Saturday, March 30, 2013

ملصق وقضية: عن مجموعة الملصقات الفلسطينية في مجموعة متحف فرحات , بقلم سمية عيتاني



غلاف الكتيب لمعرض ملصق وقضية بمناسبة القدس عاصمة ثقافية 2009

تتضمن مجموعة متحف فرحات التي يملكها جامع الاعمال الفنية اللبناني نعيم فرحات ، الذي يولي اهتماماً بالغاً بالنتاج الفني الثقافي المثقل بهموم القضايا العربية مئات البوسترات الفنية التي تتناول ااقضية الفلسطينية وهذه الاعمال الفنية هي الملصقات الأصلية التي نتج عنها مئات النسخ لاحقاً، وتعود لعدد من الفنانين التشكيليين مثل غازي أنعيم، اديب خليل، علي فرزات، عوض عمايري، محمود ابو صبيح، سليمان منصور، زهدي عدوي، وغيرهم من الفنانين.وتحوي هذه المجموعة  تطوّر فن الملصق من فترة النصف الثاني من السبعينات وحتى أوائل التسعينات.



فن الملصق السياسي 

الملصق الجداري أو البوستر في اللغة الانكليزية Poster صورة تخدم الاتصال الاجتماعي، و وسيلة من وسائل التعبير، ذات مضامين مكثفة لكن بسيطة و واضحة، تتميّز بتعدد النسخ وسهولة الانتشار على الجدران وفي وسائل الإعلام والإعلان. يستوحي الملصق رموزه من الشعب، كونه موجّهاً إليه، محوّلاً الجدارالذي يلصق عليه إلى ذاكرة شعبية، أما المؤثرات البصرية وقوة التصميم الضرورية لجذب المشاهد، فتجعل منه منجزاً تشكيلياً جمالياً.
ظهر فن الملصق بداية في أوروبا قبيل مطلع القرن العشرين، وكان مرتبطاً بالدعاية التجارية والاعلان، ثم ما لبث أن استغلت الثورات الشعبية هذه الأداة للترويج لأفكارها السياسية ولتوعية الجماهير. وجد الثوار في الملصق السياسي القدرة على التعبير عن صرخة الاغتصاب والظلم، وأحلام الاستقلال والتحرر، كما وجدت به السلطات المستبدة المتغطرسة وسيلة تضليل إعلامية في نوع من الحرب الدعائية المضادة. وهكذا وجد الملصق السياسي دوراً تحريضياً وتثقيفياً وتعبوياً قام به تباعاً في الحرب العالمية الأولى والثانية، في الحرب الاسبانية، في كوبا وفيتنام، في حرب أكتوبر 1973، كما في قام به على أكمل دور في الانتفاضة الفلسطينية.


أديب خليل, مجموعة متحف فرحات

بعد النكبة الفلسطينية عام 1948، تشرد ثمانمئة ألف فلسطيني وتشتتوا في أقصاع البلاد، وكان على هذا الشعب اللاجئ انتظار الاعتراف بمنظمة التحرير الفلسطينية ليحصل على ناطق رسميّ باسمه. وقد ساعد ظهور منظمة سياسية ذات سيادة في تشكيل طبقة سياسية جمعت كل الأطياف الفلسطينية اليمينية واليسارية تحت لوائها، ليبدأ النضال من أجل التحرر ومقاومة المشروع الاستعماري الاسرائيلي. كانت منظمة التحرير الفلسطينية منذ منتصف الستينات وحتى بداية الثمانينات (أي حين كان مركز المنظمة في بيروت) في أوج نشاطها، وسخّرت كل طاقاتها من أجل إعلام موحّد، خاصة وإن الاعلام الدولي الذي غطّى الاعتداء الاسرائيلي عام 1948 سرعان ما نسي الأمر وأصبح في أفضل الأحوال غير مبال بهذه القضية، بينما كان الاتجاه الطاغي تبني وجهة النظر الاسرائيلية للموضوع التي تنادي بأحقيتها للأرض المقدسة.
ونشط الاعلام الفلسطيني الموحد في التصدي للبث التلفزيوني المعادي حيث لم تمتلك منظمة التحرير محطة تلفزيون في حينه وخاضت حربها الاعلامية عبر المنشورات ،المعارض المتجولة، التحقيقات الصحفية والملصقات. وأنتجت منظمة التحرير نتاجاً ضخماً من الملصقات، التي أخذت تروي بالنسخة الأصلية والحقيقية رواية الشعب الفلسطيني، وتضحد للجميع مصداقية القول الإسرائيلي المأثور بأن فلسطين "أرض بلا شعب". كان الملصق أداة للتوثيق، وسجلاً تحدّد فيه الجرائم والمذابح والاعتداءات، يؤرشف حقبة مظلمة من تاريخ فلسطين.



بين الواقعية والرمزية
يلاحظ الزائر لهذا المعرض تعدد الأساليب الفنية التي عالجت الملصق، كما يلاحظ غلبة التفاصيل والاختزال التعبيري في هذه الملصقات. تعددت أيضاً التقنيات المستخدمة من تلوين زيتي الى مواد مختلفة، ومن الحبر والمائيات الى استخدام التصوير الفوتوغرافي في الكولاج.
أما الموضوعات فضمت مناسبات عدة مثل يوم الأرض الفلسطيني 30 آذار 1976، اسبوع التضامن مع الاسرى والمعتقلين 17-24 آبريل، ذكرى انطلاقة الانتفاضة عام 1965، ويوم التضامن العالمي مع الشعب الفلسطيني 29 نوفمبر، كما شملت الانتفاضات والهبات الشعبية، الطفل والمرأة وقضايا اجتماعية أخرى.
ونرى الملصق مدافعاً عن التراث حين يؤكّد هوية الزيّ التقليدي وهوية الزيتون، البرتقال والقدس، وتصل الرسالة إلى المتلقي عبر رموز تحمل دلالات فكرية مستوحاة من الذاكرة الشعبية والإرث الحضاري الفلسطيني. رماة الحجارة، الفدائي، البندقية، والحصان.. هذه الرموز تشير إلى الثورة أما الديك فهو من علامات النصر، في حين تحمل الكوفية علامة النضال والقضية. وتتكرر في الملصق صورة المهن اليدوية، العمال، المطرقة والمنجل وهي تدلّ على البروليتاريا، وتؤكد على الفكر الماركسي الذي تقوم عليه بعض الفصائل الفلسطينية. وللألوان دلالاتها ايضاً.. فاللون الأحمر، زد على كونه من ألوان العلم الفلسطيني التي تكاد لا تغيب عن اي ملصق، هو دماء الثوار وتضحية الشهداء والطريق الوحيدة للوصول إلى الحرية.


غازي أنعيم , مجموعة متحف فرحات

في ملصقات غازي أنعيم نجد البساطة في استخدام التراكيب التأليفية للعناصر، واستخدام المفردات البصرية المباشرة على مساحة لونية موحّدة، التأكيد على الواقعية وحتى اللجوء الى الصور الفوتوغرافية المباشرة. أما عند أديب خليل فنلاحظ الاختزال الخطي في التكوين، واعتماده أحادية الرمز حيث يلعب الديك أو الحصان دور البطولة في أعماله. وبينما الاستعارات نحت نحو السريالية في اعمال علي فرزات فقد ذهب عوض العميري نحو التسجيل الواقعي للأحداث. وقد افتقد المعرض حضور أعمال سليمان منصور ومحمود صبح بالشكل الكافي حيث لم يعرض إلا عملاً فنياً واحداً لكل منهما، وكليهما يتمتعان بقيمة فنية عالية بالاضافة الى كونهما من الاعمال الزيتية القليلة التي ضمها المعرض، بالمقابل شهد المعرض حضوراً مكثفاً لأعمال زهدي العدوي التي تمتاز بغرافيكية خطية إلى جانب التقشف اللوني معاً يأتيان في خدمة الفكر أكثر من استدرار عاطفة المتلقي.


