Photo By Mahmoud Zayat تصوير محمود الزيات |
المخيلة هنا صعبة بالتأكيد ، في هذه الحالة سيكون العالم غائبا مقطع الاوصال ، لا تعرف هذه الحضارة شيئا عن الحضارات الاخرى ، ولا يعرف شعب او امة بقية الشعوب والامم التي يتشارك معها الحياة على هذه الارض ، ... فالصورة جعلت للارض
فالصورة الصحفية تحكي ، تروي ، تقص ، وتسجل واقعا معيوشا، وتؤرخ لذاكرة انسانية وهي حكاية عن "معاناتها" التي حملها المصور، فالصورة الصحافية ، اصبحت اليوم كائنا واقعيا ، يستقطب اهتمام الرأي العام العالمي، فهي تقرأ او تجسد الأحداث الإنسانية ، وهي التماس المباشر مع الواقع ، وتلعب دورها الريادي انها كناقل وموثق للتاريخ ، وفي تسجيل القضايا الانسانية ، فالتصوير الفوتوغرافي، شكل منذ ان قام ، دافعا قويا لطاقة تنويرية ومعرفية ، اسس لنهضة ما تزا ل الفنون تعيشها ، وهي تسهم بشكل اساسي في بلورة الرأي العام ، وهي تحرك فعلا تؤسس لتاريخ، وهي بالتأكيد ... تؤرخ الذاكرة الإنسانية ، وكما يقول احد الفلاسفة فإن الصورة الجميلة لا تخلقها النظريات.
قيل عن الصورة الصحافية ، انها تؤرشف اللحظات وتؤرخ الحياة ، وان الصورة الصحافية تؤرخ لزمن استثنائي ، عاشه شعب ووطن ، وحملت في ما حملت الكثير من التعابير الغنية ، وعكست ما شهده البشر والحجر والشجر والدروب والوديان والجبال والسماء، وقبل كل شيء الارض ، وهناك كبار من الفلاسفة والمفكرين والفنانين ، لم يروا الصورة الا مخطوطة ، قد لا تبادلها كل حروف المقالات والدراسات والمداخلات والمساجلات والتقارير ، وكل القراءات عن الصورة الفوتوغرافية ، ستبقى منقوصة، طالما ان الصورة في تطور، وتحاكي الزمان والمكان ، لتجعل ذاكرة الشعوب حية ورهيفة.
قد يكون دور الاعلام ، عنوانا للنقاش والبحث والتنقيب ، عما اذا كان يؤدي دوره في تشكيل الرأي العام ، ولكن الصورة ، انجزت مهمتها على اكمل وجه ، فنادرا ما نسمع عن مقالة او تحقيقا صحافيا او افتتاحية حركت الرأي العام ، وانزلت مئات الالاف من شعوب العالم الى الشوارع للتظاهر ونظمت مئات الاعتصامات والاحتجاجات ضد الجريمة ، لكن الصورة الصحافية فعلتها في كثير من المحطات التس شهدت حروبا ومجازر ، طالت مئات المدنيين.
يبرح المكان ، صور تحتل جدارا جُبل مع الصخر ، صور بقيت تنظر الى زوارها... امامها لم نكن نجد مكانا للكلام.
وشعوبها تاريخا وذاكرة تتجدد يوما بعد يوم.
فالصورة الصحفية تحكي ، تروي ، تقص ، وتسجل واقعا معيوشا، وتؤرخ لذاكرة انسانية وهي حكاية عن "معاناتها" التي حملها المصور، فالصورة الصحافية ، اصبحت اليوم كائنا واقعيا ، يستقطب اهتمام الرأي العام العالمي، فهي تقرأ او تجسد الأحداث الإنسانية ، وهي التماس المباشر مع الواقع ، وتلعب دورها الريادي انها كناقل وموثق للتاريخ ، وفي تسجيل القضايا الانسانية ، فالتصوير الفوتوغرافي، شكل منذ ان قام ، دافعا قويا لطاقة تنويرية ومعرفية ، اسس لنهضة ما تزا ل الفنون تعيشها ، وهي تسهم بشكل اساسي في بلورة الرأي العام ، وهي تحرك فعلا تؤسس لتاريخ، وهي بالتأكيد ... تؤرخ الذاكرة الإنسانية ، وكما يقول احد الفلاسفة فإن الصورة الجميلة لا تخلقها النظريات.
