Thursday, December 27, 2012

Art & Poetry in the Palesetinian Culture, Farhat Art Museum, Shades of A...




The Palestinian Women in Art
Farhat Art Museum Collection

المرأة الفلسطينية في الفن
الأعمال من مجموعة متحف فرحات
Farhat Art Museum
www.farhatculturalcenter.info
www.farhatartmuseum.info

Shades of Anger by Rafeef Ziadah
ألوان الغضب ل رفيف زيادة

الأردن في أوائل القرن الماضي, فيروز, أردن أرض العزم

Saturday, December 8, 2012

الذاكرة الأولى عن رسوم الأطفال والحرب



 الذاكرة الأولى
عن رسوم الأطفال والحرب

Zeinab Maky All her Family were Killed by the IDF زينب مكي , توفي جميع أفراد عائلتها)

طفولة الفن هي مستقبله. إنه أمر جوهري تنبه له العديد من مؤسسي الفن الحديث في الغرب بحيث إن مارسيل دوشان لم يفعل سوى محاكاة رغبة الطفل في أن يحول كل شيء يعثر عليه إلى لعبة ليجتثه بهذا الفعل من سياقه الاستعمالي ويحوله إلى شيء مغاير بفعل عملية اللعب وحدها، وأن بيكاسو يرسم بدون منظور ما أي طفل أو كما الرسوم البدائية في إفريقيا. ربما كان هذا الأمر هو ما جعل فلاسفة من قبيل هانز جورج غادامير يضعون مفهوم اللعب في أصل الفن.
لكن، حين يرسم الطفل أشياء جدية وقاسية بل ومأساوية، إلى أي حد يا ترى يمارس اللعب؟ ومن ثم، هل اللعب جدي حتى هذا الحد، حتى حين يتجاوز اللهواني إلى التعبير عن جروح وآلام داخلية؟... أي نعم. اللعب جد لا هزل والطفل الرسام يلتقط الأشياء بشكله الخاص ومن خلال حساسية فريدة قلما نعثر عليها في حساسية الكبار التي غلفتها شاشات الوعي والتفكير والتجارب. الصبي يعيش تجربة الرسم بشكل مباشر مع أحاسيسه. إنها ترجمة من غير وسيط سوى الأدوات التي يستعملها والتي تتمثل غالبا في الأقلام الملونة.
رسوم الطفل بهذا المعنى غير قابلة للتنظير لأن جماليتها تكمن في علاقتها الحسية بالأشياء، وطابعها الرمزي لا يخضع للمتخيل الجماعي وإنما للاوعي الجمعي، أي للأعماق الأولى التي لم تطلها بعد جُلالات الوعي وغُلالات الفكر. وبهذا المعنى أيضا يمكن اعتبار هذه الرسوم رسوما بالعين والجسد لا بالنظرة الجمالية، حتى وهي تفرز جماليتها الخاصة.

علي البرجي Ali Al Borji


لنبدأ بالخواص الأساس التي تنطبع على الصفحة وتجري فيها مجرى الدم. ولنتأمل كيف تعكس موضوع الحرب والغارة الجوية من خلال معطيات خاصة. فهنا تتواتر في الرسوم كافةً آلياتٌ ومدرعاتٌ تطلق قنابل تبدو أكبر من حجمها مقارنة مع حجم المروحيات والطائرات المقاتلة. فما تراه عين الطفل ليس بالأساس المروحيات والطائرات لأنه يعرفها جيدا في حالاتها المدنية، بحيث غالبا ما يتجمع الأطفال ليشاهدوا منبهرين هذه الطيور الحديدية الضخمة تسبح في الفضاء فوق أجسادهم الصغيرة أو ليتابعوا آثار طائرة نفاثة في السماء. إنهم حين يرون ما تطلقه فوقهم من مفرقعات وقنابل جبارة، آنذاك يتحول الانبهار إلى رهبة وخوف وهلع وتساؤل وجودي عن الأسباب التي تجعل هذه الكائنات تزرع الرعب والموت في ما بينهم وبين أعزتهم وأحبتهم، وتدمر العلائم التي تشكل منارات لوعيهم الصغير وأمكنة رمزية لأجسادهم وخطواتهم. والتركيز على القنابل يجعلها تكبر في أعينهم وفي رسومهم لكبر آثارها المدمرة ولفرقعاتها الهائلة التي يعبرون عنها في شكل نجوم لامعة هائلة. تولّد هذه الحالة نوعا رهيبا من الوحدة والعزلة أمام الفعل التدميري يعبر عنها علي برجي بشكل عمودي ويجعل ما حوله ينبت قنابل تتساقط كخيوط المطر، وتحولها نادية السماعي إلى حلبة لمواجهة مباشرة.
أما الموت فيتم التعبير عنه بطريقتين: الجسد المسجى والجسد الجريح. اللون الأحمر يغدو لدى الطفل هنا لونا لا يرمز بل يدل على الموت. الدم يصير حجابا للموت (هيام فوعاني، عبد الله يحفوفي، علي غندور، آية شمس الدين)، بل بالأحرى حجابا للوجود والفضاء الوجودي (علي سعد) وخلفية تأخذ طابعا تشكيليا يتجاوز تخاطيط الرسم التشخيصي. بيد أن الألوان في التعبيرية الطفولية تعيد تأويل نفسها لتمنحنا تلاوين مشتقة (كما لدى فاطمة طبوش وغدير فضل الله) وتدخل في تعبيرية خارج الرمزية المعتادة للألوان، وفي النظر للحرب والعنف والقتل والتدمير نظرة مواربة تستبطن أكثر مما تستظهر.

Ali Khalifa علي خليفة


يتوقف نظري في هذه المجموعة عند "لوحتين" مثيرتين بطريقة تصويرهما وتصورهما وأدائهما التعبيري. فاللوحة المتميزة ليست تلك التي تمنحنا ما ننتظره منها وإنما تلك التي تخلخل نظرتنا وتثير حيرتنا وتنبت في دواخل السؤال.  الأولى لعلي خليفة لأنها رسم قد لا يعبر بطريقة مباشرة عن الحرب وإنما يخلق متخيلا خاصا لها. إنه يدفع بالمرئي إلى حد التجريد العبثي. ثمة أمامنا أرضية تتمازج فيها الخطوط الملونة مع بقع من الأحمر. إنها أشبه بالسديم وفوضى الوجود. وفوقها شكلٌ علينا أن نحدق فيه طويلا كي نتعرف فيه على ما يشبه المروحية. والمروحية تطلق شحنات من القنابل في اتجاه الأرضية. والشكل يبدو للوهلة الأولى أشبه بروبوت عملاق ذي أرجل متحركة أخطبوطية. هكذا يعبر الطفل عن الحرب بالخراب وبلعبة تشكيلية تحول الأرض إلى هلام يذكر بالتعبيرية التجريدية لدى بولوك وغيره... إنها غنائية الذات حين تنطلق من تصوير الإحساس أكثر من انطلاقها من تصوير المرئي العياني...

Diana Dakik ديانا دقيق


"اللوحة" الثانية لديانا دقيق، تلعب على السند الورقي وأحادية اللون. فالخلفية سوداء واللون السائد في الخطوط أحمر. مما يخلق ثنائية رمزية فعالة وخصبة في عين المتلقي. أما الرسم فإنه ذو طابع خطاطي لا يهتم بالموضوع أكثر من اهتمامه بطريقة بناء عناصره بشكل موح. والإيحاء هنا يتم من خلال رسم المشهد عبر التخفيف الأسلوبي العفوي وبناء الموضوع بشكل يتم معه الإمساك به في اللمسة لا في الرسم التشخيصي.
تشكل هذه المجموعة الغنية من الرسوم ذاكرة متحركة، محمولة على قساوة موضوعها، ومتبلورة عبر رهافة حساسية تستجلي مكامنها في انطباعها على النفس. إنها ذاكرة موازية تؤرخ للحدث من خلال وقعه على الذات. فالأطفال أصحاب الرسوم لم يطلقوا العنان لمخيلتهم وإنما عاشوا الحدث مرتين، من خلال ما عاينوه لأنهم كانوا ضحايا القصف الإسرائيلي على مواطنهم، ولأنهم شخصوه بما مكنتهم منه أناملهم الصغيرة. بل إنه تاريخ موازٍ أيضا يمكّن الأطفال من إخراج ما أبطنوه في ذواتهم، لا ليشكل ذلك فقط ضربا من العلاج من الصدمة وإنما أيضا شهادة بصرية لا تخلو من ومضات وبصمات إبداعية لا تنتظر سوى أن تستعلن لاحقا في شكل مسار فني مرتقب.