محمود أبو صبيح , مجموعة متحف فرحات
الملصق الآن

قد يقول البعض أن هذا الملصق قد فقد قوته التعبيرية كونه مسلوخاً عن زمانه، حيث أصبح المتلقي يتفاعل مع رموز هذه الملصقات وتركيباتها بالتهميش والالغاء، وذلك لأن رموزه أصبحت "كليشيه"، قد سبق رؤيتها مراراً وتكراراً حتى فقدت قوة وقعها وقدرتها على استفزاز وتحفيز ذهنية المتلقي الفكرية والعاطفية. ولكن هل هذه هي الاجابة حقاً؟ 
أجدني اتساءل اذا فقد الملصق الفلسطيني غايته فهل يقلل ذلك من أهمية جماله الفني كونه لم يعد نفعياً؟ وإذا كان الامر كذلك فهل تسقط معه أيضاً القيمة التاريخية الوثائقية لهذه الملصقات؟ وهل يصبح جمعها ضرباً من ضروب الجنون؟
إن أهمية هذا النوع من المعارض يكمن في إحياء الذاكرة واستنهاضها، نحن أمة لها قصة ولها ماض، وتربية النشئ لا تتم إلا بالنظر ملياً الى الماضي، فمن لا تاريخ له لا حاضر له ولا مستقبل.

ممدوح الكردي (الشهيد) مجموعة متحف فرحات


Friday, March 22, 2013

الفنان العراقي محمد السعدون بقلم فاروق سلوم


محمد السعدون , باب عربي محروق , مجموعة متحف فرحاتMohamad Sadoun, Arab Burned Door, Farhat Art Museum collection

في طبيعة سكونه الموحش ظننت انه لايقول سوى مفردات السكون ،
غير ان مضي الوقت اعطى معنى لسكون محمد السعدون وهو في صمته الطويل .. وتأمله العميق ومفرداته الموجزه حين يحكي .. او حين يجلس امام قماشه بيضاء .. مشروع لوحته .
في اكثر من مرّة تخيّلت انه لايريد ان يقول شيئا كمن يحرص على طقس سكوته العميق الدلاله ..
واكثر من مرة رايته لايرسم .. حين يرسم ، مبددا فضاء اللوحة وتفاصيلها .. كمغامر
لكني حين ابصرت اعماله فيما بعد ..ارى انه يصنع ارثا مثاليا حين يؤثث حواره مع الآخر عبر اعمال تتوق لتقول مجهولها عبر مواد فنيه و مواد غرائبيه درج على استعمالها منذ ثمانينات القرن الماضي .

كان صدره يمتلي بأوهام شرقيه .. مثل احلام مستحيله

معتقدا ان غيمة شرقه الصحراوي ستمطر يوما وتحتفي الحياة بأنعتاقها ..
لكنه كان واعيا و مثقلا ايضا بعطش الحقائق الكبرى في السياسة والحياة ..في ثقافة الحرب القائمه وثقافة الأمل الغائبه .. وكانت تنهكه اضاءات متواصله في اعماقه لأسئلة الجمال في بيئة فكر مغلق وممارسات عابثه وكانت تتعبه عتمة المستحيلات وسواد الخيارات التي ترهق الرسام عادة ..
لكن معاناته كانت تتضاعف حين يجد حريته في الرسم .. ولايجدها كمحاضر مقيد ، يلقي على طلبة كلية الفنون مباديء الجمال والحداثه .. ولكن بحذر ثقيل ..


محمد السعدون  , مجموعة متحف فرحات
Mohamad Sadoun, Farhat Art Museum collection
محمد السعدون – 1956 رسام درب خطواته في امواج رمل شرقي عند شواطيء الرافدين .. حملت لوحته عناصر البناء والتنصيب المركب بكل ماده ابتكرها الواقع المشرقي كما توميء الى تأثيرات بصريه لحفور وآثار قديمه والوان قاحله طبعت تقنيته ..وأثرت بصيرته ..
ومنذ اختياره الرحيل بعيدا بين طرفي الأرض اليابان.. وامريكا عام 1989 وهو حاضر بين ذاكرة تروي ..واعمال موجزه متبقيه عند اصدقاء .. اوهنا وهناك .. وبخاصه هيكل باب محترق جراء قصف بغداد خلال الثمانينات عالجه محمد السعدون اثر تفجر الصواريخ بالقرب من غرفته الصغيره – مرسمه المنطوي الأليف ، في الطابق العلوي لمنزل قديم ببغداد ، وقد غدا الباب بعد معالجة فنيه مهمه واحدا من موجودات معرض الفن العراقي المعاصر في معهد العالم العربي بباريس 1986..

محمد السعدون , باب عربي محروق , مجموعة متحف فرحات
Mohamad Sadoun, Arab Burned Door, Farhat Art Museum collection

وفي معرضه الأخير الذي اقيم على قاعة معارض - باسيفك غروف سنتر للفنون الذي يستمر لغاية 28 آب، اغسطس 2009 يكرس محمد السعدون انشغالاته على انجاز موجودات فنيه من الأبواب والكراسي والمواد الزائده عن الحاجة والكتب القديمة وصفحات من الكتابه بالعربيه والألوان الخامات الأخرى وكأنه يكتشف كلاما يحكي موضوعات حياتنا هناك ..ويروي فزعنا الذ ي يدور من حوله منذ عقدين خشية ان لايلتفت احد الى فنائنا .. تحت وابل القوانين والنواميس المغلقه هناك .. وتحت رحمة القنابل المبيده لكل حياة ..
الكتب تجلس على كرسي مغلول ..وقيود تلمح الى كوننا البغيض الذي يقيده كل شيء ويمنعه عن قول اي شيء .. الأبواب تفتتح كفه فوقها علامات ارتباك في ان لايكون هذا الباب بابا .. ولوحات تزدحم فيها الظلال العاجزه المنطويه والكتل الداكنه كأكف سوداء ارهقها الحصاد اليائس .
قلق هو الرسام الذي فيه ازاء مصائر حيوات يحملها معه ..عبئه المجنون ..واسماؤه التي استصحبها معه عبر مسافات وبحار وكأنه مؤرخ في يقظة رسام .. يشتغل في مدى كوني يكون فيه الجرح اشاره والحرف غموضا فقط !!

محمد السعدون , مجموعة متحف فرحات
Mohamad Sadoun,  Farhat Art Museum collection
في معرضه قدم محمد السعدون اعمالا ولوحات ، هي خلاصة تجربة في استعمال مواد وبقايا الحياة اليوميه .. ونوافذ وقطع اثاث وابواب ، تشكل اشتغالاته عليها تكريسا لمميزات اصيله في تجربته .. لونه في عتمة اللوحه مثل كيمياء سؤال مبهم .. وانشاءاته نبات بري مجهول صافن نحو الجهات .. يقول كلاما جريحا في عزلته ..
لوحاته ابتكار لدروب يفك غموضها اللون .. هل قلت تجريداته .. ليفعل فهو في معرضه الجديد ة يضع مجازات الرسم ، في التقنية والفكر ، كرسام ملول يكترث بأختصار خطوته اكثر من اكتراثه بالمعاني التي ترمي صفائها .. وهو مثل صمته .. لايقول ولكنه يسرع ايضا حين يختصر الأشكال و كثّف بلاغة الاسلوب لأن الوقت اضيق من اي انتظار..

الموسيقى كانت ملمحا مهما في المعرض حيث عزفت سيدتان على البيانو والفيولين قطعا من اعمال كلاسيكيه .. جعل رواد الأفتتاح اكثر اقترابا وتفاعلا مع تنوع التجربه وعمق الأعمال التي بدت في تقلب الوقت والفصول وهي تروي كموجه من غموض واغتراب ..
حلم الرسام الذي يسهر الحزن معه .. وينهكه الأمل .

محمد السعدون , خطوط عربية, مجموعة متحف فرحات
Mohamad Sadoun, Arab calligraphy, Farhat Art Museum collection
سيرة :
ولد عام 1956 وتخرج في كلية الفنون الجميله عام 1979 بعد حصوله على الماجستير من جامعة هارتفورد عام 1986 ..مارس التدريس و الرسم والعمل في مجال تصميم المطبوعات ..والطباعه الفنيه .
غادر العراق عام 1989 الى اليابان حيث امضى ثلاث سنوات واقام معرضين شخصيين
حصل على شهادة الدكتوراه في الفن عام 1999 من جامعة اوهايو ويعمل محاضرا هناك ..وقد اقام عدة معارض تشير الى قوة ارتباطه بالحركة الثقافية والتشكيليه المعاصره 

Tuesday, March 19, 2013

إبراهيم أبو طوق : الخط العربي فقد أهميته بفعل التكنولوجيا والعيب في الخطاطين


إبراهيم أبو طوق , مجموعة متحف فرحات
Ibrahim Abu Touk, Farhat Art Museum Collection

الدستور ـ طلعت شناعة 

موسيقى «بيتهوفن» و»موتسارت» و»هايدن» حركت روح الإبداع في بدنه. فتحركت أصابعه نحو فرشاة الرسم ومنها اكتشف حبه للخط العربي، الذي تميز فيه وصار واحدا من رموزه في الأردن والوطن العربي.