قيل عن الصورة الصحافية ، انها تؤرشف اللحظات وتؤرخ الحياة ، وان الصورة الصحافية تؤرخ لزمن استثنائي ، عاشه شعب ووطن ، وحملت في ما حملت الكثير من التعابير الغنية ، وعكست ما شهده البشر والحجر والشجر والدروب والوديان والجبال والسماء، وقبل كل شيء الارض ، وهناك كبار من الفلاسفة والمفكرين والفنانين ، لم يروا الصورة الا مخطوطة ، قد لا تبادلها كل حروف المقالات والدراسات والمداخلات والمساجلات والتقارير ، وكل القراءات عن الصورة الفوتوغرافية ، ستبقى منقوصة، طالما ان الصورة في تطور، وتحاكي الزمان والمكان ، لتجعل ذاكرة الشعوب حية ورهيفة.
قد يكون دور الاعلام ، عنوانا للنقاش والبحث والتنقيب ، عما اذا كان يؤدي دوره في تشكيل الرأي العام ، ولكن الصورة ، انجزت مهمتها على اكمل وجه ، فنادرا ما نسمع عن مقالة او تحقيقا صحافيا او افتتاحية حركت الرأي العام ، وانزلت مئات الالاف من شعوب العالم الى الشوارع للتظاهر ونظمت مئات الاعتصامات والاحتجاجات ضد الجريمة ، لكن الصورة الصحافية فعلتها في كثير من المحطات التس شهدت حروبا ومجازر ، طالت مئات المدنيين.
يبرح المكان ، صور تحتل جدارا جُبل مع الصخر ، صور بقيت تنظر الى زوارها... امامها لم نكن نجد مكانا للكلام.
وشعوبها تاريخا وذاكرة تتجدد يوما بعد يوم.
لا عودة لزمن الصحافة التي كانت تصدر ، من دون صورة صحافية ، باتت اليوم مكونا اساسيا من مكونات الصحافة المكتوبة، التي اظهرت مؤخرا ، اهتماما منقطع النظير بالصورة الصحافية، المرفقة في كثير من الاحيان ، بالمادة الصحافية ، علما ان الصورة تشكل لدى كبريات الصحف في العالم مادة صحافية بذاتها.
مع دخولنا الثورة البصرية التي كانت حصيلة للتطور التكنولوجي ، نكون قد دخلنا في عصر جديد من الابداع والمعرفة في صناعة الصورة الصحافية التي باتت مهيمنة على الاعلام العالمي ، ولعل "اخلاقية" الصورة الصحافية ، انها لا تقتحم البيوت لتفرض نفسها على ساكنيها، بل هي تستأذنه ، قبل ان تدخل بصره وعقله واحاسيسه.
لكل صورة صحافية ، كان لها بطل ، وأبطال الحكاية الفوتوغرافية التي تجسدها الصورة ، ما زلت التقيهم واعيش معهم ، حتى الاموات منهم ، وما زلنا اجد نفسي اليوم ، ابحث عن الكثير من الوجوه التي صورتها ، لانهم ما زالوا يحتلون الذاكرة، والصورة بكل جوانبها ، نجحت في ان توزع تأثيراتها في كافة المجالات ، وشهدها بعض هذه المجالات ، كادخال الصورة في الدعاية والحروب النفسية والتأثيرات السياسية ، انطلاقا المثل الصيني القديم ، القائل " الصورة تساوي عشرة الاف كلمة ، وهو مثل متواضع في نظرته للصورة الصحافية وعلى الرغم من الدور الذي تضطلع به شبكات التلفزة الفضائية، وعلى الرغم من اتساعها وتطورها، فانها لم تنجح في ان تكون بديلا عن الصورة الفوتوغرافية التي بقيت محافظة دورها ومكانتها في عالم الصحافة، وبقيت الصورة تأخذ الحيز الاساسي في عالم الصحافة المقروءة ، وعمادها الاساسي.
