Thursday, June 30, 2011

يحارب العولمة غير المنظمة والموضة التجارية ويطمح في عمله إلى إنقاذ الإنسان من ذاته, جميل ملاعب بقلم أحمد بزون


يسجل جميل ملاعب يوميات العيش، فيتجول بين دول ومدن وأرياف، يصورها بريشة تبتعد عن اللغة السياحة والأهداف الاستشراقية، مجسداً فيها تحولات الزمن من خلال تكثيفه في مساحة اللوحة، من دون أن يقف عند مدرسة تشكيلية أو يتعصب لتيار. كما يرسم «الجميلات النائمات» وعاريات البحر، ويحمل ريشته إلى القاهرة ودمشق وبغداد والدار البيضاء وسواها، ليلونها بأسلوب حرّ وتلقائي، يتنقل بين التقنيات التشكيلية وتقنيات الألوان والأساليب من دون الاعتماد على قواعد صارمة، إذ تجتمع خبرته الطويلة في معالجة الألوان وثقافته الفنية المنوّعة وآراؤه في الفن والحياة، لتنتج عملاً فنياً تظهر فيه بصمة فنية واضحة.
كانت له تجارب في رسم الحروب، معظمها بالأسود والأبيض، لا سيما تلك التي هزت لبنان أو فلسطين، وقد نشرها في ثلاثة كتب، ثم يخرج من تلك اللغة الكابوسية باحثاً عن جماليات الطبيعة والإنسان ومفارقات حياة المدينة والبداوة، في مجموعة من الأعمال التي صدرت في أربعة كتب أخرى. وعلى أبواب معرض جديد يقيمه في غاليري «جانين ربيز» بين 23 شباط الجاري و23 آذار المقبل، أجرينا معه هذا الحوار حول كتبه وفنه وآرائه في تجارب الشباب والفن المعاصر ودور النقد.