إبراهيم أبو طوق، نال مؤخرا جائزة مهرجان تلمسان للعام 2011 . كان ذلك بمثابة تتويج لرحلة إبداع بدأت من سبعينيات القرن الماضي.

التقيناه في «الدستور» وتحدث عن الجائزة وعن تجربته وعن فن « الخط العربي».

* لنتحدث أولا عن الجائزة ، كيف فزت بها وما ظروفها؟

ـ شاركت ضمن 85 خطاطا من الوطن العربي والعالم الاسلامي وفزت بالجائزة الثانية. وكان محور المشاركة نص الحديث الشريف « احفظ الله يحفظك». واستخدمت فيه اسلوبا مختلفا. وحين سألتني وسائل الاعلام عن الجائزة قلت: إننا نعيش في عصر الالكترونيات، وخوفا من ضياع العقل العربي والمسلم في هذا الاطار، ولا شك أن الله -عز وجل- هو المسيطر على هذا العصر وعلى هذه الالكترونات وهو الذي يحفظك من الضياع في خضم الكم الهائل من التكنولوجيا. وقد احتوت اللوحة على كثير من من الأشكال الرياضية / الحسابية مثل القطع الناقص والقطع الزائد والقطع المكافئ وهو ما يعرفه جيدا المختصون في مجال الرياضيات.

وأعتقد ان ما يميز اللوحة هو الفكرة إضافة الى إدخالي الاشكال الرياضية السابقة بشكل غير مسبوق في العمل. وأيضا محاولتي إدخال عناصر العمارة والتبوغرافيا والموسيقى والتعميم الجرافيكي في عمل واحد.

وأعتقد ان هذا ما جعل الجائزة الاولى تذهب الى شخص آخر ركز على الموروث الفني الخطي. بينما كان عملي متفردا ليست له مرجعية بل كان عملي هو المرجع مما أربك لجنة التحكيم.


* وكيف كان صدى فوزك بالجائزة؟

ـ كان ذلك متباينا بين الرضا المطلق والاستحسان. كون العمل يلامس أساسيات العمارة والموسيقى العالمية. بينما اتجه المتحفظون على الجائزة الى منطقة الحيرة والحياد.

إبراهيم أبو طوق , مجموعة متحف فرحات
Ibrahim Abu Touk, Farhat Art Museum Collection


مدرسة جديدة

* ماذا عن قيمة الجائزة ؟

ـ هناك القيمة المادية وهناك القيمة المعنوية. ومن قبل حصلت على جائزة « البوردا» العالمية التي اقيمت في الامارات لعامين متتاليين.

كما شاركت في مهرجان دبي العالمي للخط العربي وكذلك مشاركة في « بينالي « الشارقة عام 2009. وقبل 15 سنة كانت لي عديد المشاركات المحلية والاقليمية لكنها كانت ضمن النسيج الكلاسيكي في مجال الخط العربي.

بعد ذلك استطعت ان أجد لنفسي مدرسة متميزة وهذا ما يجعلني اؤكد على نجاح وقبول التجربة من قبل اصحاب الاختصاص والمهتمين.



الخط والتكنولوجيا.

* عادة ما يخطر بالبال سؤال حول تأثير التكنولوجيا على فن الخط العربي، سلبا وايجابا.

ـ الخط العربي فقد أهميته نتيجة التكنولوجيا. ولكن أقول أن العيب ليس في الخط بل فيمن يعمل في مجال الخط.

الخط العربي وضع أساسا على نظرية هندسية ورياضية انطلقت من مفهوم الآية الكريمة « نون والقلم وما يسطرون «

وباختصار أقول ان الألف في عموديتها في خط « النسخ « هي الباء في افقيتها.

فهم الاقدمين لهذه المعادلات جعلهم يبتكرون خطوطا واشكالا من الكتابة مثلت العصور السابقة خير تمثيل. وأيضا كانت سابقة لعصرها. ومع بدايات القرن الماضي ظهرت أدوات وانماط جديدة من التكنولوجيا كالسيارة والطائرة وغيرهما واصبحت شريكا للانسان في المقياس الفني.

بمعنى أنه قبل بداية القرن كان الانسان بمقاييسه ونسبه التي خلقها الله سبحانه وتعالى هو المرجع الوحيد للمعماريين والفنانين والخطاطين. وعند ابتكار السيارة والطائرة أصبحت هذه الابتكارات شريكا للانسان المعاصر. وبذلك صار لزاما على الفنان أن يأخذ بهذه التكنولوجيا في اعماله ولا يستطيع كائن من يكون الاستغناء عنها.

ومن هنا أقول ان العيب ليس في الخط بل فيمن يعملون به. لأنهم لم يفهموا لا عصرهم ولا العصر السابق. وبالتالي هم مقلدون وبشكل ساذج وعفوي.


* ماذا أضافت التكنولوجيا لحرفة الكتابة بالخط العربي؟

ـ لقد ساهم الكمبيوتر بتخفيف التشويه البصري الذي كان يمارسه بعض الخطاطين ممن لم يملكوا الأهلية والكفاءة للتعامل مع الخط. وبالتالي فإن الكمبيوتر له إيجابيات وله سلبيات. ومن الإيجابيات الاطلاع على ثقافات وفنون الآخرين ومحاولة الاستفادة منها. على اعتبار أن جذور الفن في العالم واحدة. فنظرية « دافنشي» حول أبعاد النسب الفنية هي مرجع للفنانين والمعماريين والمصممين الصناعيين في العالم كله. سواء أكانوا عربا أو غربا.

إذن، هي نظرية « دافنشي» واحدة في كل المجالات الفنية. ولكن المشكلة ، كيف يتم فهمها وتوظيفها على اللوحة الخطية.

أما السلبيات فتكمن في ان الكمبيوتر قد جعل من أنصاف الخطاطين والفنانين أداة طيعة في يده. . فبدلا من استخدامه واستخدام نظريات علم الجمال في الحصول على فن يوازي متطلبات العصر الحديث ، أصبح بعض الخطاطين يتعاملون مع مفردات الخط العربي الكلاسيكية بشكل تقليدي من خلال رسمها والاكتفاء بوضع مسحة جمالية ساذجة لا تمثل العصر ولا قيمة وجوهر الخط العربي الاساسية التي اراد منا الاجداد ان نكطملها . لأن نظرية نشوء الخط العربي التي أسسها « إبن مقلة في العصر العباسي» هي متوالية هندسية. وهي ـ المتوالية ـ ليس لها نهاية بل هي عبارة عن تراكمات واضافات تناسب كل عصر وما يليه.


* ترى أين تكمن روح الخط العربي من وجهة نظرك؟

ـ كان الاطار الديني حريصا على عدم العودة الى تقديس الاصنام في عصر الجاهلية. وبالتالي « أطرت « الشريعة الاسلامية الرسم الروحاني وهو ما يعني رسم الارواح بشكل حاد، مما جعل الفنان المسلم الذي يمتلك طاقات عالية في الرسم والابتكار والابداع ان يتجه الى الخط العربي. وبالتالي فإن روح الخط العربي تشمل الرسم والتجريد بكل أبعاده وشموليته. وهنا نقول إن « بيكاسو « هو صاحب المدرسة العالمية المعروفة عندما بدأ في مدرسة التجريد قال» لم أحاول ان أُجرد شيئا من الطبيعة الا وجدتُ الخط العربي قد سبقني اليه». مما يعني أن روح الخط احتوت على عناصر الطبيعة بشكل مجرد وبعيدا عن الواقعية التي تعيد المتلقي الى عصور ما قبل الاسلام. وبالتالي، فإنني أعتقد أن الخط العربي مثّل مرحلة التدوين مما جعل اللوحة تحتوي على عنصري النص المكتوب والجمالية التشكيلية التجريدية.