د. فريد الزاهي
كاتب وناقد فني. المغرب  

Fatima Kandil فاطمة قنديل

Wednesday, December 5, 2012

العنصر السوريالي الغالب في رسومات معرض "حنيفة" للفنّان سلام ذياب

بقلم: الدّكتور منير توما
                                                                                                               كفرياسيف
سلام ذياب 


بعد مشاهدتي لرسومات الفنّان سلام ذياب في المعرض الذي أطلق عليه اسم جدّته "حنيفة" في صالة عرض رابطة "إبداع" بكفرياسيف، قام الأستاذ سلام مشكورًا بإهدائي كاتالوج رسومات المعرض الصّادر بحلّةٍ أنيقة قشيبة حيث اطّلعتُ بإمعانٍ وتفحّص باللوحات الظاهرة فيه، ووجدتُ فنًّا حداثيًا في الرّسم يتمثّل في غالبيته بالنّزعة السوريالية التي تعتمد دور التعبير عمّا هو كامن وخفي في اللاوعي أو اللاشعور، وذلك من خلال "أوتوماتيكية النّفس الخالصة البحتة"، فالفنان عليه أن يترك أفكاره تتجوّل مُتخلّصًا من الكوابح، رابطًا الأفكار والصّور في تداعيات حرّة وعابرة ممّا يجسّد الاتجاه السوريالي الواضح في لوحات هذا المعرض.
سأركّز في تعليقي على رسومات الكاتالوج، على نماذج قسّمتها إلى فئتين أو مجموعتين من حيث كون الفئة الأولى عبارة عن مجموعة تتناول موضوعات عامّة بألوانٍ فريدة خاصّة بتمازجها وتفاعلها الذّهني والحسّي، بينما الفئة الثّانية تؤطّر لشخص جدّته "حنيفة" من خلال نظرة إنسانية عميقة الأبعاد، شاسعة الآفاق في تصوير الجانب النّفسي التراثي للمرأة القروية الفاضلة قلبًا وقالبًا بما توحيه من معانٍ مجسّمة في القالب الجسدي للمرأة المتمثّل في الزيّ والوقفة الرّصينة الصّامدة أمام هموم ومسؤوليات الحياة، وكلّ ذلك بتنوّع لوني رمزي يحمل العديد من المعاني الإنسانية الغامضة فكرًا وأسلوبًا بمزيجٍ من الحركة والسّكون اللذين تجسّدهما ريشة الفنّان بمهارةٍ وإتقان.
لقد استرعى انتباهي عدد كبير من لوحات الفئة الأولى (وفقًا لتقسيمي الآنف الذكر)، وارتأيتُ هنا أن أشير إلى لوحات معيّنة مثل "بعض البيوت"، "طبيعة ميّتة"، "بدون عنوان"، "لا أحد يعلم"، "الحماران"، "حنظلة"، "إلى أين"، "بين حضارتين"، "خشب ومسامير"، "مجهول"، حيث وجدتُ أنّ الألوان والأشكال تستوقف الأنظار بدرجات متفاوتة، فالرّسام هنا يُحيل أحاسيسه إلى استجابات حركيّة ثمّ يجسّد تلك الاستجابات على لوحة ليجعل المشاهد يتأمّل هذا العمل الفنّي التّشكيلي مثيرًا اهتمامه بما فيه من قيمٍ تشكيليّة مميّزة له أو بمعنى آخر ما فيهِ بالفعل ممّا يهم العين لا سيّما تداخل الألوان الموحية بهذه الحركة المؤطّرة في خلفية ساكنة تتيح للمشاهد الكثير من التّداعيات فيما وراء الواقع التي تداعب خياله وتثري اللاشعور لديه بصورة آلية تعمل على تجميع تساؤلات لا مباشرة في اللاوعي البشري. فالعين هي دائمًا عين كائن حي. وقد تثير المرئيات في اللوحات المذكورة الخيال على نحو ما تفعل الكلمات في النّثر أو الشّعر. فالشكل واللون هما شكل ولون لشيء ما حيث أنّ الاستمتاع التّشكيلي الخالص لصورة يقتصر على الخطوط والألوان المنقوشة في كلّ لوحة من لوحات الفئة الأولى التي نحن بصددها هنا.
إنّ أوّل خطوة في طريق تذوّقنا وتقديرنا الجمالي لهذه اللوحات المُشار إليها هي استرجاع العين سذاجتها وسرعة تجاربها مع الاندماج لحظة المشاهدة في موضوع الرؤية والتّصوير. إنّ اهتمامنا هنا ينصب في المحلّ الأوّل على اللون والخط والكتلة؛ فبغض النّظر عن أيّة فروق في الاقتران والتّداعي، فلفروق اللون ذاتها آثار نوعية من حيث المتعة أو الألم الطّفيف ومن الثّابت أنّ في اللون تنافرًا كما في الصّوت، وفي هذهِ اللوحات ثمّة ألوانٍ ساطعة وحادّة مثل الأرجواني والبنفسجي. وثمّة ألوانٍ هادئة رقيقة مثل بعض الأصباغ الزّرقاء الخفيفة. والألوان في رسومات هذه الفئة لا تبدو لنا مجرّد ألوان تراها العين، بل هي ترتبط بأحاسيس وذكريات سارّة أو مكدّرة. ولمّا كانت أحاسيسنا وذكرياتنا مترابطة ومتداخلة، فإنّ ألوان صور اللوحات تحدث بطريقة مبهمة آثارًا محتدمة من خلال هذه التّرابطات التي لا نكاد نستبينها، فاللون كما تراه العين وما يثيره في الخيال، كلاهما سمات ضرورية في تأثيرها الجمالي.
وبمتابعة حديثنا عن لوحات كتالوج معرض "حنيفة"، نأتي للتعقيب بإيجاز عن لوحات الفئة الثّانية التي تتناول رسومات تتعلّق بجدّة الفنّان سلام حيث اخترت لوحات "حنيفة 7"، "فستان جدّتي"، "لاجونا"، "جدّتي حنيفة"، "جدّتي والمصفاة"، "بدون اسم"، ففي هذه اللوحات ترتبط الأشياء المرسومة في صورٍ عديدة برصيد العواطف البشريّة بأسرها والعين التي تبصر هي كعين كائن حي ترتبط عيناه بشيء أكثر من مجرّد جهاز بصري، وله اهتمامات غير تلك الاهتمامات الجمالية الخالصة.
إنّ الفنّان سلام ذياب يرسم بريشته عدّة صور تخطيطيّة لجدّته "حنيفة" مُظهرًا إيّاها غارقة في خضمٍ من الألوان الهادئة البيضاء والزّرقاء، والألوان الحمراء المتوهّجة كما نراها في لوحة "حنيفة 7"، ممّا يوحي بشخصيّة امرأة غاركت الحياة بحلوّها ومرّها وتقلّبت عليها الأيّام وبقيت صامدة في مختلف مراحل حياتها دون انكسارٍ أو نكوص. فاللون الأحمر البارز في هذهِ اللوحة الذي تظهر فيه "الجدّة حنيفة" مظللّة بهالة حول جسمها "aura" يرمز إلى انتصار المحبّة في شخصها بعد أن مرّت في مراحل حياتيّة متنوّعة من المعاناة والألم والصّمود.