 
جدارية سجن الخيام مجموعة متحف فرحات


أصدرت 7 كتب تضم أعمالك الفنية حتى الآن. هل الهدف من ذلك نشر ما لم تعرضه في الصالات؟ ثم ماذا ترى في الكتاب: إكماله مهمة الصالة؟ ضرورة توثيقية؟ أم أنه لا يغني عن وجود اللوحة في صالة أو متحف، ولا يوثق بطريقة تحفظ قيمة العمل الفني؟
- صدف أنني في عامي 1976 و1977 أنجزت رسوماً كثيرة بالأبيض والأسود، نشرتُ منها في الصحف اللبنانية، من بينها «السفير» و«الأنوار» و«البناء». وصدف أن التقيت رفيق شرف العام 1977، فقال لي اجمعها في دفتر ففعلت وأسميته «دفتر الحرب الأهلية». هو اختار العنوان، وعارف الريس رآه فكتب مقدمة له، وكان أول كتاب رسم يطبع عن الحرب الأهلية اللبنانية. ثم عملت كتاباً ثانياً بعد اجتياح إسرائيل لجنوب لبنان هو «قريباً من الوطن». وكنت بدأت إنجاز مجموعات حفر منذ العام 1970، تناولت فيها الاعتداءات الإسرائيلية، وكانت لديّ مجموعة ثالثة وهي محفورات بالأبيض والأسود، عرضتها في غاليري «إيبروف دارتيست» تحت عنوان «آخر الظلام أول الفجر». أما الكتب الجديدة الأربعة فأنت رأيتها.
هدفي من الطباعة هو توثيق الأعمال ضمن مجموعات تصل إلى الناس، مثلما تصل الأغنية وديوان الشعر. تعودت الفكرة، وصارت جزءاً من تجربة خاصة. لم أتسرع في ذلك، إنما أنطلق من رؤية تراثية واقعية، فيها نقل تجربة ومعاناة إنسان، وفيها فتح آفاق تجدد في المادة والموضوع، فيكون عملك شبيهاً بالحدث والكلام والأكل والفصول.
أيضاً، في البلد لا يوجد متحف وربما لن يوجد، فالفنان يهمه أن يجمع أعماله في مساحة ما. الكتاب يحفظ جزءاً من مشاهداتنا وحضورنا حتى كل الأجيال تستطيع قراءة عملنا. الطالب لا يستطيع شراء عمل فني، والمعارض الجماعية تكون عابرة، وذات مستويات متفاوتة. في الكتاب تكون مسؤوليتي أمام عملي واضحة. إذا أصدرته الدولة يكون منحازاً ومفشكلاً ومطعوناً بالعائلية والطائفية. في كتابي أكون حراً تقنياً ونفسياً وفكرياً وحضارياً ومستقبلياً.
أنت تطبع على نفقتك الخاصة؟
- نعم، وطباعة الكتاب الفني مكلفة كما تعلم. أطبع من دون رعاية أحد، وأقدّم الكثير من النسخ كهدايا.
التنوع التقني في أعمالك هل هي رغبة موسوعية أم انجراف عفوي؟
- عندما كنت طالباً في معهد الفنون تعلمت مواد عدة. كل مادة لها تاريخ ومناخ وحساسية. عندما اشتغلت حفر أحببته، وكذلك عندما استخدمت الغواش، وهي مادة يسهل نقلها في السفر. النحت كتجربة كانت معايشة للصخر في الضيعة.
أخذت جائزة النحت في متحف سرسق العام 1967، قبل دخولي الجامعة. مادة الموزاييك تراثية لها أساس في المنطقة، والاختزال فيها مهم جداً، هي مادة لها إحساسها وجمالها وروعتها. في بلادنا نستخدم التراب والحجر والخشب، لكن الموزاييك تجربة مادية لصناعة العمل الفني. ثم لا بد من المطبوعة الخشبية للتعبير عن الحرب. في اللون الأسود للمطبوعة الكثير من التعبير الذي يصعب استبداله بمادة أخرى.
أنا استخدمت كل هذه المواد من دون أن أشعر بأي مفاجأة. ابتعدت عن مادة الزيت بسبب خطرها الصحي، لأنني كنت أصاب بتحسس منها. الآن لم تعد هناك مشكلة. من خمس سنوات أزاول استخدام مادة الزيت براحة وشغف. لكن في المراحل التي كنت أتنقل فيها لم تكن مادة الزيت عملية، كان من الصعب وضع مادة الزيت أمامك ولوحة كبيرة، لذلك كان استخدامي مادة الغواش هو الرائج.
حالياً ماذا تفضل؟
- الزيت.
التجريد والواقعية
في لوحاتك التي تصور فيها مشاهداتك تعبر عن دهشتك بالطبيعة. هل يقف الفن هنا برأيك أم يتخطى ذلك إلى صنع الدهشة أيضاً؟
- أعتقد أنني رسمت التجريد والواقع. الاثنان متوازنان، في الواقعية تجريد وفي التجريد واقعية. أطمح إلى أن يكون عملي أكاديمياً وكلاسيكياً وحتى تقليدياً. لذلك أحاول العودة إلى الواقعية الصعبة، الواقعية التي تحمل التاريخ والتراث والتجربة اليومية والمعاصرة، أركز على الشكل والخط واللون المحلي واللون الحسي الإنساني العاطفي.
حتى لو رسمت بالأبعاد الكلاسيكية الواقعية أرفع اللوحة من تاريخيتها إلى اللحظة المباشرة. لا أخاف ألا أكون فناناً حديثاً، لأنني أعيش لحظات إنجاز العمل.
وبالنسبة إلى موضوع المشاهدات؟
- يهمني دائماً المشهد الذي ليس فيه زمن، لا ماضٍ ولا حاضر. لذا تشدني مشاهد الإنسان الذي يعيش في الطبيعة. المرأة التي في الخيمة يمكن أن ترجعنا إلى 400 سنة، وفي لحظة تعيدنا إلى الحاضر. يدهشني تكثيف الزمن في اللوحة. أتحدى الزوال بالعمل الفني. العتمة والطير والشجرة والصخرة تجعلني ألجأ إليها لأنها أبدية. أنا مشدود إلى المشاهد التي لم تتغير، الفلاح، الطير والحيوان عموماً.
بطريقة لا شعورية أحارب العولمة غير المنظمة التي لا تحترم الطبيعة. أحارب الموضة التجارية التي تأخذ من الإنسان فلوسه وروحه وتتركه فارغاً، وتبعده عن تراثه وأرضه وعن الطبيعة والتاريخ والثوابت الحضارية وجسمه وصحته وأكله وشربه، وتقربه من الملوثات المادية والفكرية والثقافية. الإنسان الصامد في أرضه ثابت، وكذلك البيت ومواد الأكل والعمل. كلما ابتعدنا عنها صرنا في خطر. بطريقة غير مباشرة أشعر بأن عملي في هذه المواضيع طموح إلى إنقاذ الإنسان من ذاته الخطرة.
وإن كنت أختار مواضيع معينة لكنني لا أختار الموضوع بل أبحث عن شيء يشبهني أنا ولا يشبه أحداً سواي. المهم طريقة معالجة الموضوع. كل الفنانين يرسمون المنظر الطبيعي والفولكلور اللبناني، لكنني أحب رسمه بطريقة قوية وتجربة خاصة قوية وصعبة ومعقدة وواضحة وتشكيلية.
في أحد كتبك تتذكر ما قاله لك أحد أساتذتك «إن دور أستاذ الفن تحذير طلابه من التيارات العابرة التي لا تعبر عن الطبيعة والتراث والوطن». كيف يمكن أن نعمل ثورة أو تغييراً في الفن اليوم؟
- بعض الأساتذة كانوا يعتبرون أن الفن المعاصر والتيارات التشكيلية، خصوصاً في أميركا، خطرة على الفنان، وبالفعل هي كذلك، لأنها ليس فيها عمق. يجب ألا نغمض عيوننا عن الأشياء المهمة مثل مدرسة باريس والتأثيريين والتكعيبيين أمثال براك وماتيس، في الوقت ذاته يجب ألا نعيد الشكل ذاته، الشكل الذي نعمله يجب أن نخص به ذواتنا وتراثنا. وفي التجربة الأميركية بولوك، جاسبرسوغ مادروبلك، جورج سيغال، هؤلاء محطات يجب معرفتها حتى لا نعمل ما يشبه تجاربهم. أمجّد المدرسة السوفياتية الواقعية التعبيرية في الفن. أعجبت منذ سنتين في موسكو بالتجربة السوفياتية التي شاهدتها، خصوصا في النحت. مادة البرونز هناك كانت أهم تجربة حضارية فنية قام بها الفنان السوفياتي.
ممّ تحذر تلاميذك؟
- أقول لهم لا ترسموا التجريد، هو يأتي وحده، مثل الشعر، لا تكتب الشعر الحديث إذا لم تكن تجربتك قوية. المسيرة تفتح طريقها مثل الجداول أيام الطوفان. لا شك في أن المجلات الأجنبية التي نستوردها تضيّع الطلاب. نجد لوحات فنية مطبوعة إلى جانب لوحات بيكاسو، يفكرون أن ذلك مهم. هذه اللوحات تضيع الطلاب ويتركون المدرسة الواقعية، ويفكرون أن الفن موجود في هذه المواد الجديدة. إن واجبنا تحذيرهم من أن يتعرفوا على الغش. التجربة تحتاج إلى قواعد وممارسة في الرسم والتأليف والمادة.
نحن كالأوعية المتصلة
أنت تقول إنك عندما تنغمس في الطبيعة والرسم لا يبقى وقت للأسئلة. كيف يمكن أن تتطور ثقافة فنية بلا أسئلة؟
- العمل الفني هو سباحة وبحر ليس له أعماق. عندما تسبح لا تعود تشعر بجسمك. عندما تدخل في اللوحة تدخل في نشوة أبعد من السؤال عن الرأس والجسم والعقل، فهذه كلها تتوحد مع المادة والضوء والصوت والشكل، ويتوقف التفكير، ويصبح اللاوعي هو الذي يقود المسير الفني. أنت في حالة تشبه التأمل والتصوف، وفي مثل هذه الحالة فقط تستطيع أن تخترق الجليد. هنا يكمن السر، وتمّحي الأسئلة، ولا يعود يهمني رأي الآخرين. عندما أصل إلى نفسي أصل إلى الآخرين. نحن كبشر في لاوعينا كالأوعية المتصلة. كل إنسان موصول لاوعياً وحلماً بعالم السحر والفن والجمال والشعر. لكن هذه اللحظات قليلة في حياتنا، لذلك نحن نمجد الثقافة التي هي الوسيلة الوحيدة التي توصلنا إلى الأعماق وعالم الإبداع وعالم اللازمان واللامكان. عالم الخلود. وليس مهماً أن يكون العمل لفنان فرعوني أو صيني أو عربي، نحن موحدون بالرؤيا الكونية والإنسانية، لنا لغة موحدة بالإحساس البشري والوجودي والشعري، الذي يوقفنا أمام حقيقة واحدة أننا نعيش على هذه الأرض، ونرفد عملنا بالفن، لنخفف من قلقنا وعبء زوالنا. تجاوزت مرحلة السؤال عن الاتجاهات الفنية. أرسم مثلما آكل وأتكلم وقد اختلط الكلام باللون.
تصوِّر يوميات ومشاهدات وتركز أكثر على الناس في لوحاتك. متى ترسم نفسك، أي متى ترسم من داخلك، من دون أن يتحكم المشهد الخارجي بلوحتك؟
- أنا لا أرسم غير نفسي وكل اللوحات التي أرسمها أعرض فيها نفسي للناس. وإن كنت أرسم المرأة التي تختلف عني، فأنا أرسم أمنياتي واللوحة هي مرآتي، هي مشهد متكامل يشبه الكرة الأرضية والبحر والنجوم.
على البحر يبدو المشهد متخيلاً في كثير من الأحيان، كأن تعري نساء الشاطئ بالكامل ويتحول البحر إلى مجرد حجة لتصوير العاريات.
- لا أحب أن يكون مشهد المرأة على البحر مرتبطاً بمايو. المرأة عندما تكون على شاطئ لا صفة ميكانيكية لها، هي مثل السمكة والصدَفة، مثل الشجرة. لا نستطيع إلباس الشجرة ثوباً فتفقد علاقتها بالطبيعة والغيم والقمر. لذلك عندما أرسم الإنسان أحترم الشكل الإلهي له. الإنسان نيته عاطلة، أما الله فخلق الناس عراة. والصوفيون في الهند يصلون وهم عراة.
العري
لكنك تُسقط العري في اللوحة كحلم، كأن تضع عارية في مشهد عرس مثلاً.
- كل شيء غير عارٍ هو تشويه. كل ما يبعدنا عن جمال الطبيعة هو تقليل من حضور الإله فيها. لم يُبَعِ الجسد إلا بعد نشوء الأديان. لم يكن هناك ما يسمى زنى. كان الإنسان طبيعياً وحراً وصادقاً. استعمال التقاليد الدينية بطريقة غير حضارية جعل المرأة عورة، وجعل الطفولة، في التربية الخطأ، تتشوّه، لذلك ماتت مواهب كبيرة وعبقرية في مهدها، نتيجة المفاهيم اللاإنسانية واللاحضارية. وكم تسمع من إنسان يقول لقد فقدت طفولتي وأريد العودة إليها، لأن الإنسان البدائي وعبدة الأوثان هم أقرب إلى الحقيقة مما وصلت إليه الأديان السماوية. وأعترف هنا بأن البوذية هي الدين الوحيد الذي لم يعقّد الإنسان في تقاليد، بل جعل من الصحة والسعادة الهدفين الحقيقيين لمصير الإنسان. ليست هناك جنة وجحيم في التقاليد الهندية القديمة مثلاً. بقي الإنسان حتى اليوم مفقراً ومنسحقاً أمام الوحش المالي، لكن الطير والشجر والتراب والنمل بقيت متآخية. متى يستيقظ الإنسان من جشعه وحبه للقتل وتجميعه لأسلحة الدمار الكارثية؟
لديك لوحة عنوانها «مدن البحر» يأتي الواقع فيها كأنه أطلال مشهد مدينة على البحر. هل هي مسافة فنية بين أسلوبين يتأرجحان بين تصويرك الواقع بكثير من الوضوح وتجريده ليتحول إلى مجرد تلميح، أم أنك ترسم مرة أمام المشهد ومرة من ذاكرة بعيدة؟
- لوحتي كأنها مذكرات إنسان يحب السفر. لا أستطيع الذهاب إلى القاهرة من دون أن أرسم النيل، ولا إلى اسطنبول من دون رسم البوسفور. نفذت أعمالي في حوالى عشر مدن بحرية. وعندما أنجزت كتاباً عنوانه «البحر» جمعت لوحات من مدن رسمت فيها البحر، من أيام مقهى الحاج داود في بيروت إلى الجزائر، إلى نيويورك، إلى جبيل وصور وصيدا. جمعت هذه اللوحات كلها تحت عنوان «مدن البحر». أحاول أن يكون لديّ منهجية في الكتب. عندي مثلاً أعمال عن المغرب ستنشر في كتاب تحت عنوان «المغرب». الموضوع هو الذي يخلق العنوان. عندي لوحات عن الحرب في عدة مراحل حتى العام 1975 لم أنشرها بعد، سوف أطبع كتاباً عن غزة 2006.
في لوحات البحر بالذات تلجأ إلى تأليف جديد للوحة، بحيث تكون المساحة الزرقاء محتلة اللوحة كلها، عدا مساحة قليلة فيها مركب أو صخرة أو شخص، ما يحيلنا على اعتمادك هنا على الإيقاع الشعري أكثر من حشد التفاصيل.
- الحقيقة أن موضوع البحر شدني. رسمت البحر في مراحل عدة في لوحات صغيرة من الغواش، وعندما دخلت في التجربة الزيتية كان من السهل استخدام المساحات الواسعة والرموز القليلة، حتى اختلط هنا الواقع بالتجربة. وأنا نفسياً تشعرني المساحة الواسعة بالارتياح.
اللون
في أول صفحة من كتابك «بحر» صورة لك مع شال أحمر، وتقف إلى جانب عمود أحمر، إضافة إلى أن اللون الأحمر يفيض على المشهد، هل لهذا الأحمر الذي تكرره في اللوحات عموماً، ولو بضربة بسيطة، معنى رمزي، أم أنه لون جمالي؟
- اللون مسألة خطيرة. العديد من الناس يتمنون لبس ألوان معينة لكن لا يتجرؤون. من الصعب أن نلبس بدلة برتقالية أو صفراء أو خضراء، لأن المصمم لا يسمح بذلك، لكن المهرج يلبسها لأنه يتجاوز الأعراف والموضة والأزمنة. البدوية تفعل ذلك أيضاً لأنها قريبة من نفسها أكثر. الطفل يستخدم اللون الأحمر. الهنود يفضلون أجمل الألوان، الأصفر والأحمر والنيلي. الإنسان المتحضر يبتعد عن ذاته، لذلك فهذا اللون أو البقعة الحمراء والصفراء هي رمز لطفولتي وبدائيتي وارتباطي بالطبيعة وباللون الذي لم أخلقه أنا، وليس لي دخل في اختراعه، أستعمله كآلة للتعبير عن حريتي فقط.
تصويرك العاريات هدفه تجسيد مشاعر جنسية أم البحث عن أسباب جمالية؟
- لا أعرف لماذا أحب الوردة. كيف تريدني ألا أحب الطير والربيع والمرأة بعريها. ماذا يبقى من المرأة إذا لففتها بشرشف؟ ماذا يبقى من الوردة إذا غلفتها بمنديل؟ أنا لست ضد شيء، أنا مع اكتشاف موضوع عمل أستطيع أن ألونه بطريقة ترضيني، من دون أن أقع في الرتابة والجمود. أحب أن تكون لوحتي تشبه جسدي، جسدي الذي لا يتكرر، يكبر دائماً وتتغير ملامحه. أتمنى أن تكون لوحتي تشبه الأيام والفصول والنبات والاختراع والصورة الجديدة واللحن الجديد.
ترى معارض فنانين شباب يخرجون على اللوحة التقليدية، ويبحثون عن لوحة جديدة معاصرة تتناسب مع العصر. كيف ترى مثل هذه التجارب؟
- أنا ضد هذه التيارات المعاصرة، لأنها لا تقود إلى انتصار بل إلى تضعضع وتفسخ. بقدر ما تكون المشروبات الروحية مهمة لا تغني عن الفواكه الطبيعية والعصير الطبيعي والأكل الطبيعي. الكثير من الناس يفضلون «البيبسي كولا» على الليمون مع أن الليمون أرخص.
هل تصل الأمور عندك أنك ترى فيها خطراً على استقرار الفن؟
- أكيد. اللوحة البشعة تؤثر سلباً في المجتمع مثل الأغنية البشعة.
نفهم أنك ضد أي ثورة في الفن؟
- أنا مهمتي إنجاز لوحة جميلة، وما تبقى لا يهمني. أنا مثلاً أفضل عبد الوهاب وأسمهان ونور الهدى وفريد الأطرش وفهد بلان.
ونانسي عجرم؟
لا أطيقها. لدينا فنانون مهمون مثل إيلي شويري وزكي ناصيف وتوفيق الباشا.
هل استطاع النقد اللبناني أن يكون فاعلاً في التشكيل اللبناني؟
كان فعالاً جداً في الحركة التشكيلية اللبنانية، لأن الفنان يضيع إذا كان يعتمد على نفسه فقط في تقييم عمله الفني، ولا يستفيد إذا بقي وحيداً أو يعيش في عزلة. يلعب الناقد دوراً كبيراً في إنارة الطريق والتركيز على النواحي الجديدة في العمل الفني ونواحي الإبداع. الصحافة اللبنانية لعبت دوراً مهماً جداً، والكتابة عن المعارض والتجارب التشكيلية من الستينيات حتى اليوم كانت مهمة. أنا أعترف بأننا نمتلك تراثاً فنياً لبنانياً أصيلاً، وله قواعد وجذور، ونمتلك تجربة حضارية لا تقل عن تجربة مدرسة باريس، لأن أكثر من 20 فناناً لبنانياً أسسوا في باريس مدرسة فنية لبنانية لم تلتزم بتقليد وترجمة الغرب، بل استوعبت الثقافة الغربية واستطاعت التأسيس لمدرسة أو لوحة لبنانية مغايرة أعتز بها وأتمنى أن تكون لوحتي الشخصية مبنية على أسسها، وكذلك اللوحة اللبنانية التي أفتخر بأن نطل بها على التجارب العربية والعالمية بكل اعتزاز في النهاية أنا رسام تخطيت أفكاري وأحاسيسي، لكن أتمنى ألا أتخطى لوحتي وألواني.