إبراهيم أبو طوق , مجموعة متحف فرحات
Ibrahim Abu Touk, Farhat Art Museum Collection


* أين موقع الأردن على خريطة فن الخط العربي؟

أقول وبحمد الله ان الاردن له موقع متميز على الخارطة الفنية العربية. فوجود الكثير من أعلام الخط أمثال الفنان محمود طه الذي سحب الخط العربي باتجاه التشكيل. وهذا أمر غير مسبوق. حيث استطاع الفنان طه أن يدخل الخط العربي في العمل التشكيلي بل ان يجعل الخط العربي عماد اللوحة التشكيلية. وبذلك ساهم بإبراز الطاقات الهائلة التي حملها خطاطو الأردن فيما بعد.

* كيف بدأ حبك لفن الخط العربي؟

ـ في البداية كان المرحوم الخطاط ابراهيم ثابت في وسط البلد / عمّان ، وكان ذلك العام 75 وكنت اتردد على ذلك المكان وكانت بداياتي على يديه في « دخلة سينما عمّان «

والذي أدخلني الى عالم الخط العربي هو الهندسة المعمارية التي درستها في كلية وادي السير. وتعرفت خلال دراستي على المنظور وعلى الابعاد الهندسية والنسب الفاضلة وعملية بناء الكتلة الفنية. وعندما نظرتُ الى الخط العربي، وجدتُ هذه العناصر موجودة في الخط العربي. وبدأت في محاولة تعلم ذاتية. الا أنها كانت متعثرة. مما دفعني للاتجاه الى المرحوم ابراهيم ثابت ومن بعده محمود طه ومن ثم الخطاط جمال الترك.


* كيف ترى تجربتك مع الفنون الأخرى؟

ـ لقد كانت العمارة والنحت هما أخطر وأصعب الفنون المرئية على اعتبار أن الموسيقى فن سماعي ، بينما اعتمد الغرب على الفن البصري. إن فهمي الدقيق للهندسة التي أسس عليها الخط العربي، جعلتني أهتم بالخط العربي باعتباره يحتوي على فنيي النحت والموسيقى. ونتيجة اطلاعي الغزير على ثقافات الشعوب الاخرى وفنونها، استطعت ان أُدخل ابعاد ومفاهيم جديدة لم تكن معروفة قبلي في موضوع الخط تحديدا. وإن كانت موجودة في فن النحت والموسيقى.

وهنا أتكلم عن البعد الثالث واقول ان الخط العربي حتى اواسط القرن الماضي تناول بعدين اثنين فقط. وظهر الفنان نجا مهداوي  وحاول إدخال البعد الثالث في أعماله. وأعتقد أنه نجح في هذا الأمر إلا أن ما يعاب على تجربته أنها فقدت تتابع النص. وهنا أدركتُ أن النص المكتوب والمقروء والمتتابع من ضرورات اللوحة الفنية. وبدأت باجراء تجارب استمرت حوالي عشر سنوات معتمدا على الموسيقى والعمارة والنحت وتجارب الآخرين. الى ان وصلت الى إدخال البعد الثالث والذي كان مقتصرا على النحت والعمارة في لوحتي الفنية وبذلك حصلت على لبنة جديدة في نسيج الفن العالمي.