سلام ذياب


أمّا في لوحة "فستان جدّتي"، فإنّ اللون الأزرق للفستان يرمز إلى السّكينة والهدوء والطمأنينة التي تمنحها الجدّة وهي تقف على مرتفعٍ بني اللون يرمز إلى كآبة الحياة عند الآخرين والتي تتجلّى أيضًا في سحابة النّقاط السّوداء المنبعثة من هذا المرتفع البني لتشير إلى الخيالات السّوداوية عند هؤلاء البائسين الذين تخفف وتلطّف الجدّة من حالتهم النّفسيّة المكتئبة من خلال رمزية فستانها الأزرق الصّافي. ويغلب في لوحة "جدّتي حنيفة" ظهور اللون الأصفر كأرضٍ متموّجة ذات خلفية زرقاء سماوية يقف عندها طيف الجدّة "حنيفة" بفستان أزرق سماوي اللون ليشير كلّ ذلك إلى الصّفاء النّفسي الذي تمثله الزّرقة، وإلى الأمل وانحسار الكآبة الذي يرمز إليه اللون الأصفر. وفي لوحة "جدّتي والمصفاة" تظهر الألوان الدّاكنة الرّصينة محيطة بشخص الجدّة "حنيفة" التي تبدو مبتسمة متفائلة بخيرات الحياة حيث تشير الألوان السّوداء والبرتقالية الغامقة والزّرقاء المستقلة جميعًا بذاتها إلى أجواء الوقار، والاستقرار والهدوء والعطاء.
وبوصولنا إلى لوحة "بدون اسم" نرى رسمًا تصويرًا للجدّة "حنيفة" وهي تظهر بالثّوب التراثي الشّعبي للمرأة القروية في بلادنا وذلك في إطارٍ يمثّل عراقة وأصالة القرية بمنظرها البسيط حيث يمثّل رسم الجدّة بهذا الشّكل صورة المرأة الفاضلة المتفائلة بابتسامتها المتميّزة بالمحبة والبراءة والنّقاء.
وهكذا نكون قد تناولنا بإيجاز رسومات معرض "حنيفة" للفنان سلام ذياب حيث رأينا أنّ التّأثير الذي يهدف إليه اللون في لوحاته هو خلق نوع من التوافق التّشكيلي واستحداث جوّ بصري، ومن ثمّ تصبح الأشياء المرسومة في التّصوير اللوني خاضعة لضوء وصبغة خاصتين، كما تصبح عناصر سوريالية في جوّ بصري. فاللون يعلي من عملية الرّؤية ويمنحها حدّة وحيوية وعمقًا. ولكن العين حين تبصر تقوم بعملية تجميع، وتركيب هذا التّجميع يصبح ممكنًا خلال القوالب والأشكال التي تصوغها الخطوط في هذه اللوحات وبذلك فإنّ الصّورة في اللوحات المذكورة لا تفقد أصالتها لأنّ موضوعها وجه طريف مثلاً من النّاحية الإنسانية أو منظر طبيعي قد يجد المرء فيه سلامًا وحريّة أو بهجة. وكلّ ما على الرّسام وعلينا كمشاهدين أن نتذكّر أنّ الموضوع ليس هو الذي يخلق الصّورة، فرسّامنا أدرك بأنّه لا يجب عليه أن يعتمد على التّأثير الإنساني في الصّورة، كبديل عن المتعة الجمالية. إذ لا بدّ أن تحقّق الأشياء المعروضة في الصّورة قيمة تصويرية بذاتها. فما هو لطيف من النّاحية الأنسانية يجب أن يصبح من ناحية التّأثير المباشر لكل من اللون والخظ بهيجًا من النّاحية التّشكيليّة.

Monday, November 5, 2012

الإنتماء العربي في التشكيل السعودي في مجموعة متحف فرحات




     يبدو الحديث عن شمولية ما في الفن السعودي مسألة في غاية الصعوبة. لأن حالة التنوع الاختباري والحالة التجريبية التي تسيطر على المحترف السعودي , هي التي تجعل من العديد من المشاريع الفنية ورغم أهميتها , ورغم أنها واعدة حقا بأنها ليست نهائية وليست محكومة بعد بالنتائج المطلوبة كحركة فنية نهضت معتمدة على ذاتها ومتأثرة بكل ما يحيط بها .

     لكن المشاركات الغزيرة للفنانين السعوديين  في الخارج باتت تكشف يوما بعد يوم عن معطيات جديدة وهامة لهذه الحركة الواعدة ... و الفنان السعودي ليس بعيدا عن معانات الشعوب العربية والعالمية 
فهو لم يعد فنا مترفا , بل أن الأرض , الانسانية و الحرية أصبحت جزءا من التعبير لديه.

عبد الجبار اليحيا, مجموعة الخيام , متحف فرحات

    ففنون الصحراء مثلا التي اندمجت بالواقع غير المدني أي بواقع شبه قروي قد عبر فنانوها في الطائف عن التراث والقضية بشكل بارز... وذلك للمرة الأولى خارج دائرة الحلال والحرام, أورثت هذه الفنون دافعا لأجيال متوالية, مثل الفنان عبد الجبار اليحيا" الذي يمثل حركة فناني الأرض والتراث ونلاحظ ذلك من خلال لوحته "محاكاة الأرض ". فعند رحلته الى أميركا الجنوبية بغاية تعلم الطيران , تأثر الفنان بما كان يلاقيه الزنوج من اضطهاد, عندها رسم أعمالا فنية تعبر عن اشكاليات بين السعوديين والأميركيين .
 لطالما تأثرت توجهات الفنان عبد الجبار اليحيا بقناعات يدافع عنها، وأن يتضمن العمل الفني أبعاد ومعاني تشكلها علاقات العناصر، وأسلوب صياغتها وهو في ذلك استفاد من السريالية والتكعيبية والرمزية و من ثم انصهرت أعماله لتشكل لوحة تحمل المعنى الذي سعى لتحقيقه وعلى خلفية من بساطة في التكوين، وزهد في التلوين, يقول عن لوحته " سجن إفرادي" الذي يعبر فيه عن حالة الأسر في السجون الإسرائيلية "لم أشأ أن أتعامل مع الموضوع الا بهذا التبسيط ليتواصل المتلقي مع الموضوع بسهولة " فوهل الحادثة كافي تعبيريا.



    أما الرعيل الثاني فهو يتمثل ب "طه الصبان" "بكر شيخون" و"عبدالله حماس" , هؤلاء لم يبتعدوا مطلقا لا بتجريدهم ولا بتعبيريتهم عن موضوع الأرض القضية, بل على العكس لقد تميزت لوحاتهم عن غيرهم من الفنانين السعوديين لتصبح ذات إهتمام عربي.
    "طه الصبان" هو فنان تعبيري يسعى الى توسيع أفاق مسطحه التصويري وصولا الى الدمج ما بين العالم الفضائي(النوراني) والعالم الأرضي , ففي هذه اللوحة المعروضة "جدار النصر" 200*200 سم( التي إشتغلها في سجن الخيام سنة 2002 ) التابعة لمجموعة متحف فرحات , حاول الفنان بسط فكرة المكان النوراني الذي رغم المأساة والتعذيب والحصر بقيت تشع منه الحرية الذاتية ومن ثم تداخلت التعبيرية بالتجريدية  لتنتج حقول ذاكرة لا تستثني أبدا الرموز والاشارات الانتمائية. لكنها تصنع بوعي معماري مميز, مسطحا منظورا اليه من فضاء الوعي المجرد عن الخواص السردية  للموضوع وتحويله الى نص بصري قابل للانفعال والتفاعل.
  
عبدالله النواوي, مجموعة الخيام, متحف فرحات



 .
    الفنان "عبدالله النواوي" صاحب مشوار طويل في الفن ، أن أسلوبه الفني المتفرد ميّزه عن الكثير من أقرانه، ودأب على العناية به وتطويره، مما جعل الكثير من المتلقين والمهتمين بالفنون عربًا وأجانب يقفون أمام بعض تلك التفاصيل دون إخفاء الدهشة لبساطة المزج لخامات البيئة , في لوحته عن جنوب لبنان بعد التحرير ركز الفنان على جغرافية المكان وقدسية بألوان حارة تليق بالنصر التاريخي .

نبيل نجدي, مجموعة الخيام , متحف فرحات


    أما النحات "نبيل نجدي" , فيستلهم أعماله من التراث الشعبي التي تشتهر بها المنسوجات والملابس القديمة التي تزدان بالزخرفة والنقوش وتشتهر بها منطقة الخليج ونجد والمنطقة الغربية و الجنوبية،منها معالجته لقطع الحجارة المنتقاة من جبال السروات بلونها الأسود. مضيفاً عليها لمساته وإيحاءاته ببساطة لا تخلو من الجمال والروعة وتحقيق الهدف منها، هذا الفنان استطاع أن يبني ويؤسس في منطقة تبوك في الهواء الطلق مدرسة للارتقاء بالذائقة الجمالية عند الجمهور من خلال أعماله التي نثر عبيرها في كل زاوية أو دوار في مدينة تبوك فجعل منها دروسا مباشرة لكل من يمر بها من المثقفين أو العامة فكانت نتائجها مبهرة والحديث عنها لا ينتهي والتأثر بها وصل إلى مختلف المواهب التشكيلية، هذا الفنان لم يتوقف عطائه عند حدود المنطقة أو الوطن فكان له حضوره العربي في كثير من المشاركات الجماعية أو الفردية منها زيارته الى معتقل الخيام في جنوب لبنان وكان فيها بالفعل سفيراً وممثلاً متميزاً بالثقافة والقدرات الفنية، فهو من طراز مميز من حملة المفاهيم الاستقرائية للكتلة النحتية. حيث يضيف على المظهر الخارجي للحصى أو للصخور ألوانه التي تحولها إلى قوة معنوية هائلة . يشرح الفنان فكرة أعماله من خلال إختياره للحجر(المقاومة) في وجه الرياح(الاحتلال) فالمقاومة ضد إسرائيل هنا في هذه الأعمال صامدة صمود الجبال في  مهب الرياح

خاص مجموعة متحف فرحات

Wednesday, October 10, 2012

التحويل الخيميائي في أعمال فانيسا ستافورد بقلم د. شاكر لعيبي




يمكن قراءة أعمال فانيسا  ستافورد من زاويتين منهجيتين متداخلتين:
أنها نوع من الاستشهاد Citation التشكيليّ.
أنها نوع من التحويل Transmutation الخيميائي لتلك الاستشهادات.