Friday, June 17, 2011

Saturday, June 11, 2011

الفنان طلال معلا .. الصمت حالة من الاحتجاج والدعوة إلى الكلام

ليس هناك لوحة مكتملة ولا لوحة مقفلة على المستقبل
اللوحة جزء من آلية التفاعل مع  العصر تتطور بتطوره
المغامرة هي الأساس في العمل الفني وليس هناك فن شاب وفن كهل
أنا خارج المدارس  لأنني أنتمي إلى  الصورة الجديدة

طلال معلا2002   , من مجموعة متحف فرحات

أخيلة وألوان من سماءات مضاءة بالحياة تغمر المكان، وصور من حقيبة الذكريات تفرش لحظاته بالولع، تعيد اشتعاله، تؤججه فلا يقوى على الانطفاء، حيث يفاجئنا كل مرة بنتاجه الفني الذي يعكس رؤيته للحياة عبر قصص وحكايا  تحضر في وجوهه الصامتة التي يعبّرمن خلالها عما يدور في ذهنه من أفكار، فيأتي الصمت لغة أخرى لبوح بليغ، هي وجوه قلقة، متعبة أرهقها الانتظار والحلم، وجوه تطرح الكثير من الأسئلة التي تدعو للكلام والحياة، هكذا بدت وجوه الفنان طلال معلا التي ضمّها المعرض الذي أقامه مؤخراً في صالة تجليات للفنون التشكيلية، وفي هذه اللوحات، نقرأ الطفولة ممتدة بحالة من البراءة حيث يتعامل مع الأشياء بفطرية تشبه عفوية الطفل وبراءته، فقد كان في حياته الأولى متأملاً أكثر منه مشاركاً لأطفال الحي في لعبهم، وأهم شيء تعرّف إليه في طفولته هو الكتاب، حيث كان وهو في الصف الثامن يحمل بطاقة مشاركة في المركز الثقافي في الرقة حيث كان يقيم مع أسرته، بطاقة  تتيح له الاطلاع على الكتب التي تساعده على تكوين نفسه “ إن تكويني الأول في الطفولة كان تكويناً معرفياً، وبالتالي عندما أتعامل مع هذه الروح ببراءة، أتعامل معها من خلال محتواها المعرفي أيضاً، ولا أستطيع أن أقول أنني أعبث مع الأشياء، بل إنني أقصد كل شيء في عفويتي وتلقائيتي التي أتعامل فيها مع اللوحة، والتي تصل أحياناً لحدود القسوة، وأحياناً برقة، وبنفس التلقائية بكلا الجانبين”.
 و”صمت” هو المعرض العاشر الذي يحمل العنوان نفسه، لكنّ وجوه طلال ليست صامتة، بل إنها تحمل في ملامحها حالات من الاحتجاج والصراخ والحزن والغضب والفرح إلى آخر ماهنالك من حالات، وقد عبّر عن ذلك من خلال تناغم الخط واللون والضوء، ويفسر ذلك بقوله: “هذه مهمة اللوحة، أن تصل إلى حدود أن تنطق وتبوح للآخرين بمحتواها، وأن تنقل القيمة الموجودة في اللون والشكل والصيغة، وكل متعلقات اللوحة أو مفرداتها، تتحول إلى لغة ناطقة، وأحياناً التشويهات في اللوحة لها وظيفتها حتى تعكس موقف الفنان”.

الفنان في طور إنجاز لوحة الشهيد , في الخيام2002 , من مجموعة متحف فرحات


  “صمت”  عنوان امتد على معارض عشرة، ماهي الاختلافات  بين صمت / 1 / وصمت /10/ ؟ وماهي القواسم المشتركة بينها؟
  نحن قلنا منذ البداية، سواء كان صمت/1/ أو صمت/10 أو 100/ إنّما هي دعوة للكلام، والقواسم المشتركة بينها هي الوجوه، والدعوة للكلام والتواصل، وصمت هو عنوان لاينطبق حرفيا على الأعمال الفنية..
> ولماذا الوجوه هي الرمز ووسيلة التعبير لديك؟
 لأنه ليس لدي وسيلة أخرى للتعبير حاليا غير هذه الوجوه، لوكان لدي وسيلة أخرى بالتأكيد كنت تركتها، فمنذ مدة أجريت عملية عشت بسببها حالة من الألم، رغبت من خلالها أن أنتقل إلى موضوع آخر اسمه الغرفة رقم /10/ أتحدث فيه عن هذا الألم لكنني لم أستطع، يبدو أنني أيضا بحاجة إلى زمن حتى أستطيع استيعاب الألم نفسه لكي أستطيع التعبير عنه، فلا يمكن للمرء أن يخوض التجربة دون أن يستوعبها، أنا خضتها لكنني لم أستوعبها، لذلك لم أتمكن من التعبير عنها..
و لايقصد طلال دائماً أن يكون في خانة معينة، أي أن يُصنف في إطار التعبيرية الواقعية، أو التعبيرية الغنائية أو غيرها من التصنيفات، فالفنان برأيه لايقصد هذا الأمر، لكن نتيجة الأعمال المتراكمة، فإن هذه التجربة تشير إلى أنه يقف في مكان محدد دون غيره من الفنانين، ومسألة الأسلوب في هذا المجال لاتعنيه نهائياً، بمعنى أنه غير مكترث أن يكون له أسلوب أو شخصية معينة في العمل الفني، وحين يعبّر الفنان عن ذاته بمفرداته وأدواته، بالتأكيد على الناقد أو المحلل أن يجد نقاط التمفصل بين كل هذه الأعمال، أو بين المراحل التي مر بها هذا الفنان خلال مسيرة حياته، وبالتالي يصل إلى مجموعة من الحقائق يصنف عبرها مراحل تجربته الفنية، “في أحيان كثيرة تظهر في طريق المثقف الكثير من المفاجآت أو الانعطافات التي تأخذه إلى مواقع يكتشف فيها ذاته أكثر من أي فنان آخر، وبالتالي يصبح على خط الحقيقة بمواجهة نفسه، ويستطيع أن يرى على مستوى نقده لأنه يمتلك رأياً نقدياً، ما لايراه الآخرون وبالتالي تتحقق له نجاحات لاتتحقق لآخرين، رغم أنهم قد يمتلكون موهبة أكبر من هذا الفنان، وقادرون على الرسم والتعبير أكثر، لكن، أحياناً الظروف تخدم الفنان في مسيرته ويمكن أن يركب موجات تقوده إلى الشهرة والنجومية أكثر من غيره، واللوحة جزء من هذه الآلية التي هي مجال تعبير الفنان، بمعنى، أن كل فنان له وسيلته التعبيرية، وبالنتيجة نصل إلى أن الفنان بخبرته الواسعة، وبرؤيته النقدية وبقدرته على تقييم تجربته وانتقالاته في هذه التجربة، يستطيع أن يضع نفسه في الموقع الصحيح الذي يمكن أن يقرأه الآخرون من خلاله”.
 لكن من خلال متابعة المعرض نرى هناك شيئاً من الفطرية؟
ذلك يوحي أن هناك شيأً من الفطرية، وبالتأكيد هذا الجزء ينتمي إلى مدرسة تعبيرية، لكن أنا خارج المدارس لأنني أنتمي إلى الصورة الجديدة أكثر، أنتمي للفنون الجديدة أكثر مما أنتمي إلى الصورة الشخصية التعبيرية التي طرحت في مجال التعبير؟
 لكن الفن الفطري اتجاه أيضاً؟
  الفن الفطري اتجاه بالتأكيد، ويجري الخلط أحيانا بين الفن الساذج والفن الفطري، أو الفن البدائي والفن الفطري، المشكلة هي في ترجمة المصطلح، فقد استخدمت توصيفات هذه الفنون في الغرب، وجرى ترجمتها إلى العربية، وفي كل مرة كانت تُترجم بطريقة مختلفة، لكن هي بأساسها تختلف، الفن الفطري يختلف عن الفن الساذج، وجرى دراسة فنون فطرية في مناطق عربية، حتى الكتاب فيه خلط بين الفنون البدائية والفنون الفطرية، ونحن لايمكننا أن ننظر إلى فنون الحضارات القديمة على أنها فنون بدائية لمجرد أنها أتت في بداية الزمن، حتى في ذاك الزمن هي متطورة عن الحالة البدائية، وبأي حال من الأحوال هي تحتمل الرمز وتحتمل المضمون والكثير من القضايا، لذلك لايمكن أن نقول إنها بدائية، حتى تماثيل الربات الأولى ذات الحوض الكبير والإشارة إلى الأماكن الجنسية والخصب والولادة وغير ذلك، فيها من الرمز مايملؤها، ولذلك هي ليست بدائية لمجرد أن شكلها بدائيا، هي فنون معرفية، ويجب تصحيح المصطلحات التي أطلقت عليها على الأقل باللغة العربية..وتعبّر وجوه طلال عن حالاتها بشيء من الشاعرية،إذ إنه يرى أن الشعر والشعرية أمران مختلفان “الشعرية هي القدح في الإبداع أما الشعر، فهو ما تعارف الناس عليه أنه كلمات وقصائد، والشعر والكلمة لهما دور في حياتي كما الرسم واللون، ولي ديوان اسمه “موت الماء”  الماء الذي خُلقَ منه كل شيء حي، وهو مجموعة قصائد عن الموت، لم أنشر بعدها، ليس لأني توقفت عن كتابة الشعر، فأنا لم أتوقف لكنني توقفت عن نشر الشعر لأنني أردت أن أكّرس كل الاهتمام للتشكيل والكتابة التشكيلية فقط”.
 