Sunday, March 17, 2013

مقدمة كتاب "أبعاد مثلث الإتفاق الفني" للفنان والباحث عدنان المصري

الفنان عدنان  المصري  1937-2010

في حديث اطرفنا ذكره في الكتاب عن كلمة صينية قديمة بليغة تقول " إذا كان لديك رغيفان من الخبز فبع أحدهما واشتر بثمنه باقة من" الزهر " واحتفظ بالاريج لنفسك عله يدفعك إلى طرد أوهام السلاح والنار وما ينطوي كل منهما من عدوان . 
إن أقدس ما يعطيه فوحها وعطرها أنها فانية في جمالها الحي وباقية في ذكراها العطرة . والراضون عنها لقليلون , بينما الكثر من الناس هم المساهمون عما يرون والمقلدون  هم الذين  يخشون الحياة في التجديد والابداع والخلق , مفضلين عندهاً بقاء التحجر محل الحياة ووحشته بدل السعادة . 
إن جوهرالحياة هو التسامي نحو النور , لا الهبوط ولا الإستسلام لأعماق الظلام , وإن بدا كل منهما على حده وظاهرهما ضدان متقابلان , إلا انهما في السعادة والشقاء طرفان متضامنان متحدان يقابلان إنساناً  مخلوقاً مغامراً تستهويه الأعماق ليستطلع منها كل ما هو غامض وخفي . 
لقد عاش الانسان بينهما ولم يزل يعيش مخلوقاً كما قلنا نبيلاً متحداً بالقيم العليا التي يسعى إلى تحقيقها من خلال تجاربه . وما الحق والخير والجمال إلا  المثل التي يرمي إلى بلوغها عن طريق الفعل واتباع الذات في انفعالها والموضوع ( الظاهر) بالسيطرة عليه وأخضاعه لهواجس الانسان بوصفه سيداً عليه .فمعرفته بالعالم أو المحيط الذي من حوله تعني أيضاً قدرته على الابتكار والخلق . انه عالم لم يأت من العدم لأن العقل الذي أوجده لم يبلغ الكمال في الصنع . فكل  ما جاء به هي قدرات تعلقت فصنعت ولم تبلغ أكثر بصنعها من مرحلتها الأولى . وهذا معناه أن التجربة التي أولت اهتمامه لا تزال في مهدها تسعى الخلاص في الألوان والأصوات وما تعطيه العين من رؤى لا تزال تخدعه فتحيره . 
إن أول ما يتبادر إلى الذهن عند العديد من الناس في هذا العصر وغيره من العصور السابقة , ان الفن هو المحاكاة والتقليد , أو هو المهارة في النقل  , أوتكرار ما وجد في الطبيعة من ظواهر  أنه هو الأفضل  وما عداه ليس بأفضل . فالتعريف هذا لثقله ليس بتعريف للفن بالرغم من وجود جهود كبيرة قام بها الفنانون ويقومون ليؤكدوا عكس ذلك .  اذ هو يعني  كما كان في العصور القديمة وفي نظر البعض منهم خاضع لنظرية المتشابهة التي عراها افلاطون بمقالاته حين اعتبر الرسم بكل ميادينه يشبه الرسم بالمرأة الموجود فيها . والرسام أقل شأناً من الشاعر والفيلسوف , لاعتبارات أكدها مراراً , من أن غاية الرسم في  عصره هي نقل المنقول أو تقليد المظهر لا تقليد الحقيقة , والحقيقة لا تقلد وهذا الطبع بعيد كل البعد عن الواقع والحوار معه . 
ولما جاء عصر النهضة كان البرتى من المؤمنين بجمال الكون وبأنه " أروع الجمال الله " فلا يجوز ترك تقليد الطبيعة والتـأمل بها لانتقاء أجمل النماذج عنها . هكذا استند المذهب المثالي الكلاسيكي إلى الطبيعة وهكذا روج له ليظل في ذهن الناس أنه هو الصحيح الذي يجب ضاربين الحائط بكل الجهود التي تقام بها الفنانون والعلماء في ميادنهم : من أن الفن هو منهج قبل أن يكون طبيعة , وإن الاغريق في فنونهم كانوا يتبعون الرؤية البصرية للطبيعة بدون مناهج , لذا وقعوا في التقليد ,لا الفن وسموا حرفته صنعة . 
ظلت هذه الأفكار سائدة في صفوف الناس يرفضون تبديل أو الإستغناء عنها , ظناً منهم أن صور الطبيعة هي الصحيح الذي ارتضاه الله , فغيره معصية , لذا يجب المحافظة عليه لأنه مسكن للالهة . 
مرد هذا الفهم أنهم لم يعتادوا على قراءة اللوحة وعلاقاتها بالطبيعة  والنفس البشرية ,أو أنهم لم يدركوا اهميتها لجهلهم بحقيقيتها . مع أن العلم الحديث بمجالاته الواسعة واستيعاب  مجازي العالم والطبيعة قد أوضح سبل التعاطي مع الفن خاصة فيما يتعلق بتزويده بالمعلومات الكافية التي لم يكن على علم بها سابقاً هذا الفن .
السبب أنه ,أي الإنسان قد نسى دوره في المحيط الذي يعيش فيه والتزامه نحو الأفكار التي بنى عليها وجوده منذ أن كان بدائياً وحتى أصبح فيما بعد حضاريا ً. من أن السمع والبصر واللمس كلها  نوافذ مطلة على العالم لمعرفة أسراره وما هو أكثر جوهرية في الحياة الواقعية الاجتماعية . 
إن النشاط الفني الذي أبداه الانسان في تجواله حول معالم الطبيعة قد أعطى دفقاً  قوياً لتطوير الفكر الإنساني وأدى إلى حد بعيد إلى صياغة العلاقات الإبداعية مع العالم المنظور والخفي . لقد تعلم الإنسان منذ البداية أن الطبيعة يجب إعادة تشكيلها من جديد ولكن بشكل مثالي . بدءاً بالمخيلة وإنتهاء بالممارسة . وإن "الأنا" أي الانسان له علاقة بالاخرين "الهو" و من خلالهما يبنى المجتمع ككل . 
إن الجهل اقعدنا عن التفكير , وهو أكثر تأئيراً من سوء القصد , بحيث لم يعد لدينا بسببه القدرة على استيعاب كل جديد , منه قراءة اللوحة وما تهدف إليه من نفع في الرغبات والأماني . لقد كان الفنان منذ القدم هو الوحيد القادر على تشكيل المادة وفق قوانين الجمال المتبع في الطبيعة وهو أيضاً  القادر على بناء (الخلية كالنحلة ) التأليف داخل رأسه قبل رؤية النتيجة . بمعنى أن البداية قد وجدت في مخيلته بشكل صورة مجردة بحتة . لم يلامسها التجسيد إلا بعد إدخال ما اعطته الطبيعة من كسب في الرؤية الحسية غير بموجبه مسار الهدف الفكري بأن ألزامه بالوعي بأن يكون له جسداً معروفاً . وهذا بالطبع ما يفتقر إليه العامة عندما يرون أن العمل الفني قبل تحقيقه يسبقه استعداداً فطرياً   مغلقاً بالعلم , فهو ليس بالصنعة , مهارتها معروفة وطرق تطبيقها مستدركة بحيث " فحصها " يكون من المهارات المعروفة التي تعالج عطلاً أصاب "جسداً" هو عبارة عن ألة مدى معرفتها معروف واصلاحها أكيد . 
إن العامة يريدون بدون جدال عملاً منتهياً مطابقاً للواقع . كالشجرة الصالحة التي لا تحتاج إلى عناية , وبقدر ما هي بصحة جيدة فان تقبلها والقبول بها مقرون بالمديح . والعكس غير مقنع لأنهم لا يريدون ظاهرة أو بحثاً يحتاج إلى نقاش مفاده أن ما يملكونه هو صالح ومطابق لحاجات المجتمع وقوانين الطبيعة وسهل الاستماع . فكما أنهم ورثوا الطبيعة كما هي وبعلاتها واعجبوا بها كذلك يريدون من العمل الفني الحاضر أن يكون عملاً مطابقاً للطبيعة يقارن بها . لأنها هي المثل الأعلى لكل ظاهرة ينتجها العقل , ومن ثم فإمتلاكه ضرورة لأنه مثلها ممتلك ومفيد . 
إن ثقة المتفرج و المشاهد بالفنان جعلته يهتم كثيراً باستبعاد الأخطاء الواقعية وما يصنعه الفنان من أخطاء في الرؤية  أو الحس عند معالجته موضوعاً واقعيا ً في لوحته . وبقدر ما يكون العمل الفني ناجحاً يكون ايماناً . فإن ثمة إيماناً يسكبه المتفرج على الفنان بأن عمله هو الواقع ذاته المطلوب, ومن عمل الإلهام الصالح الموجود في الفنان الاَتي من الغيب سخرة لصالح البشرية . 
لقد قام بعض علماء النفس بإجراء بعض التجارب لتحديد أنواع الإستجابات الجمالية , التي يمتلكها بعض الافراد كعينة لمجتمع تكثر فيه هذه الاستجابات . ربما  لا تكون هذه هي الصحيح  المطلوب , بيد أنها تعني أن هناك أموراً غامصة لا يحددها العلم كنتائج علمية يمكن الاعتماد عليها نهائياً, كما يدعي بنتائجه , وهو تحصيل خاطىء , لأن ليس له قرار نهائي يمكن معرفته في العلم . بل الوصول إلى محاولات هي بالحقيقة لا تعني شيئاً سوى أن العلم ليس له قرار نهائي وإنما تجارب الغاية منها الوصول إلى المعرفة الحقيقة . وهذا مستبعد الان لأن الانسان لا يزال في أول الطريق _ طريق المعرفة . 
قلنا أن بعض العلماء بعلم النفس قاموا بتجارب لمعرفة أنواع الاستجابات الجمالية المخزونة في نفوس الناس . كانت النتيجة بعد استخدامهم صوراً فنية وقطعاً موسيقية وألوان متفرقة , ان هناك أربعة نماذج من الإستجابات تخص أربعة أشخاص وهي : 
1 _ النموذج الذاتي العضوي  أو الشخص الذي يملك القدرة على معرفة الإحساسات الداخلية وكيفية الشعور بها . 
2 _ النموذج الموضوعي وهو الشخص الذي يتخذ موفقاً عقلانياً ليحكم من أن الصفات التي براها لها ميزات تخص الشكل وارتباطه جمالياً بالتعبير الصادر عنه . 
3_ النموذج الإرتباطي , أو العمل الفني الذي يثير الذكريات عند الشخص فيحيلها إلى رباط ما بين شجون ذكرياته وبين العمل الفني كعامل للإثارة . 
وأخيراً النموذج الخلقي , أو الرؤية إلى العمل الفني وكأنه شخص مجسم له  صفات عديدة تؤكد أن هذا العمل الفني له طابع الكاَبة أو الخوف أو الفزع أو التعاسة أو الخمول... أو الألام . وهي كلها لاتخص الشخص المشاهد وإنما العمل الفني . من خلال وجدانياته التي صنعها الفنان وشاهدها المتفرج  بصرياً وإحساساً . 
وهكذا  يستمر الكتاب في العطاء مستفيداً من تجارب البشرية وما خلفته من أثار هي بالحقيقة تخفيف لما يعاني منه الانسان من ضغط في تحقيق رغباته وانفعالاته اللا شعورية المكبوتة . 
ثمة شيء لا بد من ذكره وهو أن الأيات الفنية من إبداع وابتكار هي عملية تعويض لما فقده الانسان خلال صراعه مع ذاته الأنا ومع الاخرين الهو. فالإنفعالات المؤلمة  المتصلة باللاشعور هي أقوى بكثير من الإنفعالات التي تخص الحس . والمجادلات التي يستهدفها الانسان من خلال تعاطيه مع الفن هي أن كل محاولة جديدة يبتكرها مبدعها تعني الخروج من حدود الواقع بربطه بحدود الذات . والعكس صحيح أيضاً لأن الحقيقة بقيمتها المطلقة لا تخص قوم بل كل الاقوام . وما استنتجه الفنان بصراعه مع الحياة هو أن الإنسان مخلوق عجيب فيه كل المعاني الموصلة إلى معرفة الكون . لقد قطع شوطاً كبيراً في انشطته الفكرية والاجتماعية وفي أخر مطافه اعتبر بعد حصوله على تجارب عديدة في الطمأنينة والاستقرار أن وثبته الأخيرة في النشاط الفني تعني أنه لن يسير في خط مستقيم كما فعل سابقاً بل سيقفز من مستوى إلى مستوى متحدياً القديم في أعماله متحرراً منه ساعياً إلى  خلق صورة جديدة فيها الانسان الجديد هو ليس بالصانع فقط ولا هو بالساحر ولا بالمتدين وإنما هو المنظم الذي يدرك الاشياء للاستيلاء عليها وذلك عن طريق قطع المسافات وإرجاعها إلى الذات فهي أقرب إليه من  العين ذاتها والشم والذوق والسمع وكلها حواس نوافذ على الطبيعة التي هي جزء منه لا عليه وللحصول عليها لا بد من ارتقاء يقضي على المستوى النفعي للوصول إلى مستوى الجمالي وذلك عن طريق اغلاق النوافذ والعيش بالذات الذي هو وقار القلب . 