والخطير ان الصورة ، قد تعكس حجم الروح الخلاقة ، من خلال جمالية يجب ان يحرص المصور الصحفي على اظهارها ، وها نحن نعيش مع الصورة في يومياتنا ، لنرى انها كسرت كل القواعد والمقاييس والاعتبارات الفنية التي توارثها عالم التصوير ، وهي خرجت من اطارها التقليدي ، التي جسدتها هذه القواعد، كتحديد مهارات المصور التي تدخل في مجال دراسة ظروف التصوير، وحركة الظل و الـ "Contre jour" والسرعة والعدسات والضوء، وصولا الى تقنيات النظام الرقمي، لتكون العين هي المهارة الاولى والاخيرة في عالم التصوير الفوتوغرافي ، فما يجري هو تسخير الكاميرا وعدساتها ومعها التقنيات الحديثة ، لخدمة العين والمصور الفوتوغرافي.
احيانا ، لا علاقة للصورة ، بالسبق الصحفي او الحدث المدوي ، او ما شابه. إن نجاح الصورة الصحفية ، يعتمد بالدرجة الأساسية على قدرة المصور الفنية والمهنية، منطلقا بذلك من فهم واضحا للمشهد ـ الحدث، وقدرتهم على التخفيف من الانفعالات ، التي يمكن ان تكون في كثير من الاحيان منطقية ، ودائما ما يكون المصورون الصحفيون، يقرأون الحدث وظروفه وتداعياته، كي تأخذ الصورة مداها في التعبير ، لانه في هذه الحال ن انه امام تحد دائم ، خاصة وانه يتقاسم المشهد مع مصورين آخرين محترفين، فالامتحان صعب والمهمة جميلة ، طالما انك تشعر بالمسؤولية ، حين تتعامل مع الصورة، بحس صحفي ،
سنة بعد سنة ، ونحن نشعر اننا ما زلنا في حالة عشق مع الكاميرا ، ما زال سحرها يحرك فينا كل الحواس، ما زلنا ندرس لغتها ، اليست الصورة كما الموسيقى، لغة عالمية؟.
الصورة الصحافية... والمصورون اللبنانيون
تتعاظم مسؤولية المصور الصحفي ، حين يعمل في مراحل تعتبر من المحطات التاريخية ، بل حين يكون للحدث امتدادات وانعكاسات مؤثرة ، فكيف اذا كانت هذه الامتدادات والانعكاسات ذات تأثير مباشر على حياة مجموعة من البشر ، فالمصور غالبا ما يجد نفسه امام مسؤولية كبيرة ، تفرض عليه ان يكون بمستواها، فاما ان ينجح واما ان يفشل، وهنا يدخل المصور الصحفي في امتحان صعب، ماذا يريد من الحدث؟، وما هي الصورة التي يبحث عنها؟، او لنقل ما هي الصورة التي يمكن لها ان تحكي الحدث ، وهنا، عين المصور هي التي تساعد في البحث عن الصورة التي تعكس الواقع، بعيدا عن أي مكسب او هدف مادي، والامتحان هنا ان عين هذا المصور ، هي غيرها عند المصور الاخر، وهاجس المصور الصحفي ، يركز على الصورة التي تعكس الحياة اليومية لشعب ما، ولا يمكن للصورة ان تنحسر في الدمار او الموت او الدماء او تعاسة والما ومعاناة ، وغالبا ما اجد نفسي مضطرا للبحث عن الانسان في الصورة ، الذي ينبغي ان يكون العنصر الاول في الصورة الفوتوغرافية، فالصورة التي نريدها ، لا تكون بالضرورة، وفي كل مرة ، دمارا وخرابا ودماء .
في كل مرة ، يعيش اللبنانيون حربا قادمة من صوب الجنوب ، كانت هذه الحرب ، تستهدف في ما تستهدف المصورين الصحافيين ، وفي كل مرة ، كان المصورون يسطرون بجهودهم ، ملاحم في الواجب المهني ، وهو واجب لم تألفه الدبابات ولا الطائرات الحربية التي غالبا ما تحتل السماء، ومع كل عدوان يُشن على أي شعب ، كانت العدسة تواكب تفاصيله، وتنقل ما يحمل هذا الحدث من بشاعة ، ومع كل مجزرة ترتكب ضد الاطفال والنساء والشيوخ، كانت العدسة تتحدث عن معاناتهم لتُجسد معاناة شعب ووطن ، ومن وراء العدسة هذه ، هناك عين ترى وتسجل الحدث بكل آلامه .