 يتفاوت اللون عندك مابين الألوان الهادئة، ثم تنتقل لألوان أكثر حرارة وأكثر مباشرة في التعبير عن موضوع اللوحة، هذا الانتقال يتم بسلاسة ودهشة فهل توصّفه حسب موضوع اللوحة، أم حسب حالتك النفسية؟
 الأمر مرتبط بالحالة النفسية، مرتبط بالذاكرة، بالأشياء الملحّة عليّ وأنا أنتج اللوحة، ولنأخذ مثلاً لوحة من المعرض مشكلة من تراب الفرات، هذا اللون هو لون تراب الفرات حين يطوف وينحسر، يعني الإنسان في ذاك المكان، حتى سحنته تشبه لون التربة الغريب الذي يتركه الفرات، وأكثر من عمل حاولت أن أنجزه بهذا اللون وهو لون مركب غير موجود، وأقصد بذلك أنه مركب بمواد طبيعية ومواد صناعية حتى نحصل على هذا اللون، لذلك أنا أركز على المقدرة التقنية والخبرة العملية للفنان في أن يذهب خارج الإطار الذي يعمل به، لكي يصل إلى مايخدم اللون. وأنا عملت عام1991 معرضاً كاملاً في المركز الثقافي الفرنسي عن تجربة الألوان الطبيعية وعلاقتها بالورق وكيف يمكن أن ننتج عملاً فنياً كاملاً من مواد طبيعية، من الشاي والقهوة وكافة النباتات التي كنت أحضرها وأعمل عليها مثل الجوز واللوز، وأقوم بخدش الورق..الخ كل هذه الأمور أقوم بتحويلها إلى صبغيات ويتم العمل من خلالها، هي حالات اختبارية بشكل مستمر، اللون حتى يتحول من صباغ إلى لون، يجب أن يكون هناك ما يميزه، وفي هذه الحالة يجب أن يكون هناك قيمة معينة يحملها حتى يتحول فيها إلى لون ولايبقى صباغا كالصباغ الذي هو على الجدار، هناك شيء اسمه خبرة الفنان، إنسانية الفنان نفسه، وكيف ينقل هذه الخبرة ويوظّفها في العمل الفني.أنا في بعض الأعمال أشتغل بيدي بشكل مباشر، أحمل اللون وأضعه على اللوحة وأحاول أن أعمل كالعجوز التي تفرد طينة على جدار بيتها في القرية، حتى كل سنة في الربيع، بعد أن يذهب الشتاء، ويكون قد ترك آثاره على البيت، تأتي مرة ثانية وتشتغل بيديها، وتلاقي آثار يديها على الحائط يعني جزءاً من روحها، جزءاً من جسدها، يمنح البيت قيمة وإنسانية، يمنحه دفئاً، أنا حاولت أن أنقل هذا كله إلى اللوحة، وأن أشتغلها بنفس المنطق الذي تشتغل به هذه العجوز التي يمثل بيتها كل شيء بالنسبة لها، وهذا يمثل كل شيء بالنسبة لي كفنان حتى أعبّر من خلالها.اللون قضية مربكة وشائكة ومركبة، أعتقد أن كل فنان يراه  بطريقته، عندما أراه فقط وسيلة، بالتأكيد لن أنجح بأن أملأه بالمعنى، أو أجعله كثيفاً بالمغازي التي أحب أن أصل إليها، كيف يقرأ الناس هذا الأمر بالتأكيد سيجدون أنني استخدمت في هذا المعرض كل الألوان وتدرجاتها الأخضر والأصفر والرمادي، عادة ضمن إطار الأسلوب يذهب الفنان إلى أن يوجد روحاً واحدة في المعرض، وهذه النمطية لست معها، وقد حاولت أن أكسر هذا الجانب أيضا في هذا المعرض والمعارض السابقة.. ربما أركّز على لون أكثر، فالأحمر قد يبدو أكثر من غيره في مكان معين في هذا المعرض، في المعرض القادم قد يكون الأخضر هو المتقدم أو الأصفر، لكن أنا كفرد أفضّل الأصفر، أما عندما أتعامل مع مواضيع عامة، كل الألوان بين يدي هي وسائل لأن أنقل من خلالها تعابير أحتاج إليها كلها.وكيف تقيّم تجربة الجيل الشاب، هل هو جيل حقق حضوره وانتزع الاعتراف بوجوده بعيدا عن أي تأثيرات أم أنه جيل لم تتجاوز تجربته مرحلة المغامرة ضمن طاقاته المتاحة الآن أو حيويته الآنية؟أنا برأيي أن المغامرة هي الأساس بأي تغيير، وهو لغز لا يمكن حله، أنا لا أؤمن أن هناك لوحة شابة ولوحة كهلة، أو أن هناك كاهناً ينتج لوحة عظيمة، وشاب لا يستطيع أن ينتج لوحة عظيمة، العظيم هو العمل الفني في النهاية، هناك فنانون عظام لأنهم أنتجوا على مر التاريخ آلاف الأعمال الفنية، بيكاسو لم يصبح على ما هو عليه من عالمية إلا لأن أرقامه التي أنتجها فلكية، كما أنه عمل ليل نهار، وبذل كل الجهود ليصبح بيكاسو الذي نتذكره اليوم، أيّ فنان من الفنانين الذين نذكرهم اليوم هم فنانون أعطوا كل وقتهم وعمرهم وجهدهم ليتركوا شيئا ماديا تتم دراسته، أنا لا أؤمن أن فنانا مزاجيا وجوديا، هكذا على هامش الحركة الفنية  كلها، ينتج عملا بعد كأسين من... الشراب.. الخ وبعد شهر قد ينتج عملا آخر.
 أسألك كناقد، الفن التشكيلي العربي أين هو من التشكيل العالمي؟
 اليوم الفن التشكيلي العربي والإيراني والهندي والباكستاني هو في أحسن حالاته، وهو مطلوب أكثر مما هو مطلوب أي شيء آخر في العالم..
حوار: سلوى عباس

Abstract Art, from the Farhat Art Museum Collection

Abstract Art, from the Farhat Art Museum Collection

Wednesday, June 8, 2011

محمد عبلة.. عاشق النيل اقتنت أعمالَه متاحف عالمية.. شعاره «الفن في خدمة البشر والحياة» بقلم جمال القصاص


الفن معايشة وحياتي تسير وراءه».. تشكّل هذه العبارة الدلالة المفتاح لتجربة الفنان محمد عبلة على مدى 30 عاما استطاع خلالها أن يحفر لنفسه أسلوبا مميزا في مسيرة الفن التشكيلي المصري الراهن، وحصد عددا من الجوائز المرموقة محليا ودوليا، وله مقتنيات بمتحف الفن الحديث بالقاهرة والمتحف البريطاني، وغيرها.
بمرسمه الجديد بمنطقة وسط البلد، بالعاصمة القاهرة، التقته «الشرق الأوسط» في هذا الحوار:
* معرضك الجديد «أضواء المدينة» يبدو كأنه لعبة ضوء بالأساس.
- هذا صحيح إلى حد كبير، وأتصور أنني في هذا المعرض حققت همًّا شخصيًّا طالما ألحّ عليّ، همًّا نادرًا، لم يلتفت إليه إلا آحاد من الفنانين العالميين، وهو اللعب على الضوء الاصطناعي، بعيدا عن نظريات اللون التي تشتغل على الضوء الطبيعي بتدرجاته المختلفة. ولهذا ابتكرت خامات وصبغات لونية خاصة، كنت مهموما بمحاولة تقديم جغرافيا جديدة للمدينة، وجه آخر لها، مغامرة سوسيولوجية لقراءة تضاريسها.
* من أين ينطلق أو يتفجر هاجس الإبداع لديك؟
- فكرة أن تستمتع بما تفعله، تحتل الصدارة بالنسبة إليّ، ومن دون ذلك ينتفي الحافز على الإبداع. لذلك أنا ألف الدنيا حتى أجد حاجة، أو مثيرا يشدني، أحاول فهم أسراره، وأحاول أن أقدمه للآخرين. كل فكرة تفرض تشكيلها. متعتي الحقيقية في الرسم، والقبض على البدايات أكثر اللحظات إثارة لي، حتى إن أحد أسراري في الشغل أن 90 في المائة من شغلي لا أراه إلا بعدما أفرغ منه.
* النيل عصب مهم في أعمالك.. في مقابل غياب البحر مثلا...؟
- علاقتي بالنيل علاقة خاصة جدا، علاقة حميمة ومقيمة، بينما علاقتي بالبحر قد تكون عابرة أو مؤقتة. النيل في مصر يعني الحياة بكل مقوماتها، وله خصوصية ترتبط بنسيج الشخصية المصرية، وإرثها الحضاري العتيد. لكن بعيدا عن كل هذا أنا أحب النيل؛ استحممت في مياهه، وغصت فيه، بمعنى آخر «تطهرت».. ومشروع تخرجي في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية كان عن المراكبية، خصوصا الذين ينقلون البضائع والمنتجات من الصعيد في أقصى جنوب الوادي إلى القاهرة.
* هذا يقودنا إلى فكرة المعايشة، والعلاقة بينها وبين فكرتَي التقمص والقناع، كأحد المقومات والحلول الفنية، لمشكلات التجسيد والتجريد، وإثراء الخامة، وفضاء اللون واللوحة.. في رأيك هل الاتكاء على معطى واقعي ومعايشته يمثل حلا ناجعا لكل هذه الالتباسات؟
- متعة أن تصل إلى منطلق واقعي، هذا يعطيك إحساسا بأن التجريد هو شكل الواقع، وغير منفصل عنه، لأن الواقع مليء بالرؤوس المجردة، بمجرد أن تنظر. لذلك أنا أتحدث دوما عن دعوة أو هزة لإعادة النظر في طرق تدريس الفن في مدارسنا وجامعاتنا العربية، لأننا ندرس الفن نظريات جامدة، بعيدا عن الواقع، ومن ثم تجد الناس تتكلم عن المدارس الفنية، كأنها أشياء منغلقة على نفسها، لكن للأسف الشديد، نحن نتبنى مقولات غربية، ونقحمها على أمور مختلفة بطبيعتها، رغم أن رؤيتك للواقع سوف تمنحك كل الحلول التي أشرت إليها.
محمد عبلة , من مجموعة متحف فرحات