إن الاستشهاد في الحقل التشكيلي يمكن، بشكل عام، أن يستند كلياً أو جزئياً إلى مرجع مباشر هو عمل تشكيلي آخر. في تاريخ الفن الحديث هناك أمثلة كثيرة لذلك، منها لوحة رينيه مارغريت "منظور 2" التي استشهدت بلوحة مانيه "الشرفة" 1869 الذي بدوره استشهد بلوحة غويا  "Majas au balcon". في الفن المعاصر أيضا شهدنا الكثير من الفنانين الذين يعودون إلى أعمال قديمة معروفة كمرجعيات لهم. أنهم يقومون باستشهاد دون الاستلهام الفعلي لتلك المرجعيات لكن بإدماجها في عملهم. الاستشهاد من جهة أخرى هو عنصر من عمل فني يستعيد موضوعاً أو تقنية سابقة، ليصير في نهاية المطاف نوعا من غمزة (clin d'œil)، وليس نسخة مطابقة لعمل سابق.

استشهادات فانيسا ستافورد المتنوعة، الواعية وغير الواعية، بفنانين سابقين مدموجة كلها في عمل فرديّ طريّ وجديد. إنها تذكّر المتلقي، في آن واحد، بأعمال هنري روسو، بالفنانين الأمريكيين الواقعيين المناطقيين régionalistes سنوات الثلاثينيات، بالقليل من الانطباعية والقليل من التعبيرية، وفيها تلميحات إلى حلمية الطيران لدى شاغال.

يقوم الفنان الذي يستشهد، كما تفعل فانيسا  ستافورد، بدور المُرتجِل والمؤوِّل، واضعةً ما تستشهِد به في سياقها الشخصيّ، مانحة إياه معنى ومفهوماً خاصاً بها، في لوحات مختلفة ومستقلة عمن تستشهد بهم. يتعلق الأمر باستراتيجية بلاستيكية تستخرج الفردانية من حيث نعتقد أنها "تقلد" الأعمال الفنية الأخرى.

Fantasy خيال
Farhat Art Museum Collection مجموعة متحف فرحات 


طريقتها في رسم الطبيعة، خاصةً أسلبة الأوراق وتداخلها وطريقة معالجتها لونياً تذكّر المرء في جميع لوحاتها التي تظهر فيها النباتات بأعمال روسو ، مع ميل لتبسيط تعقديداتها خلافاً لهوس روسو بذلك. أحيانا تذكر بزخرفية ماتيس النباتية. إننا نرى ذلك مثلاً  في لوحاتها (African History) و(Fantasy) و(Lonely) وغيرها.
بالنسبة لمواطنيها يتوجب التذكير أن أعوام الثلاثينيات من القرن العشرين كانت فترة ردة فعل وتمرّد ضد الأساليب القادمة لأمريكا من أوربا. إن واقعيين مدينيين réalistes urbains مثل بن شان Ben Shahn وريجينالد مارش Reginald Marsh ووليم غروبير William Gropper كان يطرحون في لوحاتهم ورسوماتهم الشروط البشرية والتحولات الاقتصادية التي تلت مباشرة أزمة عام 1929 الشهيرة. بينما كان رسّامون مناطقيون مثل غرانت ود Grant Wood وتوماس هارت بينتون Thomas Hart Benton وجون ستيوارت كوري John Stewart Curry يستلهمون الحياة وفلكلور الغرب الأوسط الأمريكي والحياة الريفية. في أعمال فانيسا  ستافورد شيء من أساليب ذلك كله بطريقة ملتوية ومعقدة، كما في عملها (Abu Ghraib , Cheney - Ramsfield) الذي يستعيد روح مشاهد المسرح الاستعراضية التي رسمها ريجينالد مارش نهاية الثلاثينيات، بداية الأربعينيات من القرن الماضي. لكن خلافاً لمواطنيها يوجد في أعمال فانيسا  ستافورد الكثير من المرح والاندفاع الروحيّ والعفوية التي لا نلحظها إلا نادراً في أعمال مواطنيها المذكورين الخارجين في شروط تاريخية موسومة بالكآبة التي يمكن تلمُّسها بوضوح في أعمال غرانت ود.
هناك مؤثرات واستشهادات أخرى: في عملها (bluebeard) وعملها (bell_jar) ذكرى بعيدة من أعمال ما بعد الانطباعيين. في أعمال أخرى ثمة محاكاة للطبيعة التي رسموها وتذكير بملمس لوحاتهم. في بعض اللوحات استلهام من تعبيرية ماتيس المرحة وألوان التعبيرية الألمانية الجامحة، دون أن تكون في ذلك كله ضمن الفهرست التشكيلي نفسه على الإطلاق.
Abu Ghreib Prison أبو غريب
Farhat Art Museum Collection مجموعة متحف فرحات 


هنا تقع منهجية التحويل Transmutation المذكورة التي تصير أعمال فانيسا ستافورد عبرها نوعاً من الخيمياء التي تُنتِج حجرَ الفلاسفة pierre philosophale، حيث تتحوّل الأعمال المستشهَد به المفترَضة تحولات جديدة، مثيرة وشخصية وتختفي منها تقريباً آثار المستشهَد بهم، فلا يبق سوى الهاجس الفردي للفنانة. فإن استخدامها لمرجعيات صور سجن أبي غريب تختلف جذرياً عن الطريقة التي استخدم فيها بوتيرو مثلاً هذه المرجعيات نفسها. لقد وضعتها في إطار الإدانة الواضحة للحرب على العراق، بينما استخدمها بوتيرو، ومعه شريحة كبيرة من الفنانين الأوربيين والأمريكيين في سياقٍ لا علاقة له بالضرورة بمثل هذه الإدانة المخصوصة. لقد وجد الفن الأوربي والأمريكي في مرجعيات صور أبي غريب جميع العناصر التي تعنيه: الجسد العاري المتكوم فوق بعضه الذي يجد بدوره في الذاكرة التشكيلية الأوربية مراجعه منذ الإغريق، النزعات السادية والمازوشية التي درسها التحليل النفسي منذ نهاية القرن التاسع عشر، جميع أنماط الصور الدينية القروسطية المتعلقة بالسحرة ومحاكم التفتيش أو الصلب المسيحي (مثل صورة السجين العراقي المغطي بالأسود مفرداً ذراعيه على شكل صليب) التي تحتل في ذاكرة تاريخ الفن حيزاً واسعا للغاية. كل هذا وغيره، من دون نفي نوايا الاستخدام الحسنة، قد قاد إلى استخدام الصورة بعيداً جداً عن سياقها، وأدرجها لصالح اهتماماته. بعبارة أخرى لصالح فكرته عن الصلب وليس عذاب المصلوبين العراقيين.
في عمل فانيسا  ستافورد لا يوجد، من جهة شيء، من هذا، ومن جهة أخرى لم تختفِ منه روح الطرفة، بل حضرت فيه أسلوبياً لمسة كاريكاتورية نقدية خلافاً للصرامة بل التجهّم الذي استخدمت به الصور ذاتها في أماكن أخرى.

مخيلة فانيسا ستافورد حلمية، طرفوية ولُعُبية رغم أنها أقرب للمخيال الشعبيّ في حالات كثيرة. إن حضور الحَمَل، هذا الحيوان الإنجيلي، قد يجعل المرء يستعيد حضوره في الكثير من أعمال شاغال عن عيد الفصح Pâque، لكنه حاضر هنا بعيدا عن أي مرجعيات إنجيلية. إنه يحضر جوار العديد من الحيوانات الأخرى كالفيلة والطيور والقطط وأبي الهول وغيرها التي تصير، مع العالم النياتي والكائن البشري الملوَّنة كلها ببهجة وفرح ونشوة، جزءً من احتفالية صافية بالسعادة وبالعالم.
Chaos and Order فوضى ونظام
Farhat Art Museum Collection مجموعة متحف فرحات


في أعمال فانيسا ستافورد يوجد من دون شك شيء من البوب أرت، أو استعادة للتصاوير الشعبية الجماهيرية الأمريكية، والرسوم البدائية لكائنات خرافية نصف مجنحة وكائنات مزوّقة بإفراط متعمّد ومكياج مسرحي بلخطات حمراء على الخدود ومبالغة مقصودة، وتنفيذ للعمائر والمنازل بروح مُؤسْلَبة طفولية ، تمارِس الفنانة عبرها بقوةٍ ومن جديد، عملية التحويل الموصوفة، حيث تتمسك لوحاتها بخصائص تُعزى لمنتجتها في المقام الأول.
هذه المخيلة متعدّدة المصادر، لكن المصادر المتيسّرة للجمهور والمستلهَمة من ثقافة الجمهور، لن تجعل أحداً يستغرب أن تعمل الفنانة بتنفيذ رسوم متحركة وكتب للأطفال. في لوحاتها أثر من اللعب الطفوليّ، في التلوين كما في المخيلة، لكن فيها أيضاً حلم الكائن الناضج بالانسلاخ من الواقع الصارم والمرّ، والرغبة الجامحة بالحب الكامل.