بيروت 2000  
    عدنان المصري

لقراءة المزيد الرجاء الضغط على الرابط أدناه 
http://adnanelmasri.wordpress.com/adnanelmasribook/ 

 أعمال الفنان عدنان المصري 




السويداء , سوريا , أجداد العرب Suweida - Syria


Saturday, March 9, 2013

التصوير الفوتوغرافي بين حداثة الاختراع والغاء الآخر

مجموعة متحف فرحات


التصوير الفوتوغرافي، كغيره، كان صرخة في عالم الاختراعات الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوروبا، ترك أثره على الساحة الفنية والسياسية. فكما كان شاهداً على اختراعات وتطور علمي وفني، جعلت منه أوروبا سلاحاً فعالاً في ممارسة ساديتها على "الشرق" فيما عُرف بـ"الاستشراق". بيد أن الحركة الصهيونة لم تكن تاركة الأمور تسير "على الغارب" فجعلت منه أداة هامة في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وحاولت مسحه من ذاكرة التاريخ لتزرع جسماً بديلاً عنه بات يُعرف بـ"إسرائيل".

في التاسع عشر من شهر آب عام 1839 أعلن فرانسوا أراغو، زعيم الحزب الجمهوري الفرنسي، عن اختراع التصوير الفوتوغرافي، مشيراً إلى أن هذا الاختراع الجديد سيساهم بشكل كبير في اكتشاف "عجائب الشرق".

يهوديات على حائط المبكى , من أكثر المواضيع التي ركز عليها المصورين

تكالب الغرب على هذا الاختراع الجديد، فكان سلاحاً ساعد بشكل جلي في تعبيد الطريق أمام الهجمة الاستشراقية الاستعمارية، وفك رموز افتراضات وايديولوجيات واستيهامات متعلقة بمنطقة من العالم تدعى الشرق. رفع من وتيرتها الصراع بين القطبين الحاكمين (بريطانيا وفرنسا) على اقتسام تركة "الرجل المريض" (الامبراطورية العثمانية) بعد أن بدأ المرض العضال وضع لمساته الأخيره عليه. فبدأت أوروبا في قراءة ثقافة الشرق مستعينين بالصور الفوتوغرافية في نقل أشكال ورسومات مخطوطات أثرية لقرائتها وتحليلها هناك، ما وفر الكثير من الوقت عبر الاستعاضة به عن النسخ. الأمر ذاته تكرر في نقل الجغرافيا والأماكن المقدسة والأثرية بكل ما احتوت من فنون هندسية معمارية وغيرها.

بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعلان آراغو، شد مصورون، وباحثون، أوروبيون رحالهم الى "الشرق"، على رأسهم المصور الفرنسي فريدريك غوبيل فيسك، الذي ابتعثته الخارجية الفرنسية - برفقة الرسام هوراس فيرنيه- في رحلة "علمية" وذلك في السادس من تشرين ثاني/ نوفمبر 1839. ويُعتبر فيسك أول مصور يدخل فلسطين خلال رحلته الى "بلاد الشرق والأراضي المقدسة". فبعد وصوله الى فلسطين، عبْر مصر، بدأ في التقاط الصور الفوتوغرافية ملتهماً بعدسته أبرز ما يميزها؛ الأماكن المقدسة والتاريخية. وفي الثامن من شهر آب 1850، وصلت القدس بعثة فرنسية تضم المصور ماكسيم دي كومب يرافقه الكاتب غوستاف فلوبير، والتقط المصور اثنتي عشرة صورة لمدينة القدس، نُشرت في كتاب خاص في باريس سنة 1852.

وفي العام (1844) وصل القدس المصور البريطاني الكسندر كيث، الذي التقط عشرات الصور استعان بها في دراسة الصلة بين ما ورد في الكتاب المقدس وجغرافية الأراضي المقدسة، وهذا ما استفاض في شرحه في كتابه "براهين على حقيقة الدين المسيحي". 

حجاج الى الأرض المقدسة

في تلك الفترة، لم تكن الحركة الصهيونية غائبة عما يغزو العالم من تحولات سياسية واقتصادية وفكرية. ففي نفس العام الذي اُعلن فيه عن اختراع التصوير، أطلق اللورد شافتسبري (1801-1885)، أحد دعاة الانجيلية الصهيونية، عام 1839 في مقال نشرته صحيفة "كوارترلي ريفيو"، أكذوبته الشهيرة أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي التقطها زعماء الحركة الصهيونية مستغلين اختراع التصوير لتحويل الأكذوبة الى واقع.

بدو في فلسطين 


التركيز على الأراضي الخالية




فمن أبرز السمات التي ميزت الصور الفوتوغرافية في تلك الحقبة، هي خلوها من العنصر البشري، فكانت جل الصور تعطي انطباعاً بأن فلسطين أرض خالية من السكان، ويرجع ذلك الى أسباب عقائدية وفنية وغيرها.

فحسب اعتقاد بعض البروتستانت (في تلك الفترة على الأقل) كان هناك اعتقاد مفاده أن فلسطين أرض حلت عليها لعنة الرب لأن المسيح صُلب فيها، بجانب بداية تبلور الحركة المسيحية الصهيونية، التي كان البروستانت مصدرها الأساسي، جعلتهم يلتقطون صوراً تخلو من العنصر البشري، وكأنها أرض لم تطأها قدم انسان وهي على حالها منذ 2000 عام.

في تلك الفترة بدأت الحركة الصهيونية في شراء الصور الأولى لفلسطين ونشرها بين الجاليات اليهودية في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، وبدأ لعاب اليهود في السيلان للانتقال الى تلك الأرض التي "لم تطأها قدم انسان" منذ صلب المسيح عليه السلام، سيما وأنها (الطائفة اليهودية) في أوروبا كانت طائفة غير مرغوب فيها، يتجنب كل شرائح المجتمع التعامل معها. كانت تعيش في عزلة تامة، غرباء، دخلاء، مكروهين، الأمر الذي شجعهم أيضاً للهروب من مكان لا يحظون فيه بالاحترام.


إن خلو الصورة الفوتوغرافية الأولى لفلسطين، من العنصر البشري لا يلغي بعض الاستثناءات، التي ظهر فيها عائلات فلسطينية. بيد أن صور تلك العائلات كانت تتسم بالطابع الديني أو الامجتمع البدائي؛ فكان معظم الأشخاص يظهرون كقديسين أو رهبان أو رعاة؛ فتحمل ايحاءً لسيدنا عيسى عليه السلام، أما "السكان" فكانوا مجرد حفنة من البدو الرحل الذين مروا بفلسطين خلال ترحالهم بحثاً عن المراعي. بمعنى آخر، لم يكن هناك متسع للمواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية، سواء الفلاح أوالطبيب أوالمعلم أورجل الأعمال والعامل ..الخ.
 
  
                      

سبب فني آخر، ربما، كان له دور في خلو الصور من العنصر البشري؛ هو بطء سرعة غالق العدسة (shutter speed). فعند التقاط صورة لأشخاص في حالة حركة، سيظهرون على شكل أشبه بأشباح، الأمر الذي كان يتجنبه المصورون. 

لم تخلُ أهداف البعثات الأوروبية الى الشرق من أهداف علمية وفنية وغيرها، فوصل الى فلسطين عدد من الباحثين/ المصورين الذين قادتهم مهنيتهم الى منحى آخر، ففي العام 1844 التقط المصور والخبير في العمارة الإسلامية، جوزيف برانغي، عدداً من الصور الفوتوغرافية لمباني وشوارع والفن المعماري الاسلامي والأرمني، وغيرها، في القدس، وتعتبر صوره من أندر وأقدم اللقطات للمدينة. غير أن المصور البريطاني فرنسيس فريث الذي زار مصر وفلسطين عام 1859 قال ان جولته هو تسلية الجمهور بابراز عجائب الشرق، باعتبارهما "أبرز مكانين على الكرة الأرضية" كما ذكر في مقدمة كتابه "مصر وفلسطين". وباعتباره صاحب مؤسسة تجارية، التقط مئات الصور مصوباً عدسته نحو الأماكن المقدسة والعتيقة ليجعل منها بضاعة تجارية رائجة .

في مطلع الستينيات من القرن التاسع عشر كان الاهتمام البريطاني الإستراتيجي منصباً على احتلال "الأراضي المقدسة"، الأمر الذي استوجب تكثيف "المعرفة البريطانية" بالمنطقة. وظهرت أول دراسة رسمية بريطانية مصورة عن القدس في العام 1865، بعد أن عمل فريق عسكري تابع لسلاح الهندسة البريطانية رسم الخرائط العسكرية وغير العسكرية والتقاط الصور للقدس وضواحيها، (استعان بها الجنرال اللنبي في دخوله للقدس سنة 1917).