* إذن المشكلة في البدايات، التي لم تكن مشغولة بنفسها، بقدر انشغالها، إن لم يكن انبهارها بالنموذج الغربي؟
- نعم، الفن المصري والعربي مشكلاته تكمن في البدايات، في عدم وعيه بذاته وبإرثه البصري. الفن المصري متأثر بالفن الغربي، لأنه في البداية جرى تدريس الفن على أيدي أجانب. هناك أشياء ومقومات خاصة كانت ولا تزال صالحة لأن نبني عليها، بخاصة أن مقولات الغرب الجاهزة قد تنازل الغرب عنها، والذائقة الجمالية لم تعد ذائقة في ذاتها، سقطت دعاوى «الفن من أجل الفن»، وانتصر «الفن من أجل البشر»، من أجل المجتمع. لدينا من هذه المقومات فن الموازييك، وهو جزء أصيل من حداثتنا البصرية، لدينا تجاور الرؤى، فكرة السرد والحكي، لدنيا الفن الشعبي، وفن السيرة، لدينا مرجعيات مثيرة في كل طبقات البيئة من حولنا.
* البساطة والاختزال والجرأة سمات أساسية في ضربات فرشاتك، ما فلسفتك؟ وألا تخشى انتقادات البعض من أن الوقوع في أسر الفكرة أو المضمون يفضي إلى أحادية في التلقي؟ - أنا أحاول أن أعمل ما يحب الناس، ويحبه العوام والمثقفون أيضا، يحبونه، وليس ضروريا أن يفهموه، أو يحدثوني عنه. متعتي الكبيرة في المعرض الأخير، كم التعليقات، حتى الناس البسطاء من سكان الجزيرة النيلية التي أسكن بها، جاءوا إلى المعرض، ولك أن تتخيل دهشة بعضهم وهم يهتفون أمام المراكب المنورة بفرح: «دي مركب عم رفاعة». وأنا لا أنتظر منه أن يسألني كيف عملته، لكن المهم أن يحس وينفعل، ويستمتع ويحب العمل، هذا ما يعنيني أساسا، وأتصور أنه مقياس النجاح.
* أي فن حقيقي له بعض الجمهور، لأن علاقة الإيصال بين المبدع والمتلقي تحكمها شروط وضروريات.. بعيدا عن الانطباع الأول، كيف تنظر إلى علاقة المتلقي النوعي بأعمالك؟
- نعم.. لكن لو استطعنا أن نزيد هذا البعض، خير وبركة. دورك الآن كمثقف ومستنير، كفنان يفرض عليك الالتزام بأنك تجهز هؤلاء البشر، أن تقدم لهم فنا حقيقيا، تقدم لهم أدبا، إبداعا يحبونه، وليس بالضرورة يفهمونه، لأن فكرة الفهم في الفن، ليست نهائية، بل دائما محل شك، وإعادة قراءة ونظر. المهم بالنسبة إليّ هل أحب المتلقي العمل أم لا. أنا أشك في التلقي العقلاني الواعي، لذا فلنركز على الحب، نركز أكثر على ما يلمس أوتار الحس والبصر، هذا التزام، ودور على أي مثقف يقود هذه الأمة.
* أنت تردنا إلى الالتزام بمعناه الستيني.
- لا، لكني ألفت إلى الخديعة الكبرى التي عشناها تحت مظاهر الآيديولوجيات، يعني منذ بداية الاشتراكية وأفكارها، حتى انهيارها، جرى كلام كثير عن الآيديولوجيا، والآيديولوجيا المضادة، وفي النهاية اكتشفنا أنها كانت خديعة كبرى. لأن النفس البشرية من الصعب اختزالها في بعض المقولات، وللأسف مئات وآلاف من المبدعين في كل أنحاء العالم ضاعوا في موضوع الآيديولوجيا.
* لكن هذه الآيديولوجيا التي أصبحت مرادفا للأفكار الزائفة أنتجت دستويفسكي وتولستوي وتشيكوف، وغيرهم. - نعم، لكن هؤلاء آحاد في خضم كبير، حتى الفنانين الذين أنتجتهم الآيديولوجيا لم يبقَ منهم سوى النماذج الإنسانية التي تخطت الآيديولوجيا، وهؤلاء كان رهانهم الأساسي على الإنسان. الأدب السوفياتي على رغم شساعته، لم يبقَ منه سوى النماذج التي انشغلت بالحس الإنساني، وهؤلاء كانت لديهم رؤية مستقبلية، فحواها أنه من الاستحالة أن تلخص إبداع الإنسان المبدع، وإبداع المتلقي في مقولات جاهزة، لأن الإنسان يتمرد، والفنان يتمرد، والمتلقي يتمرد، كما أن القوانين خُلقت ليكسرها البشر، بما فيها قوانين الرؤية والإبداع.
* التجريب المتلاحق، وغزارة الإنتاج، ألا يحتاج وقفة ومراجعة تحسبا للتكرار والتشابه، أو الاتهام بالاستسهال؟
- كل معرض مختلف عن الآخر، أعي ذلك جيدا، على مستوى المعالجة والتصور، في الميل نحو التجريد، أو التشخيص، في الرؤية... مثلا في معرضي السابق (المتاهة) البشر تحولوا إلى نقط وبقع في فضاء اللوحة، فليس ثمة بشر، لكن مع ذلك تحس أن المدينة مزدحمة وخانقة. أنا أخشى التكرار، ورأيي أن الفن ليس وسيلة للتجارة، ولذلك لا أستثمر النجاح على المستوى المادي. وسأفصح لك عن هاجس خاص بي جدا. أنا أرى الفن مثل الدين، مثل الصوم والصلاة، وأن ربنا سيحاسبك عليه: هل بعته، هل أهنته، هل تاجرت فيه، هل وضعته في غير مكانه. وما دام لدي الإحساس بأنني ملتزم فنيا، لا بد أن يرقى هذا الفن لمستوى التدين، لمستوى العقيدة، الناس تراه وتتشرّبه، وتحبه، لكن لا أكرره، ولا أستثمر هذا النجاح في تجارة، فالنفس البشرية مليئة بالكنوز.
* أحيانا تلعب دورا يشبه دور الناشط السياسي، فكثيرا ما تشارك في تظاهرات سياسية، وترفع اللافتات...؟
- على الفنان أن يلعب دورا فنيا، وهذا الدور سيقوده بطبيعة الحال إلى تبنّي مواقف سرعان ما يعبّر عنها، لأن الفنان ضد القولبة، فأنا لا أستطيع أن أنتمي إلى حزب سياسي، ولا إلى جماعة سياسية، لأن هذا ضد طبيعة الفنان، فدوره الفني متضمن بالضرورة دوره السياسي. أنا جربت هذا، بالفن يمكن أن تفعل أشياء كثيرة، مثلا في مشكلة جزيرة «القرصاية» التي أعيش فيها وسط الناس البسطاء. عملت معرض فوتوغرافيا عن أهل الجزيرة، عملت فيلما تسجيليا سميته «زي السمك». الفيلم عُرض في كل أنحاء العالم، تداولته كل وكالات الأنباء والصحف، نزل على اليوتيوب.. في خلال خمسة أيام كانت مشكلة الجزيرة في كل أنحاء العالم، والفيلم يتحدث عن حياة الناس البسطاء، وهم تكلموا عن حقهم في العيش على الجزيرة.
* * هل للوحة عبلة زمن خاص؟ وكيف ترى تقاطع الذاكرة والحلم، بل المستقبل على وتر هذا الزمن؟
- أنا بدأت الرسم سنة 1978، أي مر نحو 30 سنة على أول لوحة رسمتها.. زمني هو الذي عشته، ما أثّر في أعمالي هو كل التغيرات السياسية والاجتماعية التي حدثت خلال كل هذه السنوات. بالنسبة إليّ الواقع هو المنهل، هو الزمن. الرؤية المستقبلية ليست دور الفنان، لكن دوره أن يعيش زمنه وينهل منه، حتى لو قرر أن ينهل من أزمنة غابرة - وهي لم تصدق في حالتي - فعلى مدى سنتين أو ثلاث تأثرت بالفن الفرعوني، ولم أكمل التجربة، لأنني مدرك تماما أنك كفنان عليك أن تختار زمنك، لا تستشرف المستقبل، وإنما أنت عندك حلم بالأفضل، لكن الأفضل كلمة هلامية وغائبة، الفنان يحلم بالأفضل مما هو متاح، لكنه في الوقت نفسه مشغول بما هو متاح، بالبشر، تماما مثل الحلم بالديمقراطية والعدالة، المهم كيف تعبر عن هذه الأحلام أو الأشواق، إنك حينئذ ترصد زمنك، وتعيشه على نحو خاص في العمل الفني. لذلك لو شبهنا الزمن بالمرآة، هناك فنانون يلتصقون بها، وهناك من ينظرون إليها من زوايا متعددة، وهناك من يكسر المرآة، وآخر يهشمها، ويحطمها، وكلها زوايا مختلفة للرؤية، والاختبار والتعلم والتجريب.
* ماذا عن المعايشة الفعلية داخل الزمن الواقعي؟ - أنت محتاج لكي تبدع فنا، إلى نوع من الفصل، إلى مسافة. أنت بالفعل مندمج في الحياة، وقرب المسافة أو بعدها يتوقف على طبيعة الفنان نفسه. كلنا مشغولون بهذا الأمر، من أجل الحياة التي نحتاجها. لكن السؤال: هل أنت تبدع خارج الإطار المادي لمحيطك الاجتماعي؟ وكيف إذن ستحتك بنفسك وبالآخرين، هذا هو الجسم، أن تشتبك مع الواقع، وإلا ستتحول المسألة إلى لعبة أفكار.
* ضمن ما يشغل الساحة التشكيلية الآن في مصر، وفي الكثير البلدان العربية، هذا الولع بالتجريد، واللافت أنه غالبا تجريد مصمت، اللوحة مُقفَلة على نفسها، تحت مبررات من قبيل شاعرية اللون، والخطوط، والضوء.. وفي المقابل ثمة تغييب للحضور الإنساني في اللوحة...؟
- ليس هناك تجريد حقيقي لا علاقة له بالإنسان والواقع، موندريان أشكاله الأساسية مستقاة من فروع الشجر، كاندينسكي أشكاله لها علاقة بالخلايا الإنسانية، كل الأعمال التي شكلت تاريخ الفن ارتبطت بإشكالية ما، ومن ثم فالحضور الإنساني ليس ضروريا أن يُطرح بشكل مباشر، لكن لا يمكن للوحة حقيقية أن تغيب هذا الحضور، لأنه ببساطة شديدة حضور ملازم للفن منذ بدايته وحتى الآن. أما هذا النوع من الفهم للتجريد، فهو بقايا لمقولات غربية في الفن، لتحلية البضاعة. ولك أن تتأمل لماذا اختفى مصطلح إلـ«ism» الذي صدعنا بالعديد من المقولات والأفكار لسنوات عديدة، لقد كانت عملية مفتعلة لإيجاد مبررات للسوق. وهناك في الفن العالمي أكاذيب كبرى، إحدى هذه الأكاذيب تتجسد بقوة في الفن الأميركي، فهذا الفن من بعد الحرب العالمية الثانية حتى منتصف السبعينات فن مصنوع مائة في المائة، لكن خلال الثلاثين عاما الماضية حدثت فيه ثورة وثراء شديدان، حينما بدأ يتحرر من سطوة المتاحف وتجار الفن، فبعدما امتلأت المتاحف، رجع الفنانون إلى أنفسهم، كانوا من قبل موجهين إلى نمط، إلى قالب معين، ومنهم فنانون اكتسبوا ازدواجية عجيبة، فكانوا يقدمون هذا النمط، لكن في مراسمهم يقدمون فنهم الخاص، وعلى سبيل المثال جاكسون بولوك، هناك جاكسون بولك الذي لا نعرفه، وكذلك فازريللي، والاثنان فنانان مهمان، استوعبا خلاصة التجريد والفن البصري.
* رحلتك في أوروبا على مدار عدة سنوات، ماذا أضافت إلى عالمك الفني؟
- فور تخرجي عام 1977 في كلية الفنون الجميلة بالإسكندرية كان عندي رغبة شديدة أن أرى صور الأعمال الأصلية للفنانين العالميين، بيكاسو وغويا ودالي وشاغال، وغيرهم. الرحلة استغرقت 6 سنوات، عشتها في حالة من الاحتكاك اليومي بالفن الأوروبي، ورؤيته وتعرُّف آلياته، وبالفعل كان الصدى صدمة ثقافية حقيقية، ومن داخل المطبخ شاهدت الفن كيف يُبدَع، وكيف هو بعيد جدا عن المقولات التي قرأتها عنه، هي تجارة في مافيا غاليريهات، في مافيا متاحف، في مضاربات الفنانين. كل هذا زوّد اليقين عندي في أن أعود إلى مصر، وأسهم في حركة فنية معاصرة، وأن أسعى قدر الإمكان في أن أجعل الناس تحب الفن حقا.
* لم تستطع ولو على سبيل التجريب؟ بيكاسو إسباني، وعاش في باريس.
- نعم أنا جربت، عملت حاجات لها علاقة بالتكنيك، تعلمت خبرة جديدة، درست غرافيك، عملت نحتا، درست علم نفس، لكن في الفن أنت محتاج إلى هواء خاص. بالنسبة إلى بيكاسو ليس ثمة فرق بين إسبانيا وباريس، الروح واحدة والمسألة مسألة هجرة في المكان نفسه.
* في بدايات عبلة علقت به أطياف من عبد الهادي الجزار وحامد ندا على مستوى الشكل والتكوين، كما علقت به أطياف من سيف وانلي على مستوى التلوين وضربات الفرشاة.. حدثنا عن الفنانين المؤثرين في محطاتك الفنية.
- أولا أنا لم أتأثر بالجزار، رغم احترامي الشديد له كفنان كبير، أنا تأثرت بحامد ندا أساسا، ولم أكن أعرفه، لكن عملت مشروع تخرجي في الكلية عن المراكبية، وسافرت إلى الأقصر، وقعدت أرسم في مقابر النبلاء الفرعونية بالبر الغربي، وركزت على مقبرة «راخ مراع» رئيس العمال، وجدت فيها ضالتي الفنية، وبعد ذلك في الكلية فوجئت بحامد ندا يسأل عني وكان عضوا في لجنة التحكيم، وأخذني بالحضن، وقال: «أنا أيضا رسمت هذه المقبرة وتأثرت بها». بعدها تصاحبنا وصرنا صديقين... بعد ذلك سيف وانلي، درّس لي في الكلية، تعلمت منه فكرة حب وتأمل الطبيعة، كان يأخذنا ونحن طلبة، ونقعد نرسم على البحر، وكان يعلمنا كيف نمزج بين الألوان، كيف نصنع ألواننا الخاصة، ثم جرأة هذا المزج، حتى إنه أحيانا كان يطعّم لون السماء الأزرق بلطشة سوداء، وكنا نتعجب، وكان يقول: «الأزرق ثقيل، وحبة سواد، تجعله متوازنا، وتحميه من السقوط»، الأمر نفسه مع لون الماء، حيث كان يطعّمه بلطشة من «الأصفر الأوكر»، لأن حركة الماء رجراجة، ولونه متغير بحسب إيقاع الأمواج. وهكذا، حبي للماء وللطبيعة جاء من سيف وانلي. أيضا تعلمت من كامل مصطفي براعة اللمسة واللون في وقت واحد. هؤلاء كانوا فنانين حقيقيين، وكانوا شديدي التواضع، يحتضنونك، ويحْنُون عليك، ويعلمونك كيف تفرح حتى بخطئك، كرغبة وحافز للوصول إلى الصواب. وفي محطة الفكر، تعلمت الكثير من حسن ظاظا، وأنا أحد المحظوظين الذين درّس لهم.
* بعد كل هذه المحطات والأسفار من أي زاوية، تفضل قراءة لوحتك: الخط، أم اللون، أم الضوء، أم غيرها؟
- كما قلت لك، كل ما يعنيني أن تحب الناس اللوحة أو تكرهها، فالحب والكره معياران نقديان، وهما أيضا قراءة حتى لو كانت غير مرئية، إلا أنها محسوسة، بمعنى أنك تستطيع أن تمسكها. العملية الإبداعية معقدة، الفنان ذاته يكذب لو قال لك الكيفية التي اشتغل بها، زمن إنتاج اللوحة يخضع لأمور كثيرة.
* إذن ستظل اللوحة ناقصة، ورهن المصادفة بالمعني الوجودي والفلسفي! - نعم. اللوحة كلما كانت ناقصة احتفظت بعوامل بقائها، يعني القراءات، الكلمات المكتملة للأعمال الفنية تقتلها. النقص هنا إضافة، لأن العمل الفني الجيد خُلق لكي يكمله الزمن، سيظل دائما هذا العمل الناقص مثيرا للأسئلة، وهذه الأسئلة تجعله قادرا على أن يمنحك نفسه كل يوم بشكل جديد. وهذا ما يؤكد أن الأعمال العظيمة تتعدى أن تضعها في مدرسة، أو معنى محدد. على سبيل المثال حمامة بيكاسو الشهير التي أصبحت رمزا عالميا للسلام، هي ابنة المصادفة والنقص. لقد كان بيكاسو يعمل بوسترا للحزب الشيوعي، وكلما اتصلوا به قال لهم: «لم أنتهِ من العمل بعد»، حتى جاءه مسؤول بالحزب، وقال له: «المؤتمر خلاص سيُعقد في براغ»، وكان مؤتمر الحزب الشيوعي العالمي حسبما أذكر وكانوا محتاجين إلى البوستر. لكن بيكاسوا يلح: «أمهلوني قليلا من الوقت»، وقال الرجل: «إنقاذا للموقف أنا سآخذ هذه الرسمة (الموتيف)»، وعاش عمل بيكاسو الناقص، وأصبح علامة ورمزا عالميا. فالفجوات حتى إذا لم يستطع الفنان أن يفصح عنها، أو يسعفه الزمن لينجزها تظل جزءا حميما من تجربته الفنية.
*
محمد عبلة  - 1952 وُلد في بلقاس، المنصورة

