدائرة أحياناً .... ثم يقطع بمستطيلات دخيلة تصبر جزءاً من تأليف لمجرد أن يلامس حضورها جسد ذلك الحرف الكوفي الذي انتصب وتكون كقوة هندسية موازية . ثم يعمد وسط كل هذا التناظر إلى إدخال المفاجات اللونية القاسية . وهنا تلعب الألوان (الغامقة ) لعبتها في تنوع الأعماق الأساسية في اللوحة .
نظام هندسي متوازن , قوامه جسد الحرف القاسي وأحياناً جسده اللين . لكن هذا النظام لا يتقدم كقوة مكونة من مستطيلات ودوائر طافحة بمعطياتها اللونية كما الأمر عند "بيت موندريان " , بل ستلغي العين تلقائياً ذلك النظام السطحي الهندسي لتذهب بسرعة صوب الحركة والجيشان القوي الذي خلقه تصادم أو تجانس الحروف , في واحدة من اكثر العلاقات اثارة واغراء .


عدنان المصري , مجموعة متحف فرحات

لا تعرف مع لوحة عدنان المصري من أي تبدأ ولا اين تنتهي , لكن الذي تدركه أن الفنان نجح في جذبك باتجاه عالمه الاشاري والحروفي , الذي يتكرر ويتصارع ليصير مدينة الذاكرة الشرقية أو العربية مهما حاولنا أن نتعامل بوعي أو بيقطة مع المسطح التصويري لهذا الفنان .
إن استعمال الألوان ( الغواشية ) ساعد الفنان كثيراً في تقميش جسد الحرف وخلق الحدود الواضحة بين العناصر الأساسية للتأليف . لكن لا أحد من محترفي الرسم . إلا ويعترف بالصعوبة التي يشتغل فيها الرسام بهذه المادية المائية التي تتواسط ما بين طراوة " الاكواريل " وكثافة " الاكريلك " . انها مادة تأسسية ذات نتائج جيدة لكنها تحتاج الى خبرة احترافية .

عدنان المصري , مجموعة متحف فرحات


عدنان المصري ومن خلال هذه المادة , يؤلف لوحة ذات مواصفات جدرانية من حيث الشعور بالامتلاء والتمدد . وهي أيضا ً تمتاز بالحركة الداخلية وبالبناء أو التقطيع التكعيبي الذي يرسم أمامنا أبعاداً عدة على المسطح الواحد .
بالطبع لا أحد منا , ولا عدنان المصري ذاته ,كان  يعرف المدى الذي يمكن أن تذهب أليه مثل هذه اللوحة .... أحيانا ً أشعر أنه بدأ يغلب القوى اللونية على القوى الإشارية . وهذا يعني ذهابه باتجاه لوحة " الأوب ارت " أي الفن البصري الذي يعتمد على زغل الرؤيا وتوازن أو تعارض المساحات ... ولكن أعود فانتبه الى ما ينتبه هو إليه من شجرة حروفي , ضمن بناء تجريدي عام لا مكان فيه للصورة . بل لروح عقلانية خلابة تصل اللغة كنص منطوق , بالحرف كنص مصور . فلا غرابة أن نرى ما هو صوتي مدغماً بما هو تصويري ... وما هو إشاري يتحرك ليوصل المختلف إلى مستوى المؤتلف .

إذا ً نحن حيال تفسير ناضج لأحد الاتجاهات الحروفية , في الوقت الذي كنا نعتقد بأن تيار الحروفية في الفن التشكيلي خلقته مرحلة العزة الانتمائية للفنان العربي . وأضعفته مرحلة الذوبان أو التداعي العربي في نظام العولمة الجديد .



الفنان عدنان المصري 1937 -2010

ولد الفنان عدنان المصري في بيروت سنة 1937
درس الرسم والتصوير في الأكادمية اللبنانية للفنون الجميلة سنة 1962 
حصل على ليسانس في الفلسفة وعلم النفس وعلم الاجتماع في جامعة بيروت العربية . وحصل على ماجستير فلسفة علم الجمال في الجامعة اللبنانية، ما بين 1977-2001 عمل استاذاً في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية، ونال شهادات وجوائز كثيرة  من الكويت وجامعة الدول العربية ومعاهد الفن في الاتحاد السوفياتي. وشارك في العديد من المعارض الجماعية، كما أقام معارض فردية، له حضوره المميز في الحركة الفنية اللبنانية المعاصرة .توفي الفنان سنة 2010

John Ndevasia Muafangejo & Mustafa Al Hallaj : Resemblance in Style & Gr...