أثار نشر الدراسة المصورة عن القدس اهتماماً كبيراً في أوروبا، وسارعت مؤسسات عديدة إلى إرسال بعثات "علمية" إلى الشرق، مع اهتمام خاص بفلسطين. وتأسس في لندن "صندوق استكشاف فلسطين" عام 1865، وكان الهدف المعلن لهذا الصندوق "استكشاف الماضي" من خلال دراسات أثرية وجغرافية. وساهمت الطائفة اليهودية في تمويل هذا المشروع باهتمام بالغ، ووضعوا جل اهتمامهم في مشروع استكشاف شبه جزيرة سيناء بهدف "توعية تلامذة العهد القديم".

في تلك الفترة كانت الحركة الصهيونية في أوج نشاطها الساعي لا قامة وطن لهم في فلسطين. وابان مؤتمر بال في سويسرا عام (1897) تبنى اسرائيل زانغفيل، أحد قادة الصهيونية، أكذوبة شافتسبري. وكان "وليام بلاكستون" 1841-1935، أحد أعمدة الصهاينة الأمريكيين من غير اليهود، من أبرز ممن أثروا في البروتستانتية الأمريكية عبر كتابه "عيسى قادم"، وقد طُبِعَ من هذا الكتاب أكثر من مليوننسخة، وتُرجِمَ إلى 48 لغة، منها العِبْرية، وقد تأثر بالكتاب بالطبع عدد من سياسيي أمريكا، أبرزهم الرئيس الأمريكي "ودروو ولسن" (1913-1921) المنحدر من بيت مُتديِّن نشأ على التعاليم البروتستانتية الأمريكية، التي تؤمن بالأسطورة الصهيونية، وقد اعترف بأنه ينبغي أن يكون قادراً على المساعدة في "إعادة الأرض المقدسة إلى أهلها".

وزادت الحركة الصهيونية من نشاطاتها وضغوطاتها على الحكومة البريطانية، لتترسخ أكذوبتهم الى واقع عبر الوعد الذي صكهم اياه اللورد بلفور بتاريخ 2/11/1917 باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
حائط المبكى 



Raouf Rifai - Carnaval de Darwiches

Memories of Abu el Abed, 2011 


Dans le "Carnaval de Darwiches," Sana Gallery et le Moyen-Orient Institut présenter une vaste collection d'art contemporain et chefs-d'œuvre par un doyen des artistes libanais, Raouf Rifai.
Darwiches Rifai sont un vaste corpus de travail créé par l'artiste au cours des dernières années.

Rifai dévouement à la Darwich ressemble à celle de Paul Klee et ses anges. Comme Anges de Klee, Darwiches Rifai sont nombreuses et variées Ils partagent certaines caractéristiques communes, surtout du fait qu'ils sont tous ancrés dans l'existence humaine: Ils ont des faiblesses et des défauts, une myriade d'expressions, les attitudes et les émotions, ils sont l'homme simple commune et. le mystique soufi, ils sont laïques et spirituelles, ils sont beaux et laids, ils sont stupides encore à l'époque plus sage que tout le monde autour d'eux, ils sont pleins de soucis ou ludiques, ils pleurent encore tirer l'humour de tâches quotidiennes; Bref, nous nous reconnaissons en eux, ils sont nous.



Les peintures choisies pour l'exposition peindre une toile large du Moyen-Orient énigmes sociales et politiques.

"Le Moyen-Orient dans sa réalité ressemble à un cirque ou une pièce de théâtre, où vous avez vos héros et des monstres méchants et les anges, ainsi que les braves et les lâches», explique Rifai, «Je veux leur donner à tous un rôle, et mettre en évidence la façon dont la société et les politiciens sous-estimer l'homme du commun à leurs risques et périls. " «Mon sujet principal de l'art est l'humanité; Elle est nourrie par l'histoire de notre civilisation et de notre patrimoine." 

Né au Liban en 1954, vit et travaille Raouf Rifai à Beyrouth.
Il est titulaire d'un doctorat en urbanisme de l'I Sorbonne-Paris et enseigne l'art à l'Université libanaise.
Rifai a participé à de nombreuses expositions collectives à travers l'Europe, les Etats-Unis au Moyen-Orient et au Japon.
Il a également eu plus de quinze expositions personnelles depuis 1984.
En 2010, il a reçu le premier prix de l'automne du Musée Sursock à Beyrouth Salon d'.
Ses œuvres ont également été mis aux enchères à Dubaï avec succès Christie en 2011, ainsi que Ayyam Gallery à Dubai.

Sunday, March 3, 2013

المرأة العربية في لوحات المستشرقين: من أسطورة ألف ليلة وليلة الى الواقع


ليوبارد ميولر Leopold Carl Müller (1834 - 1892)
مجموعة متحف فرحات Farhat Art Museum Collection

 أنجز أنطوان غالان أول ترجمة لكتاب ألف ليلة وليلة إلى الفرنسية في العام 1704، وحتى تاريخه،  أثرت هذه الترجمة على العوامل التي أدت إلى تفتح عين الغرب على الشرق.
 كما أن أهم المظاهر والوسائل التي ساهمت بتسريع هذا الاهتمام، كانت المسرحيات، والحفلات، والأزياء، والفنون الحرفيّة، وغير ذلك من الفنون التي عبرت إلى أوروبا من الشرق..
من جانب آخريعتبر الكاتب لين ثورنتن Lynn Thornton  مؤلف كتاب "النساء في لوحات المستشرقين" أن "ألف ليلة وليلة" بداية القرن العشرين أطلقت ثورة جديدة باتجاه الشرق، عندما قام عالم البصريات إدوارد لين بوضع ترجمة رصينة لهذه القصص إلى اللغة الإنجليزية بين سنتي 1838 ـ 1840.
وتبعه بعد ذلك المستعرب ريتشارد بورتونRichard Borton  الذي وضع ترجمة لتلك القصص مرة أخرى، بطريقة رائعة ومفعمة بالأحداث الشهوانيّة. وهذا ما تسبب لدى نشره سنة 1885، بإحداث ضجة بين الأوروبيين.
وفي بداية القرن التاسع عشر، بدأت أعداد الأوروبيين الذين يسافرون إلى الشرق الأوسط، تتزايد
 فشدوا الرحال من مختلف البلدان الغربية إلى الشرق بحثا عن موضوعات ومناظر جديدة وآفاق غير مكتشفة يستلهمونها في لوحات جميلة لقيت نجاحا كبيرا في أشهر المعارض الدولية




يقول أحد الفنانين المستشرقين : 
يا له من جمال، يا له من سحر آسر، يا لها من ملابس، خشيت أن يعتقد دليلي "الترجمان" أنه أصابني مس من الجنون. الحقيقة أني كنت مذهولا من كل ما هو مدهش و جديد أمامي، و مقتنعا أني وجدت نفسي على أرض بكر، و بأن هؤلاء الناس لم يسبق أن رسمهم أحد.
احتلت المرأة الشرقية  حيز إهتمام المستشرقين، منذ بدء الغزو الاستعماري الغربي للشرق، فقد شُغف الغربيون بموضوعين مترابطين هما : الحجاب والحريم.
 تقول جودي مابرو Judy Mabro. مؤلفة كتاب تصورات الرحالة الغربيين عن النساء في "الشرق الأوسط":
"والحال أن أوروبا قد سحرت بالحجاب والحريم ونفرت منهما في آن واحد، فقد عمل هذا الرمزان من جهة أولى، على الحيلولة بين المراقب الأوروبي ورؤية النساء أو الاتصال بهن مما أيقظ لديه مشاعر الإحباط والسلوك العدواني. أما من جهة ثانية فقد وفر فرصة الجموح بالخيال والتلويح بتجارب غريبة وشهوانية مع (الجميلة المتحجبة) و(درة نساء الشرق)".
وتتابع أن الغربيين شعروا بالعداء تجاه الحجاب:
"هؤلاء النسوة المحجبات لم يكن بالنسبة للمصور لغزاً محيرا وحسب، بل كن أيضاً بمثابة هجوم صريح عليه، ولا بد من الاقتناع بأن النظرة الأنثوية المحدقة من خلال الحجاب هي نظرة من نوع خاص فهي إذ تركزها من الفتحة الضيقة المخصصة للعين، تشبه عين آلة التصوير، أو العدسة التي تجعل من كل شيء هدفا لها".
رد المستشرقون على امتناع المرأة الشرقية هذا بمحاولة التلصص من وراء الأبواب لذلك نراهم مهووسين بتصوير النساء في مخادعهن وبوضعيات حميمية وبأوضاع جنسية رغم أن أغلبهم لم يشاهد امرأة شرقية ولم يدخل مخدعها أبداً.
لقد دأبت اللوحات الاستشراقية على تصوير النساء و هن لا يفعلن شيئا، أو يقمن بأي عمل _على عكس الغربيات في لوحات الفن الغربي_ فهؤلاء الشرقيات لا ينهمكن في تطريز أو طبخ أو حياكة أو صلاة أو أي شيء، بل كل ما يفعلنه هو التزين للذكر الغائب و الانتظار