التشكيلية فاطمة الحاج ترسم الأشكال البشرية


فاطمة الحاج
تعتمد معظم أعمال التشكيلية اللبنانية فاطمة الحاج، على التلميح والإشارة والحد الفاصل بين السماوي والأرضي، وهي في معرضها الجديد الذي أقامته مؤخرا في غاليري ألوان في وسط بيروت، تضع مفرداتها الفنية من رؤية ومن إبهار، تجعلها متممة للشكل الذي تود الإتيان به دون أن ترهن هذا الشكل لكينونتها، وقد نجحت في حفر وزرع مادتها اللونية لتكون الأصل والأساس للإيحاء بأنّ هذه الخطوط هي الأسلوب كما الألوان في تلميح يؤشر لاختصارات شكلية متحولة إلى هيئات بشرية أو حيوانية، أو مجردات هندسية وحدائق معلّقة لا مرئية تشبه الثقوب التي يخرج منها الضوء.
                      
وقالت الفنانة فاطمة الحاج وهي إبنة إقليم الخروب المنطقة الوادعة والممتدة على كتف البحر حيث تعانق الطبيعة، عن سر ألوانها الفرحة في أعمالها الجديدة،  أنها تتعمد زراعة الفرح في نصّها التشكيلي "بقدر ما أرمي إنفعالاتي وأحلامي وأفكاري داخل اللوحة، لتجيء معبّرة عمّا أود قوله، فأعمالي تتعلّق بالإنسان وبحالاته، وبالواقع الذي يتحوّل عبر الريشة إلى مرايا وتنويعات مختلفة".


فاطمة الحاج , مجموعة متحف فرحات

وقالت فاطمة  ان عملية التجريد عندي ككلمة، هي الملخّص الحسّي للطبيعة وللكون، والتجريد خلاصة مكونات هذه الطبيعة -هذا بنظري طبعا- وفي مجمل نصوصي التشكيلية ومشهدياتي الفنية أركّز على اللمعة والخط واللون الذي بالنسبة لي هو "الفون" الذي يحمل أبعاد اللوحة ومعانيها. أتعمّد إيجاد بعض النقاط أو البصمات لأنها امتدادات للون من أجل الوصول إلى أبعاد الوجود ومتناقضاته ومطابقاته".
                      