Artworks of the African Artist "John Ndevasia Muafangejo"
& the Palestinian Artist "Mustafa Al Hallaj"
تشابه الفن في الإنسانية أفريقيا-فلسطين والفن الفطري

أعمال الفنان الأفريقي جون ديفازيا موافانغيجو والفنان الفلسطيني مصطفى الحلاج
...Resemblance in Style & Greatness
Artists from 2 worlds both created Art with similarity in the style,but with different subjects.
The objective is one:
Art for the sake of Humanity

Sunday, August 7, 2011

1911-1993 الفنان ألفرد مانوسييه

البحر، مصب النهر، الينابيع، الخلجان، الجزر وشبه الجزر، وجوه ووحوش ، تظهر بلاد بأكملها وتختفي في الضوء " بمجد" كل هذا لا يمكن أن يجتمع بلوحة إلا عند الفنان الفرنسي ألفرد مانوسييه
 
  
 منذ الأربعينات وحتى سنة 1993 أي سنة وفاة الفنان لم يخفى أبداً تعلق مانوسييه  بمكان نشأته ضمن لوحاته المستوحاة من شاطئ البحر ومصبات الأنهار، البرك والمستنقعات المستنة. هذه المناظر الطبيعية تشهد التطورات الفنية التي رافقت الفنان طوال حياته في أعماله التي شكلت مجموعة استثنائية، متناغمة ومنسجمة، مليئة بالتنوعات .
 
ألفرد مانوسييه , مجموعة متحف فرحات
Artwork by Alfred Mannessier , Farhat Art Museum Collection
 
 
إن أول أعماله كانت ذات طابع تكعيبي ثم ابتداءاً من سنة 1938 أضحت سريالية .أما  أول المناظر الطبيعية التي رسمها فكانت بين سنتي 1942-1943 وهي لوحات منفذة بالألوان المائية ,عرضها لأول مرة في المعرض الباريسي المسمى "20 فنان مبتدئ" والذي نظمه جون بازان في غاليري براون ، من أبرز المشاركين كان لابيك وبيزير..
هذه اللوحات كانت توحشية تعبيرية حيث تعامل الفنان مع الألوان القوية والنضرة، حيث المساحات الحمراء  والطيور  ذات اللون االتركوازي تعكس ظلالها على المياه كأزرق وبرتقالي.
هذه التعبيرية بالموازاة  مع التكعيبية تنص على التقسيم وتجزئة الشكل لإبراز الحجم مع وجود الظل والنور التقليديين،  رافقت هذه الأعمال التيارات الفنية التي ظهرت في أول القرن العشرين والتي لا شك بأنها تحمل في طياتها عند المناطق الملونة والخطوط  الجريئة مهدت لأعمال الفنان لمدة عشر سنوات حتى أواسط الخمسينات.
عند عودة ألفرد مانوسييه الى الكوتروي سنة 1948 سيطرت المناظر البحرية  على  لوحاته، واجتمعت رؤيته الساحلية وإحساسه مع التنظيم  المعقد نسبياً على سطح اللوحة. مثل  لوحاته "أجواء صباحية" 1949، " طيف من السوم" 1949، " مياه ميتة" ، "مستنقع" 1954 وغيرها...
 
 
 
هذه الأعمال التي نفذها إثر دراسات تخطيطية على أوراق، تفترض أبنية محجمة ومتطورة : صلبان طويلة، وعرضية، الأشكال و الأحجام  ترجع الى خطوطها الأساسية ، المنظور الهندسي على هذه المساحات نجده بالألوان شفافة أو عبر البناء الهندسي على الطريقة المعمارية كما في " البور الأزرق" 1948 .
لوحاته فيها من اللامماثلة الموزونة والتنظيم الهندسي للأشكال حيث يبدو ذلك واضحاً في اللوحات المائية  فتظهر الخطوط البنيوية الأساسية في مساحات غير مكتملة -"الصدف" 1948 -
الأعمال المائية لسنة 1953 والتي كانت أساساً للوحات عدة مثل "جماد 1"  1953، "جماد 2" 1954، تمحورت حول عنصر وحيد وقللت من لعبة المنظور بقدر المستطاع.
أما أعمال اللافي فكانت بالعكس حيث تبرز مساحات عميقة وواسعة يحدها خط وحيد يؤكد البعد في اللوحة دون اللجوء الى المنظور الكلاسيكي،  ومن خلال المناظر البحرية  مانوسييه ركز على احياء سطح اللوحة عبر الخطوط المقوسة والمساحات كما عبر احياء حركة المياه : المد والجزر.
 