George Rochegrosse جورج روشغروس
Farhat Art Museum مجموعة متحف فرحات
في  لوحة جورج روشغروس  George Rochegrose (1859-1938) تبدو النساء كقطع نفيسة من الأثاث، بحاجة للتنظيف والتزيين كي تكون جاهزة للاستعمال في أي وقت, تعرض هذه اللوحة أحد التجار العرب الذي يعرض إمرأتين عاريتين للبيع من وراء ستار بهدف البيع للغريب والأجنبي. إن هذه اللوحات لا تعطي انطباعا بأن هذه المرأة مخلوق إنساني يحمل روحا أو عقلا, هي مجرد دمية أو تمثال جميل يمكن إقتناءه.
إن المصورين المستشرقين قد نشأوا في مجتمع يعتبر النساء مجموعة هامشية تماما، بل إنهن بحسب النظريات العلمية التي سادت في ذلك العصر أدنى مرتبة من الناحية البيولوجية. و لكن المرأة الشرقية كانت أدنى بشكل مضاعف فهي امرأة أولا و أجنبية (شرقية) ثانيا.
إن المفهوم الجنسي ارتبط بهؤلاء الأجنبيات اللواتي اعتبرن حسب الرؤية الغربية مجرد أجساد خالية من أي وازع أخلاقي و مجرد متاع، و كانت هذه اللوحات عذرا لتبيان دونية المرأة بشكل عام دون حرج و كما يشتهي أن يراها الذكور الأوروبيون.


لويس أف كوررياد   Louis F. Correard 1815-1858

لقد كانت المشاعر الأوروبية حيال المرأة الشرقية  لا تستقر على حال، إذ كانت تجول بين الرغبة و الشفقة ، و كانت تُصور في كثير من الأحيان على أنها ضحية مقهورة معذبة مضطهدة. ففي لوحتي الفرنسي لويس أف كورريارد   Louis F. Correard (1815-1858) تظهر مبادلة تجارية بين جندي فرنسي ومواطن جزائري , العربي هنا يبيع فتاة جزائرية مقابل حفنة من الأنعام والبيض ويظهر الفرنسي بصورة المواسي والحنون ,وقد علت وجه الحسناء البريئة نظرة مستكينة حزينة رقيقة مشيحة عن التحديق المباشر،عيناها الكسيرتان تهربان من المواجهة وتشيان بالحزن العميق والخضوع المستسلم. هي برأيه أنثى شرقية، و هذا يعني استكانة و ضعف لا نهاية لهما. و لوحة كهذه و سابقتها من شأنها أن تجعل الخيال يشطح بالأوروبي فيتوهم أن المرأة الشرقية ترى فيه منقذها و سندها العاطفي. و هذا ما يتماشى مع نظرة الأوروبي لنفسه بأنه بطل رومانسي.

روجر دايفيس Roger Davis 

إن مثل هذه الإيحاءات تعطي الحجة التي يُقنع بها الأوروبي نفسه بأنه إنما خُلق ليحكم الشرق و يحرر المضطهدات و يمنحهن كل احترام و تبجيل كما ينبغي لأوروبي فارس محترم شهم جنتلمان.
لكن من المؤسف أيضا أن الرجل العربي يتباهى بإقتناء هذه الأعمال الفنية حتى يومنا هذا, التي تظهر الرجل العربي كبربري جاهل والمرأة العربية ككائن ضعيف مسخر لعبادة الرجل وشهواته  وذلك بهدف تزيين القصور والفيلات ويتم دفع ملايين الدولارات لحيازتها
 يذكر إدوارد سعيد حينما شرح قول أحد المستشرقين "بأن الشرق صنعة"، لقد قصد إلى أن الاهتمام بالشرق سيجده اللامعون من الشباب في الغرب شبوبا عاطفيا يستغرق المرء بصورة كلية؛ ولا ينبغي أن يـُفسّر ما قاله بأنه يعني أن الشرق صنعة و حسب للغربيين. لقد كان ثمة، و ما يزال، ثقافات، و أمم مقامها الشرق، و لحياتها، و تواريخها، و عاداتها، حقيقة قاسية عارية هي، بوضوح، أعظم بكثير من كل ما يمكن أن يقال عنها في الغرب و لكن ينبغي على المرء ألا يفترض أبدا أن بنية الاستشراق ليست سوى بنية من الأكاذيب أو الأساطير التي ستذهب أدراج الرياح إذا كان للحقيقة المتعلقة بها أن تُجلى .ما يعنيه إدوارد سعيد هنا أنه ليس كل ما عولج في تلك اللوحات هو محض خيال لكن المبالغة العظيمة تعكس صورة مغايرة للواقع وهذا ما سماه سعيد ب"شرقنة الشرق"
وإذا كان للاستشراق مفاسد واضحة  وخيالات يكاد يخلو الصدق فيها فهناك مستشرقين منصفين اعجبوا بحضارة المسلمين وعظمتها وبهائها

أي تي ميلار , من مجموعة متحف فرحات
A. T. Millar, Farhat Art Museum collection

 كتبت اللايدى ماري مونتكاد Mary Montcade, زوجة السفير الإنكليزي في تركيا إلى شقيقتها تقول "يزعمون أن المرأة المسلمة في استعباد وحجر معيب, وهو ما أود تكذيبه فان مؤلفي الروايات في أوروبا لا يحاولون معرفة الحقيقة ولا يسعون للبحث عنها , ولولا أنني في تركيا , وأنني اجتمعت إلى النساء المسلمات , وإني استمع إلى أخبارهم وحوادثهم وطرق معيشتهم من سبل شتى , لذهبت اصدق ما يكتب هؤلاء الكتاب , ولكن ما رأيته يكذب كل التكذيب أخبارهم , ولا أبالغ إذا قررت لكإن المرأة المسلمةوكما رايتها في الآستانة أكثر حرية من زميلاتها في أوروبا ولعلها المرأة الوحيدة التي لا تعنى بغير حياتها البيتية , ثم إنهن يعشن في مقصورات جميلات ويستقبلن من يردن من الناس " ...

Martin Baer, Farhat Art Museum collection
مارتن بايير , مجموعة متحف فرحات

لقد سجل فنانون آخرون النساء وهن يقمن بالنسيج في ورشات خاصة، أو في بيوتهن، أو وهن يمارسن الفلاحة والزراعة، أو ينقلن الماء، أو يغسلن الملابس. أو وهن في الشوارع والأسواق، أو وهن يمارسن مهنة البيع، وغير ذلك من المشاهد التي تقدم المرأة الشرقية، بصورة موضوعيّة، خالية من البهرجة والمبالغات الخيالية، التي حاول بعض الفنانين الأوروبيين من خلالها، إسقاط أهوائهم ونزوعاتهم وأحلامهم، على الرؤية الأحادية الجانب التي نظروا من خلالها إلى الشرق، وكانت المرأة الجميلة، المثيرة بطلتها. وقد إقتنى متحف فرحات مجموعة كبيرة من هذه الأعمال المنصفة لتاريخ المرأة العربية ومنها لوحة أي تي ميلار A. T. Millar(1860-1913) لشارع من شوارع المغرب العربي, ولوحة المصرية  ل رودولف إرنست   Rudolf Ernest ولوحات الأخوان جورج ومارتن باييرGeorge Baer(1895-1971) - Martin Baer(1894-1961) , كما في لوحات غوردن كاوتس Gordon H. Coutts(1868-1937)   و لادويغ نيو  Ludwig Neu (1897-1980)  المعروضة هنا

تقول  اللايدي ايفلين كوبولد Lady E. Cobold:" لم تكن النساء (المسلمات) متأخرات عن الرجال في ميدان العلوم والمعارف فقد نشا منهن عالمات في الفلسفة والتاريخ والأدب والشعر وكل ألوان الحياة "

Gordon Coutts غوردن كاوتس
Farhat Art Museum collection مجموعة متحف فرحات