والمصورون اللبنانيون الذين اكتسبوا خبرات كبيرة خلال سنوات الحرب الداخلية، هذه الحرب التي كادت ان تحولهم الى ابطال في "حرب الشوارع والاقتحامات" التي جرت بين الاطراف المتحاربة في كافة المناطق اللبنانية ، ما زالت مختزنة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا فصولها، و برز المصورون اللبنانيون خلال الاعتداءات الاسرائيلية الواسعة . وفي يوميات المصورين الصحفيين في جنوب لبنان ، يواجهون مسؤولية العمل بامانة ، لنقل الصورة كما هي ، ومن دون تدخل ، مهما كان المشهد مؤلما ، فعليه ان يصور المشهد ، لنقله الى الرأي العام كما هو ، مبرزا واقعيتها وحقيقتها وتفاصيلها المرتبطة بروحية المشهد، لتتجسد الصورة الواقعية للحدث، بعيدا عن الاصطناع والانفعال والارتجال ، وهؤلاء يصادفون ، لا بل يعانون الكثير ، كقيام بعض الجهات بمنعهم من القيام بواجبهم، من التقاط صورة ما ، تحت ذريعة الاعتبارات الامنية او العسكرية او حتى الشخصية، وفي الحد الادنى لا يسمح للمصور بالعمل في مناخ طبيعي ، فتُزال معالم الصورة الحقيقية التي لا تجذب او تؤثر على الرأي العام ، او تُشوه او تجوّف.
الموت ساكت والدمار ايضا، من يحرك هذا الموت والدمار، انها الصورة ، لا احد غيرها، ... ام تلوح بمنديل او تندب وهي باكية ، او طفل يرتعب من صوت الطائرات او من القصف المدفعي ، او من انفجار ، وهنا لا حاجة لمخيلة المصور ، او صورة اطفال جائعين يبحثون عن فتات ، وفي كل ذلك ، فانه مهما كانت مخيلة المصور مرهفة ، فان المشهد يبقى اقوى تأثير من اجتهاد المصور، مهما بلغت حرفيته وحسه الانساني، والصورة التي نقلت المجازر البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني، ، وما اكثرها ، وجسدت تفاصيل البشاعة والاجرام ، تلقاها الرأي العام العالمي من خلال عدسات مصورين لبنانيين يعملون في وكالات صحفية اجنبية ، هؤلاء المصورون حرصوا على " تظهير" الصورة الاكثر تعبيرا عن المعاناة الانسانية .
كثيرون هم المصورون الذين يتسابقون على التقاط مشاهد الموت والدمار والمأساة، وهم في تنافس دائم فيما بينهم، وهذا بديهي وطبيعي ، ولكن المصور يحتاج دائما الى العين التي تقرأ المشهد اكثر، والتي لا يمكن للمواطن او حتى للمراقب ان يشاهدها الا في الصورة ... حين تخرج الى الناس.
والمصورون اللبنانيون كانوا السباقين في نقل اهم الاحداث التي شهدها لبنان وبعض الدول التي اعتبرت من البؤر المتلهبة، وكل الحروب التي عشناها في جنوب لبنان ، كانت غير محصورة الاهداف، وغالبا ما كانت تتجاوز اهدافها العسكرية المرسومة ، لتطال مرافق صحية واجتماعية وانسانية ومهنية ، وهي حروب ادرجت المصورين الصحافيين ضمن لوائح الاهداف العسكرية. والمصور اللبناني اثبت قدرته وثباته، وهذه الحقيقة اكدتها شهادات كبرى المؤسسات التي تعنى بالصورة الصحفية، اضافة الى التجارب التي خاضها المصور اللبناني ، وهم تحولوا الى منافسين حقيقيين للمصورين الاجانب، الذين باتوا يحسبون للمصور اللبناني ألف حساب، خاصة في المواقع الساخنة، والصحف العالمية التي تفضل نشر صور لمصور اجنبي ، لا عربي او لبناني، كانت مجبرة على التعامل مع صور اللبنانيين الذين يعملون في الوكالات الاجنبية ، علما ان الوكالات العالمية التي تتعاطى الصورة لها ثقة كبيرة بالمصور اللبناني الذي اثبت جدارته في مجال التصوير الفوتوغرافي.