تكررت هذه المرحلة لاحقا في أوائل الثمانينات عبر مجموعة من اللوحات سماها الفنان "بالرمل" لكن الجو إختلف حيث أضحى تفصيلياً أكثر.
شهد العام 1977  عودة مانوسييه الى البيكارد بعد عدة سنوات من المكوث في هولندا ثم إسبانيا، بعدها عاد الى الكوتروي إثر وفاة والدته. أنجز الفنان خلال مكوثه حوالي الستون لوحة مائية غلب عليها الطابع التجريدي. ولمدة 16 سنة وحتى وفاته لم يكف ألفرد مانوسيه عن الرجوع الى استعمال موتيف المياه الحية أم الميتة ، أي المستنقعات والشواطئ في البيكارد.
" عمق المياه" 1982، " فرحة الربيع" 1990،  وغيرها ... هذه  الأعمال تشهد سويا  وأعماله الأولى  غلى دراسة الضوء في السوم على و تلحظ تميزه وتفرده الواضحين.
ألفرد مانوسبيه لم يتخيل فقط المجموعات اللونية واستشعاره للتفاوتات الضوئية المتنوعة خلال ساعات النهار المختلفة لكنه أيضاً خلق التاَليف الحساسة والحاذقة عبر استخدامه المجرد للأسود والأبيض والرمادي.
 
 
الزجاج المعشق في فن ألفرد مانوسييه
 
بعد اقامته في دير لاترابي عام 1938 (دير مسيحي يصوم رهبانه فيه عن الكلام) انطبعت  التأثيرات الدينية شيئاً فشيئاً على لوحات مانوسييه ليعتبر  الفنان من أهم فناني الفن المقدس L'ARTT SACRE  .
ولأن أعماله بدت في كثير  من الأوقات تشبه الموازييك بألوان نضرة نتج هذا عن استلامه على مدى حياته أعمال الزجاج المعشق بداية للكنائس الميديافال ثم كلف لاحقاً في سنة 1982 لانجاز الزجاج المعشق لكنيسة سانت سيبولكر الأثرية في أبقيل .
إنتهى تنفيذ هذا العمل بعد إحدى عشر سنة في أيار 1993 (300 متر مكعب ضمنه 31 شباك) أهم أعماله في هذه الكنيسة كانت "ظل الصليب" "الدم والماء"، "ستابا ماتير". ..
تبرعت لاحقاً عائلة الفنان بجميع دراسات وماكيتات هذا العمل الى متحف يوشر دوبيرث في أبقيل.
 
 
حياة الفنان
 
ولد ألفرد مانوسييه في 5-12-1911 في سانت أوين في السوم (فرنسا) سنة 1924 تسجل في مدرسة البوزار التي تعد تلاميذها للانتساب الى الإنسبا في باريس حيث درس فيها فن العمارة، في هذه الفترة نسخ مانوسبيه أعمال كبار الفنانيين في اللوفر، في سنة 1935 درس تحت إشراف الفنان روجيربيسيير في أكادمية رانسون للفنون.
سنة 1938 انتقل للعيش في فوغيرار حيث بقي 33 سنة. أول معارضه الفردية كان سنة 1949 في غاليري حي بوشر في باريس .
في سنة 1982 أنجز أول عمل زجاج معشق له.
 
توفي ألفرد مانوسييه في تموز 1993 بحادث سيارة في اورليانس ودفن في مسقط رأسه.
 وقد عرض أكثر من 170 عمل من أعماله مؤخراً (آذار 2005) في متحف بيكاردي في أميان
 
متحف فرحات