يقوم التلوين بالألوان المائية والغواش بتصعيد عملية التحويل، لكي تنفصل الأعمال عن مرجعياتها المفترَضة وتحتفظ في نهاية الأمر بالوحدة الداخلية التي تلتم الفنانة في نواتها، وتنام أخيراً في روح الغابة. ألم تسمي أحد أعمالها "حلم في الغابة The dream in the Jungle"؟.
Farhat Art Museum Collection مجموعة متحف فرحات 



Wednesday, October 3, 2012

John Morita’s work in the Farhat Art Museum


From Reconstructing Memories by Aaron Kerner
John Morita’s work engages the complex history of the geographical area now known as the state of Israel, and the experience of the Palestinians. Perhaps nowhere else on the face of the planet is the history of a geographical area so contentious as the modern state of Israel including the West Bank and Gaza. Even in just formulating the previous sentence some might contest my wording; although most certainly a radical position, some might argue that the ‘modern state of Israel’ is itself problematic because of its founding on May 14, 1948. Radical Zionists too impose ancient Judaic history onto small plots of land inside the West Bank and Gaza in order to legitimize their claims to it. The linguistic rhetoric – the so-called ‘settlers’ – implies that these radical factions have made terra nullius claims to Palestinian territory.
The conflict between Palestinians and Israelis is not just a matter of geography, a David and Goliath power struggle, but in fact what is at the core of the conflict is history itself. As I have said on a few occasions – in discussing the work in Reconstructing Memories – history is always subjective and more importantly it is always a construct. And contrary to its popular conception history doesn’t begin at some starting point in the past and then organically proceed forward through time; rather, history is used to justify our contemporary situation. Understanding the subjective nature of historical discourse it is possible to see how both the Palestinians and Israelis might construct historical narratives that suit their social political agendas. In general it is feasible to see how these conflicting historical narratives might on the whole be ‘truthful,’ however, it is in the process of fabrication that the divergent narratives emerge, ultimately calling into question the possibility of even coming close to an ‘objective’ form of historical discourse.


By John Morita


There is undoubtedly sympathy for the Palestinians in Morita’s work. Indeed there is little question that the Palestinians have suffered great injustices at the hands of the Israelis. Although highly contentious and by no means can any truly equivocal analogy be drawn between the Holocaust and the current conditions under which the Palestinians live, there is nevertheless a sense of bewilderment at the face of Israeli injustice. In the wake of the Holocaust it seems that more than most, the Israelis should have a heightened sensitivity to forced displacement, the effective ghettoization of Palestinians, and diaspora. Morita’s work, in its layering of images, in its depiction of Palestinians who have suffered, or even died, at the hands of the Israelis, humanizes Palestinian history and illustrates the grave results of conflicting historical narratives.
http://www.farhatartmuseum.info/

Tuesday, September 18, 2012

الفن الملتزم في التشكيل السوري ضمن مجموعة متحف فرحات

ممدوح قشلان, مجموعة متحف فرحات 

   "مهمة الفن هي إغناء التراث الإنساني بتلميحات إبداعية مهما صغرت فهي ذات أهمية      عظيمة في بناء الغد, لأن الفن هو إضافة أحاسيس جديدة إلى التراث الإنساني."
 مما ذكر في مانيفست - بيان فني للحركة التشكيلية في سورية 1962
    إن الفن التشكيلي السوري يتسم بصفات عدة فبالرغم من إنه مفتوح على التجارب 
العالمية لكنه يتمتع بخاصية تعبيرية إيديولوجية,لقد ساهم الصراع الصهيوني العربي بالتأثير على المستويات الإنسانية الإبتكارية في العالم العربي, وفي أعمال الفنانين التشكيليين السوريين على وجه الخصوص,ذلك مع تنوع التجارب والخاصيات الإبداعية والأساليب بين فنان وأخر, على هذا المستوى من الإنتاج يمتلك متحف فرحات مجموعة مميزة من الفن السوري المعاصرالذي يملك طابع الإلتزام.  
   يعتبر الفنان ممدوح قشلان (أحد فناني المجموعة) واحدا من المنتجين الذين لم ينقطعوا عن العطاء خلال نصف قرن تقريبا, وهو صاحب أسلوب خاص به , تعلق بالإتجاه التكعيبي ووجد في تحليل الطبيعة إلى أشكال هندسية مادة للتزيين وأساسا رياضيا سهل عليه تقديم الطبيعة للمشاهدين. وحرص حسب منهجه التكعيبي على تحليل الطبيعة الى أساسها الهندسي بمفرداته القليلة ثم إعادة تركيبها على هواه.فهو يقرأ في الطبيعة الكتل الرئيسية ويفرز الكتل الفرعية الى قيم جمالية مكملة.

علي السرميني, مجموعة متحف فرحات 


   في لوحته "ثمن النصر في جنوب لبنان" التي نفذها في الملتقى الفني التشكيلي في الخيام في ذكرى تحرير جنوب لبنان سنة 2002 مثل الفنان في هذا العمل أساليب التعذيب الوحشية التي مارسها السجانين ليذكرنا بأيقونات المسيح المصلوب وقد قدم ممدوح قشلان أطراف الأجسام في جداريته حسب قطوع هندسية أطر بها وحدات التكوين, كما شغل المساحات الفارغة كالمدى والسماء وخطوط الفرار برصف الأشكال الهندسية الملونة.وصرف هذا المنحى الزخرفي الفنان عن الدخول الى عوالم التعبيريين والاستغراق في العوالم النفسية.
   أما الفنان علي السرميني فمنذ البدايات الأولى لتجربته الفنية في الستينات برزت الواقعية التعبيرية في أعماله التي يبرز فيها الخط ليجعل تأليف اللوحة متماسكا ضمن عوالم الألوان المرمدة في فضاء لوحاته.
   تمتلك مجموعة متحف فرحات أربعا من أعماله التي نفذها أيضا في معتقل الخيام في لبنان ,منها لوحة "شمس النصر"التي تعبر عن الحرية والانتصار ببساطة تأليفية تجمع مفردات طبيعية مع الشهداء والقدس الجريحة  من خلال اللون الاحمر. أما لوحته "الهمجية" فقد جسدت الأعمال الإرهابية التي يمارسها الإسرائيلون ضد الإنسان العربي من قتل للناس وتدمير للمنازل وإنتهاك القيم الروحية الانسانية .

علي سليمان , خيبر , مجموعة متحف فرحات 


   عبر الفنان علي سليمان من خلال أربعة أعمال عن العزة والكرامة التي أنتجها تحرير جنوب لبنان سنة 2000 عبر الألوان الزاهية والتأليف المبسطة فليس أبسط من التعبير عن "الشهيد بالنور" من اللون الأبيض الملون الذي طغى على اللوحة حيث عبر عن انتقال الشهيد الى نور السماوات في عالم الخلود. هذه اللحظة التي تعجز عنها التاّليف والألوان فالتجريد هو سيد الموقف والإحساس .
   توجد في لوحات اﻟﻔﻨﺎن اﻟﺘﺸﻜﯿﻠﻲ اﻟﺴﻮري طﻼل ﻣﻌﻼ حالات توحي بالشاعرية، إذ إنه يرى أن الشعر والشعرية أمران مختلفان, يقول الفنان  “الشعرية هي القدح في الإبداع أما الشعر، فهو ما تعارف الناس عليه أنه كلمات وقصائد، والشعر والكلمة لهما دور في حياتي كما الرسم واللون، ولي ديوان اسمه “موت الماء”  الماء الذي خُلقَ منه كل شيء حي، وهو مجموعة قصائد عن الموت، لم أنشر بعدها، ليس لأني توقفت عن كتابة الشعر، فأنا لم أتوقف لكنني توقفت عن نشر الشعر لأنني أردت أن أكّرس كل الاهتمام للتشكيل والكتابة التشكيلية فقط”
   ففي لوحتيه المقتناتين من قبل متحف فرحات يعبرالفنان عن الشهادة «كنا نرسم ورائحة البشر وعذاباتهم ما زالت في الزنزانات» , لقد ظهر الانسان المبسط في لوحات الفنان عبر الألوان الصافية والصارخة وعبر ضربات ريشة قوية ومتينة ليبرز الأحمر والأسود من فضاء الرماديات الملونة , ربما ليعبرعن الحالة الوجودية بين الحياة الدنيا الفارغة من السعادة الحقيقة والحياة الأخرى التي تمثل البقاء الحقيقي والسعادة الروحية الحقيقة للوجود الإنساني.