في اللوحات لمسات شفافة ناعمة دافئة يحملها اللون إلى أمكنة الضوء، حتّى أنّ الضوء الساكن في حنايا اللوحة تقول الفنانة الحاج أنه "يدخل بدوره تركيبة اللون والمساحات وأيضا الفراغ الذي هو بالنسبة لي ليس فراغا، بل هو الإمتلاء بعينه إذا صحّ التعبير". العمل عند هذه الفنانة صيرورة ذلك أنّ تكامله يصبح حالة في الزمان غير مكتملة، وفي هذا المجال تلفت إلى أنّ "لكل مرحلة خصوصيتها ومخصصاتها اللونية، والتفكير بحد ذاته هو حالة إبداعية، هناك الغناء، هناك الموسيقى، هناك الحالات والمكونات، وصولا إلى الإيغال في المسافة الفنية الأبعد، والبحث عن سيكولوجية تشكيلية مبتغاة أو مشتهاة، من هذه المكونات الواقع وتفاعلاته عبر النص واللون لإحتواء المراحل والتعبير الذاتي الذي تطمح إليه".
                      
إنّ طريقة عمل الفنانة الحاج طريقة بديهية، والتفاعل عندها مع اللوحة يبدأ دائما مع مساحة البصر والإيقاع الذي سيتأتى عن التفاعل الذاتي الذي يدفع إلى البحث داخل الموضوع المعالج، وهو الذي يؤشر إلى جدارة الأعمال المستوحاة من الطبيعية، لكن الطبيعة التي تراها في داخلها وتفهمها مثلما
تريد

حسين أحمد سليم
هي فنانة لبنانية مبدعة , أصيلة الانتماء , جذورها في التراث , متعملقة في أعمالها , حتى عنان السماء , تحاكي الحضارة الإنسانية من خلال أعمالها الفنية , تزرع بذور الإبداع ثورة من نوع حضاري آخر , ليبقى الخلق الفني , يرفد عملية الاستمرار .

في غمرة إبحارها في عوالم الفن الجميلة , اضافة إلى دورها الريادي في تدريس مادة الفن التشكيلي في معهد الفنون في الجامعة اللبنانية , وقرينها الفنان الدكتور علي شمس ... دخلنا الى قلب معاناتها بانسياب إنساني , نتلمس في وجوديتها , معالم الفن والإبداع والخلق والثورة .

Regard sur le Liban : La peinture de Fatima El Hajj , par Thierry Savatier


Fatima El Hajj , Musee Farhat متحف فرحات

Si le Liban sait mettre en valeur son patrimoine historique, on peut en revanche regretter l’absence à Beyrouth d’un musée d’art moderne et contemporain. Les artistes libanais font pourtant preuve d’un réel dynamisme qui s’exprime à travers quelques galeries locales et une participation à des expositions organisées à travers le monde. Depuis le début de 2009, le Beirut Art Center a toutefois ouvert ses portes (à l’initiative de Sandra Dagher et Lamia Joreige), offrant aux créateurs, dans le cadre d’une association à but non lucratif, un espace de 1500 m2 permettant d’organiser quatre expositions annuelles. Cette action, financée par des entreprises et des mécènes privés, contribuera sans doute à promouvoir des artistes qui se sont déjà distingués à l’étranger, mais qui sont, paradoxalement, trop peu connus dans leur propre pays, faute d’une visibilité suffisante.
Parmi les peintres libanaises, j’ai pu rencontrer Fatima El Hajj dans son atelier situé non loin de Saïda (elle en possède également un à Beyrouth) : une petite maison familiale, non loin de l’autoroute côtière, dans une zone qui fut bombardée pendant la guerre de 2006, comme l’attestent les façades des immeubles alentour. L’atmosphère est, ici, redevenue paisible : pendant que nous parlions à l’abri des arbres, à proximité d’une toile déjà bien avancée, posée sur un chevalet, des chatons jouaient dans un jardin baigné de soleil.
Fatima El Hajj a étudié à l’Institut des Beaux Arts de l’Université Libanaise, puis à l’Académie Repin de Leningrad, enfin à l’Ecole nationale supérieure des arts décoratifs de Paris. Elle enseigne, depuis 1985 – année où elle obtint le Prix Picasso à Madrid – à l’Institut des Beaux Arts de Beyrouth. Ses œuvres sont accrochées aux cimaises du musée du Koweït et dans des collections particulières. Depuis 1986, elle n’a jamais cessé d’exposer, au Liban, en Syrie et dans les Emirats. Elle a également participé à des expositions collectives en Europe, au Proche Orient, dans le Maghreb et à l’UNESCO. En 2007, ses toiles furent accueillies à Dubaï, en 2009, au Qatar.

Son univers créatif, tout personnel, n’a rien d’étrange, à l’opposé de certains artistes contemporains qui confondent parfois étrangeté et créativité ; il n’en est pas moins inattendu à bien des égards car ses influences impressionnistes apparaissent avec une belle évidence dans une partie du monde où on ne les attendrait pas forcément. Bien sûr, elle n’échappe pas à ce souci que l’on a, partout, de tenter des classifications : au Liban, on la considère donc comme un fruit de l’Ecole française. Ce n’est pas faux, sans doute. Cependant, il y a, notamment dans une série de toiles réalisées au Maroc et que l’ai vues, une touche orientale qui ne trompe pas tout en ne cédant pas un instant à la tentation orientaliste et ses inévitables clichés de couleur locale. Son art respire la sincérité et l’authenticité. Il a aussi évolué, gagné en maturité.
Il faut toujours se méfier des classifications. Ainsi, aujourd’hui, « impressionnisme » est devenu – souvent à bon droit, hélas ! – synonyme de « peinture décorative », en d’autres termes une peinture facile, sans âme, qui n’invite guère au questionnement et se contente de « faire joli ». Du « sous-Monet » ou du « sous-Renoir », autant dire : une non-peinture. L’œuvre de Fatima El Hajj s’inscrit à l’opposé de cette non-peinture là. Il suffit de regarder ses tableaux pour s’en convaincre. Il y a dans sa peinture absence de concession, recherche d’un monde personnel, d’une harmonie qui semble naître de sentiments contradictoires, entre quiétude, révolte, rêve et doute. Elle peint sur toile ou sur panneau, à l’huile comme à l’acrylique, souvent en grand format. En coloriste, elle ne néglige pas les effets de matière. Mouvement, lumière, formes suggérées s’accordent dans ses tableaux, au point, parfois, de tutoyer l’abstraction.

Fatima El Hajj ,Collection Musee Farhat مجموعة متحف فرحات

Fatima El Hajj , Collection Musee Farhat مجموعة متحف فرحات

Je me suis forcément interrogé devant ces formes suggérées, ces silhouettes de personnages ou d’animaux juste esquissées. Répondaient-elles à un contournement (habile et illusoire à la fois) de l’interdiction supposée de la représentation physique dans l’Islam ? La réponse de l’artiste fut nette : après avoir étudié le corpus islamique, c’est-à-dire le Coran et les Hadiths, elle n’a trouvé aucun texte imposant ouvertement une telle interdiction. Et elle n’hésite pas à m’apporter un document qui appuie le résultat de ses recherches : la belle édition, en fac-simile, d’un manuscrit du XIIIe siècle conservé au fonds des manuscrits arabes de la BnF (cote ms Arabe 5847), le Mâqâmât. Ce recueil de contes, écrit par le poète Abu Muhammad al-Qasim ibn Ali Al-Hariri (1054-1122), fut abondamment illustré par Yahya ibn Mahmud Al-Wâsitî ; les personnages et les animaux y figurent à chaque page.
On pourrait encore citer les fresques de Qusayr’ Amra, ce hammam construit au VIIIe siècle par un calife Omeyyade en Jordanie, qui offre un étonnant assemblage de scènes de chasse, de danse, de bain où les représentations féminines, souvent dénudées, ne manquent pas d’érotisme. Comme tous les monothéismes, l’Islam a toujours combattu les idoles (souvenons-nous de l’un des commandements du Décalogue, Exode 20, 4-5) ; pour autant, l’aniconisme musulman ne relève que des interprétations des Hadiths par les exégètes (les uns se montrant plus rigoristes que d’autres, comme toujours…) ; le sujet de l’interdiction est donc très loin de faire l’unanimité chez les théologiens musulmans. Dès lors, la représentation du vivant reste ouverte aux créateurs (sans doute plus librement en peinture qu’en sculpture, j’en conviens, cette dernière ayant été le médium le plus courant pour donner corps aux idoles les plus diverses).
En tant qu’artiste, Fatima El Hajj justifie donc tout autrement cette particularité de son œuvre : « la silhouette représente davantage un état d’âme qu’un corps ». L’état d’âme, telle est sa conception dans ses représentations du vivant, une conception qui s’inscrit dans une autre, plus large – cosmique, si l’on veut – d’un univers qui unifierait les hommes, les animaux et l’environnement dans lequel ils cohabitent. Ce qu’elle exprime autrement, lorsque je lui demande ses sources d’inspiration : « Mes trois grâces : jeunesse, art et belle nature. »
Rien n’est statique, dans la peinture de Fatima El Hajj. En l’observant, on trouve toujours un mouvement, plus ou moins discrètement exprimé. Qu’elle travaille sur le motif ou en atelier, ses thèmes de prédilection touchent les paysages, les légendes issues de la mythologie phénicienne (sur l’une, figure des navires et la monture de Poséidon, mi-cheval, mi-poisson), les scènes de genre, parfois même des scènes insolites, comme ce grand diptyque représentant deux volailles dans un jardin, surmonté en son milieu d’une figurine de coq sculptée, grandeur nature. Cette représentation n’a rien de commun avec l’Ecole de Barbizon, en dépit d’une communauté thématique. En revanche, devant d’autres toiles, notamment une, montrant une femme allongée dans un jardin et une seconde, où le modèle, dans cette même pose, semble entouré de personnages, le nom de Matisse me vient spontanément (Matisse et ses nombreuses Odalisques). « C’est mon peintre préféré », me dit-elle, précisant aussi son goût prononcé pour Bonnard. Bonnard, oui, bien sûr, celui de L’Atelier au mimosa du Cannet (Centre Pompidou), du Nu jaune (idem) ou du Paysage de Normandie (Musée de Colmar). De Matisse et de Bonnard, elle a hérité la palette de bleu, jaune et vert sans pour autant jamais les copier. Le rouge, très présent, lumineux, flamboyant parfois jusqu’à l’inquiétude, lui est tout personnel, comme son utilisation des ocres.
Je terminerai par une œuvre curieuse, très différente de celles qu’elle m’a montrées auparavant, d’un univers chromatique plus sombre, aubergine, représentant un homme incrédule, au-dessus duquel s’étale un collage de journaux israéliens (de gros titres en hébreu). Cette peinture, précise-t-elle, fut réalisée en 2000, lors de la libération par la population de détenus libanais de la redoutable prison de Khiam, après que les gardiens eurent pris la fuite vers Israël. L’un des prisonniers ne voulait pas croire qu’il recouvrait sa liberté et l'exprima dans un cri déchirant ; c’est ce cri qu’elle avait voulu reconstituer. Œuvre militante, engagée ? Peut-être. Œuvre de témoignage, sans doute bien davantage. Fatima El Hajj ne crée pas au nom d’un engagement politique ; sans ignorer l’instabilité qui l’entoure – comment le pourrait-elle ? – et pour conjurer ce sentiment perpétuel d’insécurité qui touche toute la région, de part et d’autres des frontières, elle m’avoue rêver d’une « fusion de l’humanité à travers l’art ». Et l’on se prend à vouloir lui donner raison.
 Illustrations : toiles de l'artiste © Fatima El Hajj. 