نحن ، معشر المصورين الصحفيين الذين جُبلنا في ارض الجنوب ، الارض التي لا تزال ، الاكثر التهابا ونارا، منذ عشرات السنين، نزعم اننا ما لم نواكب اي حدث يعيشه الجنوب اللبناني ، بالصورة ، وما لم نرافق اهل الجنوب، نساءه ، اطفاله ، كهوله ، فاننا سنشعر ، بالتأكيد ، بعقدة الذنب ، وباننا لا ننتمي الى هذه البيئة الاجتماعية والانسانية، وهو شعور ، من الصعب ان يشعر به غير المصورين الصحفيين، انطلاقا من ان الصورة ، هي بالتأكيد ، صفحة من تاريخ شعب ووطن، علينا ان نكتب بعض اسطرها.
كثيرا ما تغرينا الصورة ، لتخرجنا من رتابة الاشياء والاسماء ، وهي الحافز الوحيد الذي لا يدعنا نهدأ او نستكين، للبحث عن المزيد ... فالمزيد، لان باستطاعة ذاكرتنا المثقلة بالصور ، ما تزال قادرة على تحمل المزيد ، وان كانت قادتنا مرات ومرات ، الى الكأبة او حتى الى البكاء ، وبكينا في كثير من الاحيان.
يبقى الامل في ان تخفف الضوابط والقيود المفروضة على المصورين اللبنانيين، لانهم اعطوا الكثير للصحافة اللبنانية والعالمية، كي يستمروا في العطاء، فكل مصور هو مشروع شهيد، علما انه سقط من المصورين شهداء قضوا اثناء تأديتهم مهامهم الصحافية خلال الحرب واثناء الاعتداءات الاسرائيلية ، ومنهم النقيب جورج سمرجيان، عبدالرزاق السيد، عدنان كركي، الياس الجوهري، خليل الدهيني، حبيب ضيا ، احمد عياش واحمد حيدر احمد وبهجت دكروب ، وغيرهم .
خلال سنوات الحرب التي امتدت من العام 1975 ، مرورا بحرب تموز من عام 1993، وحرب نيسان من عام 1996، وفي زمن تحرير الجنوب عام 2000 ، وصولا الى حرب تموز عام 2006 ، كان هناك الكثير من لحظات الوجدان الانساني التي كانت تتمالك المصورين الصحفيين ، طوال ساعات العمل، الساعات التي لا تنته، والتي كنا فيخا ننتقل الى المواقع الساخنة… في النبطية ، القاسمية ، صور ، قانا ، بنت جبيل ، مارون الراس ، عيترون ، عيناثا، عربصاليم ، وحوافي الجسور المكسورة قصفا ، والاجساد الممزقة بين ركام المنازل والاشجار ، كنا نشاهد الموت بأم العين ، او كما كان يتراءى لنا، كنا في كل مرة نسخر من الموت القادم من السماء، نسمع عبارة لاحدهم، كانت تعزينا ونشد من عزيمتنا " ان الوطن ليس مكانا نُقتل فيه ، بل هو حلم يعيش فينا.
خلال مواكبتنا الاعلامية لمعاناة اهل القرى والبلدات في جنوب لبنان، عبر نقل الام وافراح هؤلاء ، بالصورة، بات الجنوبيون اصدقاء حميمين للمصورين الصحافيين ، وتتوطد الصداقة اكثر في القرى المتاخمة لخطوط النار، تلك التي يطلق عليها اسم " خطوط التماس" الحدودية، كنا نسأل في سرنا ، هل للصورة الصحفية اصدقاء؟، وهل لها اعداء؟، وهو سؤال لطالما طرحه الكثير من المصورين الصحافيين ، خلال محن واوقات عصيبة، وُضعت الكاميرا فيها في دائرة الاتهام والمطاردة ، او حتى المكافحة!ن وتعامل معها كثيرون على انها "البعبع" الذي يجب تجنبه، قلنا ، نعم للصورة اصدقاء ... واعداء.