طلال معلا , مجموعة متحف فرحات 

  
 في الختام ,إن الفنان مسؤول مسؤولية حضارية عن اللونين الفيزيائي والجماعي اللذين تعكسهما الشمس على تراب بقعة معينة يعيش فوقها, لأنها من منابع إغناء التراث الإنساني, فالفنان العربي مسؤول عن التعبير عن الروح العربية المتطلعة لمد الإنسانية بالقيم والمثل.
سمية عيتاني



Saturday, August 18, 2012

لوحات حكيم العاقل , من مقتنيات متحف فرحات



مايو نيوز - يعتبر الفنان التشكيلي حكيم العاقل واحداً من أبرز التشكيليين في بلادنا والذي ترك وما زال بصمات واضحة في الارتقاء بالفن التشكيلي اليمني.

وفي رحلته التشكيلية التي بدأت قبل (30) عاماً حقق العاقل ذاته الفنية في لوحات تثير في الانسان مكامن التأمل وذلك برفدها بالتأهيل المنهجي المدروس.

لعل ابرز ذلك التحاقه عام 1976م في الدراسة لدى الفنان هاشم علي ومن ثم حصوله على «ماجستير الفنون» تخصص جداريات في واحدة من اهم الاكاديميات الفنية في العالم.. اكاديميو روسيا- موسكو- بدرجة امتياز في تتابع اكسب عطاءه الفني زخماً.. تلقى عدداً من الدورات في مجالات الجرافيك والنحت على الحجر.
لم يتجاهل العاقل اهمية تفعيل النشاط الفني المؤسسي ، إذ ساهم ولأول مرة في بلادنا في تأسيس نقابة الفنانين التشكيليين اليمنيين، والتي كان نقيبها الاول ورئيس تحرير صحيفة «تشكيل» والتي توقفت عن الصدور بعد أعداد ناجحة.

للعاقل لوحات فنية جسدت رؤيته العميقة - للمرأة اليمنية وتشريحه الذكي لواقعها في زوايا لونية وابعاد مساحاتية غاية في الاتقان والدقة.





وفي هذا الموضوع بعضاً من آراء النقاد حول فنه وعدد من لوحاته للتأمل:

يكون حكيم العاقل قد دخل بالفن التشكيلي اليمني المعاصر الى مناطق التأمل الذهني الذي لا يغدو فيها البصر وسيطاً ناقلاً فحسب بل فاعلاً ومتفاعلاً مع اشد لحظات كينونة الانسان وصيرورته حساسية وحرجاً ودقة.
أ. د. حاتم الصكر


في سماوات الفنان حكيم ثمة آفاق داكنة تحاصرك.. مشرقة كدمعك.. هاربة كأحلامك..وفي هذه الآفاق أنت لا تحلق فحسب بل تقوم في نبض تيار يشدك نحو غيمة زرقاء مستحيلة .. غيمة لن تطالها ابداً.
أ. خالد الرويشان

(اللوحات أنجزت في سجن الخيام سنة 2002 بمناسبة ذكرى تحرير جنوب لبنان من الإحتلال الإسرائيلي وهي زيت ومواد مختلفة على قماش )
Artworks are part of the Farhat Art Museum Collection by the artist Hakim Al Akel and were painted in Khiam Prison 2002 )

Tuesday, July 10, 2012

الانسان والطبيعة والتيار المتفجر بينهما , بقلم الفنان الراحل عدنان المصري


لو عنينا بالطبيعة ” عالم الظواهر المرئي فقط” لاغفلنا ادوار العقل في تحديد مكنوناتها، ومن ثم لوقف النظر عند نطقة تلمسها؛ حتى الشعور لا يسلم هو أيضاً من الجفاف حين يرى العقل لا يستقبل المواضيع والقوانين والعلاقات الطبيعية التي منها يأتي حدود هيئته وما ينتابها من خصائص تدفعه لأن يكون سيداً. وعلاوة على ذلك يقترب ” عقل ” الإنسان بهذه الحالة الى عقل الحيوان وينحصر نحوه بنحو جرثومة البدن. وهذا مستبعد طبعاً لأن ميل الإنسان الى التفكير في الأفعال يحتم عليه الاقتران بالعقل الإنساني والتقرب من طبيعة وجوده في عالم الظواهر. وحين يشغل العقل حيز وجوده ينطلق الى تحديد كل ما يحيط به أو تحديد ما يساعده على ابراز هذا الوجود أو الواقع والعمل على اثباته عن طريق الوعي به.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات 

مجرد القبول بهذا الاقتراض لا يعني التسليم به، لأن مكانة الانسان بواعها تحدد زاويةالرؤية وخاصيتها عنده. وتحديد الرؤية مع العقل معناه تحديد الذات الإنسانية التي تفرض بعد تلمس شفافيتها الاحاطة بكل ما هو حولها سواء أكانت هذه الاحاطة ملموسة تقع تحت طائلة الحواس أو كانت مجرد انطلاقات فكرية تذهب الى حد ابعد ما يتقبله الواقع.
والزيادة في الانطلاقات الفكرية تعني عند البعض وهم أو شبح يحيط بالعقل، ولكن هذا الشبح في حد ذاته يؤكد دلالة وجود صاحبه… وهذا ما نريد الوصول إليهن فالانطلاق الفكري هو امتداد طبيعي للاحاطة الملموسة والعكس صحيح أيضاً إذا كانت الدائرة العكسية تؤدي بوصولها الى نقطة البدء من انطلاق دورانها.
والدوارن المتواصل في جمه هو الذي اعطى الحياة للإنسان، وبه امتد نسيج العقل ليغرف من نسيج الطبيعة الخام ما يتناسب وحبكته.
هذا إذا كان نسيج الأخيرة خاماً لم تتحسسها الصور ولم تكن في تشكيلها الأول وحدة متكاملة، اثبتت وجودها فيما بعد على النحو الذي ارتضاه المبدع الأول.
فالخامة المفروضة والإنسان جزء منها – إذا جار لنا هذا القول – هما مادة لها تعريف بأن المادة لا يصدر عنها الا مادة باستثناء عقله كتفكير، توجب علينا الانتباه الى أن الطبيعة في سجل اسرارها لها “مواد أخرى غير تلك التي اعتدنا عليهان تعطي من لدنها مواد تخالف أصول الأم بحيث يأتي فيها ما لم يكن في الحسبان؛ منها أ العقل ليس بمادة وهو بذلك مخالف للقاعدة التي تعتبر المادة في ولادتها تلزم مكوناتها أن يكونوا مثلها الا العقل في دفعات تفكيره، لأنه النقيض الذي منه تاتي نعمة البيان لتسوغ ما بدا من ركود الظواهر في مكانة الخامة لتحيله الى مواد ثابتة يمكن الاستفادة منها وذلك باظهارها بمظهر المتحيز غير ذلك الذي الفناه وهو في الطبيعة بمعنى أنه ليس من المعقول بعد كل هذا أن نعطي حكماً على شيء بأنه عديم النفع قبل ان نخضعه من قبلنا للدراسة والتمحيص خاصة طبيعته العميقة وتنظيماتها الداخلية، حينها لم تعد الصورة المرئية للظواهر الطبيعية مجرد صورة عديمة لا يأتي ثباتها الا بالحواس فقط وهذا معناه أن العقل رقيب يحيل ما يراه الى التعقل ومن ثم الى التحليل والتركيب.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات

وزيادة في الايضاح لدور العقل ورؤياه الى الطبيعة، أنه عند تحركه في مجال الطبيعة يثبت أنها ليس عالم مرئي يشجع ويحث الانسان على التعاطي معه من خلال عقله لاخراج الشيء من تفانية في الركود الى شيء حي يساند الشعور الانساني بالتزاماته. ذلك لأن العقل لا يشعر بالغربة حيال الطبيعة التي هي مجاله الحيوي لأنه بها يظهر العمل الإنساني بصفة جوهرية نبعد تخطيه الصعوبات التي تأتيه من تجارب الإنسان مع الطبيعة.
وهكذا يمكن القول أن الطبيعة تحمل في طياتها الحقيقة المطلقة التي يسعى إليها الإنسان دائماً لأنه بها يتحرك لإدراك وجوده، فلوللاها لما استطاع التنبوء بطبيعة دوره في الحياة، ولولاها لما أدرك مجال تفكيره وذاته الإنسانية.
الحقيقة المطلقة التي نسعى إليها بعيشنا وتجوالنا هي التي تسقط من حسابنا كل ما يجعلنا بعيدن عنها، فالوحدة المزيفة التي يعرضها العقل حين يحصر الطبيعة باطار المرئيات فقط دون الاهتمام بالمجهود الذي يبذله للسمو بنفس عن طريق التامل والملاحظات والتجربة، كانت السب لقلقه فيما بدا من من تعب وقلق وهو توكيد على اتجاه حو دراسة بكل ما من حوله من ظواهر ليتسنى من خلاللها الى معرفة الحقيقة المطلقة التي هي جوهر الكون. عندها العقل لا يسمح بالوحدة المزيفة عند التفكير ولا يقتنيها ولا يستعين بها للدخول الى الشعور الإنساني بل يتعداها معتمداً على المواقف الراهنة التي يقفها تجاه الطبيعة، فما التعليل بعد اظهار التجريد الا قوة دفع نحو تحليل الظواهر الطبيعية عن طريق العمل بها ومن ثم الخروج منها بنتائج يأتي منها اثبات وجودها امام منتجها الذي هو بدوره عن طريق احتكاكه بالطبيعة كائن موجود يحركه العقل يدفعه نحو الاستمرار بالبقاء بغطاء مفاده الافادة وعرضها على الآخرين ليثار من حولها النقاش والجدل المفيد.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات

ولعل ابرز ما يفيد الانتاج المقرون والجرأة بمدى صحة ما يعرضه الإنسان المفكر على الآخرينن أن العرض من انتاجه ما بين ما اكتشفه واذل وأبعد ما يزيفه كان العقل في ارتياح وقناعة ينتظر النتائج التي هي بمثابة تدرج القبول الى المعقولل من ثم الى مفيد.
على أي حال أن الطبيعة تنذرنا بوجودها وتنذر العقل بعدم اغفال سعيه نحو اثارة تعريفات تكون بمثابة خطوة يأتي منها نفق هو دليل على أن التعاريف بوابة علاقة ما بين ما هو مخزون في الشعور والوجودان وكذا ما هو مخزون في الطبيعة.
لقد كان الماضي خزان أمان وصلة وصل ما بين الإنسان والطبيعة دون معرفة أسباب هذه الصلة أو الدراية بما تحويه هذه الأسباب من قوة دفع نحو جرنا الى ربط الماضي بالطبيعة والأحاسيس التي نملكها بعد خرق المزيف منها.
أن الحاجة للربط ما بين الماضي الذي فينا والطبيعة التي من حولنا عطف علينا واستدراك بالأشياء وتحليلها لمعرفة أنها مفيدة والا تسقط من حساب الحقيقة.
صحيح ان الماضي لا يظل دائماً في نطاق تفكيرنا لكنه ينطوي على الاتجاه الذي نسعى الى تحقيقه، أما عن طريق الميل أو عن طريق التصور الذي يمكن ان يأخذ منه ولو جزءاً ضئيلاً ينير به آفاق المستقبل للإنسان خاصة  ما يتعلق بشخصيته. مما يعني أن بناء الشخصية لا يأتي الا عن طريق تكويس التجارب من حوله مع المراعاة ان العمق الذاتي لها لا يتغير ولا يعود والقهقرى الى ما هو قبله بل يتحفز دائماً الى الانطلاق باعتبار أن الشخصية بما تملكه من عمق تنضج ونضجها أنه لا يقطع ولا يقف عند حد بل يستوعب كل عنصر يأتيها لتحقيق ذاتها.
العنصر الجديد وما يملكه من عناصر سابقة عليه هو حلقة التزام بالسابق واللاحق وما سيأتي من بعدهما. فالتسلسل بالحلقات الموروثة وما يستجد منها هي استمرارية وجود الذات الانسانية واستمرارية أصالة الطبيعة في دعتهما وما بينهما من ترابط لا ينقطع ، فلا الاننفصام يلحقها ولا التقوقع.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات

قد يقول البعض أن للمادة بداية قبل ان تصل الى حالتها الحاضرة منها ظواهر الطبيعة، وأن الإنسان استقبلها بحالتها المرهونةة، كل شيء أمامه مرهون حتى ذاته هي الأخرى مرهونة ولكن بنطاق تحفزها نحو التعاطي مع الطبيعة، وان كان هذا الانسان مرتبط بها من خلال حدود وجوده وحدود ما يستطيع التكهن به فهو يقترف باسبقية الطبيعة عليه ويعترف أنها لولا وجودها لما استطاع أن يوجد ويتفاعل معها.
ولكي يستمر في وجوده ويحقق ذاته فيها أوجد الطبيعة الإنسانية نداً للطبيعة الطبيعية وخلفاً لها بعد سيطرته عليهان فكانت استنتاجات تجاربه مفتاحاً به يأتي تعاطيه مع الواقع. ومن الخطأ الشائع الذي دائماً نفع فيه دون الرجوع عنه هو جعل فكر الإنسان ينتمي الى مذهب فكري بأنه هو الحق وما يأتينا من عالم الغيب من فكر مرفوض فكانما عجلة الزمن استوقفها العطاء وباتت رهينة لدوامة اجترار ما كان في الماضي ناجحاً. ان للزمن محطات يسجل الفكر فيها ما ارتأه ناجحاً ولا يقف على نفسه أبواب المستقبل، لكي يستمر الزمن في خلق محطات ابداع وما يأتيه المبدع من ابتكارات.
ومن الخطأ ايضاً رفض انتماء الانسان الى اي مذهب فيه ما يصلحه ويدفعه نحو الأفضل، فتجاربه الصغرى لا تركن ولا هي ملك للمكاتب للحفظ. بل ملك لمن يحتاج التواصل والبحث.
ولكن بعد كل هذا ما هو الأصح والنظرة الصائبة حيال استمرارية افنسان نحو تحديه للطبيعة والهيمنة عليها. الأصح هو بذل كل ما يلزم لخلق ظروف تناسب النظرة الصائبة. والابتعاد عما يجعل الفكر يرزح تحت وطأة القيود التي تمنعه من استمراريته في التحدي. ان استجلاء القضايا العالقة فتح مجال امام الإنسان المبدع أن يحلق ليفوز بالانتصار على الطبيعة وكشف ما تحويه من استمرار تعود بالخير على سيد الكون.
جميع الناس يتحدثون عن الفنان ويجهد بعضهم ان في هذا الحديث وسيلة للسلوك وكذا للمتعة لكنهم نسوا أن الفنان إنسان مبدع يحتاج الى التروي والصبر لخلق ما لم يستطيع الآخرون تحقيقه لكثرة العراقيل التي يجابهها في عمله وكشفه خبايا الطبيعة. أولى هذه العراقيل الاعجاب بما هو قائم في الطبيعة وعدم المساس به فكأنما هذا الموقف لشدته يذكرنا بالتيارات التي عانت منها اوروبا في القرون الوسطى وما تلاها من قرونن فتمجد الطبيعة وهو مذهب لجان جاك روسو قد دفع برينان أن يقرر بحدة أن الطبيعة خالية من الأخطاء في الرسوم والعالم جميل ان لم تمسه يد الانسان. مما دفع برسكن أيضا او حثه على دعوة الفنانيين الىاحترام الطبيعة والخضوع لها خضوعاً أعمى لا خيار فيه ولا اختيار، وعلى الفنان المبتدئ أ يحترس ويبتعد عن التحوير لأن فيه من الابتذال ما يدعو الى عدم التقدم وعدم الثقة بالذات. أما الفن الكامل بنظر محبي الطبيعة هو ادراك كل شيء والاحاطة به ووجوب اعتباره انعكاس للطبيعة جمعاء. فكل ما هو على خلاف ذلك فن ناقص وازدراء بكل ما يحيط به لأن الطبيعة هي المصدر الأوحد لكل فن، وعلى الفنانيين تسجيل الواقع دون اغفال أي جانب منه ومزجه بالمحبة النابعة من الفنان او المصور ذلك ن المحبة هي المام باجزاء الحقيقة الممثلة بالطبيعة بما في ذلك الجمال.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات

وقويت هذه النزعة واشتدت حين ظهرت فلسفة الواقعية في النصف الثاني من القرن التاسع عشر. فكوربيه كان يحرض على رسم الموضوعات المرئية المحسوسة لأن التصوير عنده هو فن عيني يمثل الأشياء الواقعية الموجودة بالفعل وما عداه وهم وليس من دائرة فن التصوير. اسناداً لما جاء في اقواله يعتبر تصوير حقبات التاريخ ومواقف ابطاله في صنعه لاغ، والفنانو الذين بذلوا الجهد لاحيائه كاذبون لاهون مستسلمون للأوهام، وهذا معناه الحد من الانطلاقات الفكرية عند الانسان وشل طاقاته وحرمانه من الذات. فالجمال كائن في الطبيعة ولقياه لا يتمثل في موقع واحد كالظواهر المرئية بل له من الأشكال ما لا يحصى عدها.
وحينما يتم كشفه في اي موقع من مواقع الطبيعة يصبح ملكاً للفن والفنان بالذات ولا دحل للطبيعة فيه سوى انها المحرض. معنى ذلك ان للجمال موقعاً قائماً بذاته يسكن كل الظواهر ولا ينحصر  في زاوية الكونز فان تجسد عينياً كان تعبيره خلق للفن، والابتعاد عنه الاستهانة به لنه الجزء المهم الذي يحمل في طياته الحقيقة المطلقة، أو النافذة التي يطل منها الفنان لكشف اسرار هذه الحقيقة وما تحمله من مطابقة الفكر للواقع  أو مطابقة بالأذهان للأعيان وما تعنيه الحقيقة من يقين تتوسله التجارب.
ان الفن ليس محاكاة للطبيعة ولا هو مرآة لها أو وسيلة لهو يصنعها الفنان للتسالي، جل ما يفعله هذا الفنان هو خلق الذات الانسانية ووعيها بما يحيطها واخضاعه لاراته. فمزج الألوان واختيار ما يناسبها من اشكال مستقاة من الطبيعة والفكر هو دليل على اهتمامه بالتجربة البصرية التي هي منه وله او من الذات للذات او من عاشق يسعى لارضاء محبوبته بمعنى آخر أن الفن والطبيعة لهما علاقة متينة تربطهما بحيث تكون للأول خدمة في اظهار حسنات الثاني لأن الأخير على حاله يفتقر الى ادلة تثبت حقيقة ما لم يعمل الفنان على تفهمه وجراسته كالعالم في ثباته وجديته. كما نوه كنستابل في كلامه حين قال “… الفن ليس مجرد عمل شعري يستلزم الخيال” بل هو دراسة علمية تقتضي الالمام باصول علم الطبيعة ” النابع من الفكر  والعمل بمقتضاه علما واحساساً.
وهكذا نرى الانسان المبدع الفنان حين يقف امام انتاج يريد معرفته يلجأ الى المعرفةلضبط عما ستكون عليه الصورة بالرغم من وجودها خاماًث في مخيلته تنشد العلم وتحتاجه.ن فكل لحظة يمضيها الفنان أمام اللوحة يمضيها بابتكار يريده العمل الفني معبراً عن نفسه قلق التغيير الذي يفقده الصواب فيأتي عمله جيداً ثابتاً ملتزماً بما يريده علم الطبيعة بأصوله. فسيزان يعتبر ان وراء مظاهر الطبيعة تكمن الحقيقة وعلى الفنان اكتشافها بوسائله الفنية وعلمه. كذلك صرح جوجان وهو من رجال النزعة الانطباعية ان ” الصورة” ليست موجودو في الطبيعة وانما توجد في الخيال ، وعلى الفنان المبتدئ  اعتبار “النماذج” خير دليل على نجاحه بعد اسقاطها من رؤياه وحفظها في الذاكرة ن ملتمساً منها اثارة احاسيسه لابراز شخصيته الفردية المستقلة، وبذا فتح المجال امام ظهور النزعة الرمزية ومن ثم النزعة التعبيرية التي تجعل من الفنان أن يتحكم بوضع لحوته بأكملها وتفسير ما تأتيه الطبيعة من هواجس فنيةة، ولغة وجدانية اسمى من المواقع. بمعنى ان الحالة النفسية  التي هو عليها أو يكون ليست مرهونة بعوالم ثابتة بل تتغير بتغير احوال الفس التي تنشد الاستقرار ومن ثم الشخصية بما لها من ميزات وقوانين تتجه بها الى الترقي في ميدان الدوافع من اللاشعور الى الشعور والأفعال المنعكسة الى الأفعال الارادية، وكذا في مجال النشاط الحركي من استخدام الأشياء الى استخدام رموزها ن أما القانون الرابع والأخير فهو الترقي في مجال النشاط الذهني من الاحساس الى التصور الذهني”.

Adnan El Masri artwork, Farhat Art Museum collection
عدنان المصري, مجموعة متحف فرحات

إذا ما يفعله اللفنان هو رهن بما هو فيه وبما هو عليه ن فكلما كان التفكير صحيحاص وسليماً يكون بالمقابل العمل الفني صحيحاً وسليماً. فالتغيرات التصورية تعطي افعالاً متباينة، وكذا الحال بالنسبة للشخصية.. لكن لا تنحصر التغيرات التصورية الا بالنضج والوعي بما يملكه ، ان اضحى واضحاً كان مسلك التغيرات واضحاً وكذا الذات الفنية أكثر استيعاباً بما حولها وعلى نحو غير محدود، فالعطاء الفني بما فيه من غنى لا ينطوي فقط على خصائص المادة المراد تكيفها ولكن أيضاً ينطوي على خصائص الذات. وهذا تأكيد من نجاحه على ان اتصال الفنان بالطبيعة وعدم الاستغناء عنها امر ضروي.
والخلاصة ان المرء الفنان يختار من الطبيعة ما يتفق ويتناسب مع ذاته فيقتطع منها ما تحدده له زاوية الرؤية عنده بعد جولة من البحث والتنقيب.
وحين يوافق الشعور بما لديه العقل من قوة في التجريد فينزع الصور من الهيولى ويتصورها مفردة على كنههان عندها يبدأ المرء الفنان بتركيب مقومات النجاح على المقطع المتخذ من الطبيعة. وأولى مقومات النجاح هي الثقة بالموضوعات المنتخبة ثم اللحظة التي تكون فيها هذه الموضوعات على يقين من ثبات الرؤية وخصائصها من فعل الحس البصري الذي لا يدرك بذااه مقادير الأشياء وأوضاعها ومسافاتها دون اللحوء الى العقل وقوانينه المساندة للبصر في ادراكه عن طريق علامات ودلائل تقدر المسافات والأوضاع والمقادير لتزنها بمعنى ان الذي يراه المرء الآن ليس من الضروري رؤيته ثانية لأنه يصبح من عداد الماضي وفي نفس الوقت يتغير هو ويصبح أيضاً هو ليس بهو لأنه ينتقل من الماضي الى المستقبل أي الانتقال من حالة الى حالة ثانية تختلف عما هي عليه في الحالة الأولى. والفنان المبدع هو الذي يستطيع أن يحتفظ باللحظة المنتخبة لموضوع هو بعينه مع تصوراته وصور تاتي مختلفة عنه ن يعني ذلك أن ليس ثمة فارق بالشكل المنظور لكن الاختلاف هو بالعبور المرتبط بالانتقال المستمر للموضوع الواحد، أي ان للموضوع المنتخب عديد من الصور تمر مع مرور اللحظات المتتالية فى تستقر على حال واحد لكنها دائماً تتغير طالما ان الزمن لا يقف عند حد.
والسؤال المهم الآن : هل يحق لنا بعد كل ما قدمناه أن نقول ان الطبيعة هي عالم الظواهر المرئي فقط أم أنه يجب أن نسقط من حسابنا كل تعريف يحد من دورها في تأدية واجبه نحو الانسان
والحقيقة انه ما من تعريف بقي واستمر على الدوام الا وكان مقروناً بنجاح الانسان وتطوره . فكماله المنشودج هو هدف يسعى اليه ليزووي به كل عصر ارتضاه ليكون تاجاً لفكره وانتاجه. فالتاريخ يشهد  على ذلك ولا يخجل من ذكره بل يتباهي بصانعيه ويفتخر إذ نجده يقسم ذاته بحقبات ليبرز شخصياتها فخراً بانها صانعة التاريخ الدالة على الانسان الفنان المنتصر.
سميت هذه الحقبات فيما بعد من قبل الآخرين المنظرين بالعصور الذهبية، حين علموا أن الدافع الى ظهورها هو تماس العقل البشري بالتيار المتفجر المشترك ما بين الإنسان والطبيعة. وهذا التيار المهم هو الذي يحدد موقف الانسان من الطبيعة وهو أيضاً الذي يدعونا نحن الى الاهتمام به للتركيز عليه باعتباره المورد الحقيقي للوجود الإنساني.