Saturday, June 4, 2011

ملتقى الخيام التشكيلي : حساسيات فنية مختلفة ووجهة واحدة , دراسة لفريد الزاهي

أيمن غرايبة , مجموعة متحف فرحات
             
الفن التشكيلي هو فن معقد ومركب ومن الصعب في كثير من الأحيان أن يجد الفنان نفسه مباشرة في معمعة التواصل الحي والمباشر مع قضايا راهنة . بيد أن كل الجهود المبذولة سواء من طرف الفنانين أو من المنظمين والسياق الذي إشتغل فيه الفنانون في هذه المنطقة استطاع ان يزج بكل فرد فينا علاقة تواصلية مباشرة . حية وحيوية مكنته من الامساك في لحظة معينة هذا الخيط الرابط بين البعد الذي أراد اعطاءه لهذا الملتقى وبين الرغبة الشخصية والذاتية للفنان , كان بإمكان أي أحد أن يلقي نظرة في البداية فيرى ذلك الاقتراب والاحساس باللاتوازن الذي عايشه بعض الفنانين بشكل ظاهر أو خفي أمام ما يمكن أن يقدمه ليس للتحرير مباشرة- فالتحرير هو لحظة عيشت سنة 2000-إنما لنظريته الخاصة لهذه الذكرى التي تستعيد لحظة التحرير وتؤيدها وتجعلها مستمرة

فاطمة الحاج , مجموعة متحف فرحات , تقول الفنانة:  أولا , الاختيار لهذا المكان ناجح جدا لأن فرحة الفنانين العرب صراحة لا توصف فهم يعايشون اللحظات بحذافيرها فهنا الحائط والزنزانة والشريط وكل شيء يملك الكثير من المعاني , هذا العمل ككل هو خليط من الألم والفرح , فرح التحرير لجنوب والألم لإدراكنا أن القدس أسير والفلسطينيين يعانون

أظن أن حصيلة هذا الملتقى جيرة بأن نقول عنها أنها حدث ثقافي وتجربة رائدة وتواصل يلزم أن نذهب به بعيدا ونجعله تقليدا يتجاوز الفن التشكيلي الى الشمولية في الفن من مسرح وسينما وشعر فعملية التحرير هي تحرير

حساسيات فنية مختلفة ووجهة واحدة
تشكل حصيلة الملتقى في وفرتها وتنوعها رصيدا أساسيا يحمل الكثير من الإبداع والأكثر من التنوع في الرؤية والمقاربة الفنية . وبالرغم من حداثة هذه التجربة والشروط الصعبة التي تحققت فيها , وعدم إعتياد البعض على هذا العمل المفتوح , فإن ما قدمه الفنانون يتميز بخاصتين أساسيتين :
أولا:الإمساك بالموضوع والمرمى والسعي الحثيث والناجح الى صياغته تشكيليا بما يلاءم طبيعة الملتقى والمتوقع الفني المنتظر منه , بحيث نجد أنفسنا أمام أعمال فنية كلها تصب في دائرة الأسر والحرية والتحرير والمقاومة
ثانيا :استبطان الموضوع بشكل يتم من خلاله التأويل الفني له وفقا لتجربة الفنان وحساسيته ونوعية مقاربته وطريقة اشتغاله تقنيا.
يمكننا مقاربة تداوير هذه التجربة وتعرجاتها ونتوءاتها الجمالية من خلال استقراء عناصرها ومكوناتها والآثار التي تشع بها من حواليها . فالمتأمل في الاعمال الفنية التي افرزت عنها ستة أيام من الاشتغال الدءوب تضعنا أمام توجهات ومقاربات لكل منها خصوصيتها وفرادتها ولكل منها طرائقها في تحويل المرئي الواقعي الى مرئي جمالي . هكذا ينتقل البصر منا , في إيقاع متعرج بين التصويرية الواقعية التي ترغب في إضفاء الطابع الرمزي على مكوناتها البصرية والتجريدية التعبيرية التي تحول المحسوس آلة متوالية من الأشكال والألوان ذات الطبيعة الشعرية . وكأننا بالفنانين قد رغبوا في استنطاق علاقتهم بالموضوع بشكل لا يمكنهم معه إلا أن يستجيبوا له . ولعل هذه الاستجابة هي التي دفعت بالكثير من الفنانين المشاركين الى التخلي , أو الخروج عن طرائق تعبيرهم الفني تاركين لحظة تاريخية التي يعيشون امتدادها أن تتسلل الى مآقيهم وشبكة إحساسهم , راغبين في التالف الحسي والبصري مع الشحنات الفكرية والعاطفية التي تلقاها وعيهم ولا وعيهم .

ثريا البقمصي , مجموعة متحف فرحات , تقول
أنا حاولت إبراز تجربة المرأة الأسيرة , فمجرد وجود هذا الانسان الرقيق والحساس , هذه الأم والزوجة والفتاة هنا في هذا الملتقى وتعرضها للقساوة والظلم هو أكبر دليل على استبداد هذا العدو الاسرائيلي المتوحش

من ثم فإن السمة الغالبة على أعمال هذا الملتقى هي الترميزية , ونعني بذلك الاشتغال على المعطى التشخيصي لا كوحدة منتمية كلية الى الواقع وإنما كمجموعة من العناصر الواقعية التي لا تأخذ بعدها إلا من الدلالات المتعددة التي تفرزها . إن الترميزية هنا تشتغل كمكون من ضمن المكونات التشكيلية , أي أنها لا تتجاوز مع معطيات أخرى تحبل بها اللوحة , من اشتغال لوني وشكلي على المساحات ومن إدراج عناصر ومكونات زخرفيه وحر وفية وعلامية تأتي لتمنح هذا النتوء الرمزي فضاء يشع منه ويأويه
بيد أن هذه السمة تأخذ أشكال وتلاوين متعددة :
من الترميزية -الرمزية الكنائية ذات الطابع البلاغي (صور وكولاج من المقاومة , بندقية , علم المقاومة , الشريط الحدودي ..الخ) التي تبتغي التكثيف الدلالي لمعطيات المقاومة المباشرة , إلى التهجين التشكيلي للمكونات الواقعية وإعادة تأليفها وفقا لاشتغال خصوصي على تركيبها داخل اللوحة , مرورا بالمجاورة في المساحة نفسها بين المكون التشخيصي والمكون البصري الخالص .

من جانب أخر فإن أعمالا أخرى تتوسل بالتعبيرية التجريدية التي تحول مساحة الى مساحة غنائية تتمسرح فيها حساسية الذات وفقا لموسيقية شفافة ذات بعد بصري خالص . إنها أعمال تتسامى بالحسي الى درجة من الشفافية بحيث تستنبطه استنباطا . وتحول التجربة الخارجية الى تجربة داخلية محضة هذه الوجهة , والبرغم من وقتها في أعمال الملتقى , تتمسك بذاتها وتستقبل دوافع الأسر باعتباره مجموعة من الذبذبات اللونية والشكلية والحركية التي تسائل واقع الاعتقال وواقع المقاومة من منظور السؤال والامتداد
وبين هذا وذاك تجارب حداثية تشتغل على المادة كمكون بصري أو على العلامات والأشكال كبعد سيميائي . غير أن الفنانين باشتغالهم على الفضاء بشكل مختلف يسعون الى تكسير مفهوم اللوحة التقليدية .
تبين الملتقى التشكيلي لأول لمعتقل الخيام عن وضعية جديدة للإشتغال الجماعي , جعلت البعض ينفتح انفتاحا كليا على محيط التجربة , فيما جعلت البعض الاخر
يحاورها ويتركها تخلخل تجريديا بعض الجوانب في شخصيته الفنية

إلهام الفرجاني, مجموعة متحف فرحات , تقول : بعد خروجنا من المواقع يتكون لديك الشعور الحقيقي بالانتصار , فمهما ترى من الاحداث على التلفاز ليس كرؤيتها في الواقع وتلحظ القوة والشجاعة والرهبة الموجودة هنا تحس بالعظمة , عظمة الحدث .
الفنانون أصبحوا كأنهم هم المحاربين , هم اللذين إنتصروا الكل يعمل بإجتهاد وصدق
يمتلك متحف فرحات جميع  أعمال الملتقى التشكيلي ,الفنانون  هم:
 هيمت محمد علي, عبد المنان شما,عبد السلام عيد,محمد عبلى,عمران القيسي, حكيم العاقل, يوسف أحمد, عبد الجبار يحيى, أدوين غوتيه, ميري أبراهامسن, هيلدا حياري, سهيل بقاعين, عبدالله نواوي, نبيل نجدي, طه الصبان ,طلال معلا, علي سليمان,علي السرميني, ممدوح قشلان, مجيد جمول, أحمد الأحمد ,  جعفر الدشتي,ثريا البقمصي, عباس القاظم,الهام فرجاني, حسين عبيد,  عبد الرحيم سالم,  بلقيس فخرو, محمد عثمان, عبد الوهاب الدرديري, محمد العامري, يوسف عون, ,  محمد عزيزة, انج خليل, سمير ابي راشد, ليلى الزين, فضل زيادة, فاطمة الحاج,عدنان المصري , عزت مزهر , جميل ملاعب ,وجيه نحلة,  يوسف غزاوي, فيروز شمعون, غولين ديبورغوسيان