اصدقاء الصورة ، بالدرجة الاولى ، هم ابطالها ، الذين يدركون اكثر من غيرهم مدى تأثيرها ، سيما في المحطات الخطيرة والاستثنائية ، كالحروب والمآسي والويلات ، وحتى في زمن الفرح ، هن الامهات اللواتي رحن يبحثن بين الركام عن اطفالهن في قانا وصديقين وصريفا والشياح ، وهن يعتصرن كل معاناتهن الخارجة من زمن الوحشية التي تعربد في فضاء الكون، وهن يعشن مع جراحاتهن ، وغالبا ما يكون صديقهن الوحيد في هذه اللحظات ، هوالمصور ، الذي يمكن ان يكون رفيقا ومسعفا ومساعدا ومشاركا للالم ، من دون ان ينسى انه مصور.
تستحق الصورة من المصور الصحفي ، اجتياز مسافات واسعة، والانتظار لساعات، في ظل شجرة ، او تحت اشعة شمس دافئة … او حتى حارقة ، اكثر من ذلك ، تستحق الصورة خوض المغامرة التي تفصل بين الحياة والموت ، ليصل الى مشهد تلتقطه العدسة ونقلها الى الرأي العام ، تستحق الصورة اكثر من ذلك ، اذا كان في وعينا ان الصورة غالبا ما تكون اكبر من الكلمات والمقالات الصحافية والتحاليل الغارقة في المصطلحات التي لا يألفها الا جمهور النخبة المترف.
في حرب تموز عام 2006 ، افرغت الاخبار والتحاليل والمقالات ، قرى وبلدات الجنوب من سكانها ، وسقطت قرى وبلدات تحت سيطرة الغزاة ، لكن الصورة دحضت كل ذلك ، حين تحدثت الصورة عن "ديبة" المسنة الجنوبية التي كانت تجرجر جسدها داخل الاحياء المدمرة في بنت جبيل ، وحين تحدثت الصورة عن اطفال كفركلا الذين كانوا يشاهدون الصواريخ تنهمر على مستعمرة المطلة ، وحين تحدثت الصورة عن ابو محمد على شرفة منزله في بلاط ، نعم الصورة دحضت كل الدعاية التي مارستها الكلمات ، فكان ان سخرت عدسات المصورين من الامبراطورية الاعلامية التي كانت تبنى من خارج مكان الحدث .
في زمن الحرب ، خرجت الصورة من الاحياء السكنية التي مالت من عصف الصواريخ المندفعة نحوها ، والابنية النائمة، وكأنها تعبت وهي تعلو واقفة ، والاشجار تحتضن تراب الارض ، و"صنادل" التبغ المكومة بين اطلال المنازل ، حينها لم تعد النوافذ نوافذ، ولا الابواب ابوابا ، ضاعت معالم الامكنة ، وتوقف الزمان عند الذين راحوا يبحثون بين الغرف الموزعة في الاحياء ، طفل الثماني سنوات رأيناه يصرخ من هول جراحه النازفة دما والما.
كثيرة هي الصور التي التقطناها في جنوب لبنان ، خلال العدوان ، اعتبرها الاسرائيليون انها "مشينة بحث المجتمع الاسرائيلي واخلاقياته" ، كصور لضحايا نساء واطفال قتلوا تحت انقاض منازلهم، حتى ان وسائل الاعلام الاسرائيلية ، شككت بحقيقة هذه الصور ، وكالت الاتهامات للمصورين بـ "التواطؤ بالمقاومة" ، في موازاة ذلك ، راح الاعلام الاسرائيلي يخوض حملة لابراز الاخفاقات العسكرية الاسرائيلية، ويعتبر هزيمة الجيش الاسرائيلي التي عكستها الصورة الاتية من جنوب لبنان ، بانها مهينة بحق الرأي العام الاسرائيلي.
الصورة ، لا تصنع نصرا لشعب ، ولكنها خير مساهم في صناعة هذا النصر ، وفي جنوب لبنان ، وفي كل الحروب التي سجلت ، هزمت صورة المصور الصحفي في لبنان ، بمضمونها وبتعابيرها، صور المصورين الاسرائيليين ، فالاولى امتلكت القصة ، وهذا هو كل الموضوع .
والمصورون الصحفيون في جنوب لبنان ، توقفوا كثيرا عند ما ورد في تقارير الاعلام الاسرائيلي ، التي حملت الكثير من التشكيك بصورهم ، وهي شنت حملات عليهم ، واتهمتهم بانهم يحضرون دمى الاطفال معهم الى منازل المواطنين التي استهدفتها الغارات، بوضع هذه الدمى وسط ركام المنازل، في ايحاء وقح ، بان اطفال اهل الجنوب اللبناني لا يعرفون الدمى ولا يلهون بالالعاب ، ولا احد منهم يمتلك دراجة هوائية !. هذه الحملات ، جاءت بعد ردود فعل عالمية غاضبة ومنددة بالعمليات العسكرية التي تشنها اسرائيل على المدنيين في حربها على لبنان ، بالاستناد الى صور المصورين الذين واكبوا ايام العدوان الاسرائيلي الذي كان حافلا باستهداف المدنيين ، في ظل عجز للاعلام الاسرائيلي في تقديم "الصورة الافضل" لاسرائيل خلال الحرب، فضلا عن العجز في التخفيف من وهج الهزيمة التي مني بها الجيش الاسرائيلي، الهزيمة التي صار اسمها "اخفاقات".
في كل مرة ، كانت العدسة تلح علي ، لاحتك اكثر بالمشهد الذي يحتل الامكنة ، فكيف ان كانت الصورة المعلقة على الجدار ، ما تزال هي هي . في الجنوب ، بقيت صور الوجوه معلقة على جدرات البيوت المكسورة ، لم تشأ ان تسقط، علها تبقى شاهدا على مشهد لم يبرح المكان ، صور تحتل جدارا جُبل مع الصخر ، صور بقيت تنظر الى زوارها... امامها لم نكن نجد مكانا للكلام.
http://www.lebanesephotobank.info/
أم عزيز , من أهالي المخطوفين |
لا عودة لزمن الصحافة التي كانت تصدر ، من دون صورة صحافية ، باتت اليوم مكونا اساسيا من مكونات الصحافة المكتوبة، التي اظهرت مؤخرا ، اهتماما منقطع النظير بالصورة الصحافية، المرفقة في كثير من الاحيان ، بالمادة الصحافية ، علما ان الصورة تشكل لدى كبريات الصحف في العالم مادة صحافية بذاتها.
مع دخولنا الثورة البصرية التي كانت حصيلة للتطور التكنولوجي ، نكون قد دخلنا في عصر جديد من الابداع والمعرفة في صناعة الصورة الصحافية التي باتت مهيمنة على الاعلام العالمي ، ولعل "اخلاقية" الصورة الصحافية ، انها لا تقتحم البيوت لتفرض نفسها على ساكنيها، بل هي تستأذنه ، قبل ان تدخل بصره وعقله واحاسيسه.
Beirut before 1975 by Semerdjian بيروت قبل الحرب الأهلية للمصور جورج سمرجيان |
لكل صورة صحافية ، كان لها بطل ، وأبطال الحكاية الفوتوغرافية التي تجسدها الصورة ، ما زلت التقيهم واعيش معهم ، حتى الاموات منهم ، وما زلنا اجد نفسي اليوم ، ابحث عن الكثير من الوجوه التي صورتها ، لانهم ما زالوا يحتلون الذاكرة، والصورة بكل جوانبها ، نجحت في ان توزع تأثيراتها في كافة المجالات ، وشهدها بعض هذه المجالات ، كادخال الصورة في الدعاية والحروب النفسية والتأثيرات السياسية ، انطلاقا المثل الصيني القديم ، القائل " الصورة تساوي عشرة الاف كلمة ، وهو مثل متواضع في نظرته للصورة الصحافية وعلى الرغم من الدور الذي تضطلع به شبكات التلفزة الفضائية، وعلى الرغم من اتساعها وتطورها، فانها لم تنجح في ان تكون بديلا عن الصورة الفوتوغرافية التي بقيت محافظة دورها ومكانتها في عالم الصحافة، وبقيت الصورة تأخذ الحيز الاساسي في عالم الصحافة المقروءة ، وعمادها الاساسي.
والخطير ان الصورة ، قد تعكس حجم الروح الخلاقة ، من خلال جمالية يجب ان يحرص المصور الصحفي على اظهارها ، وها نحن نعيش مع الصورة في يومياتنا ، لنرى انها كسرت كل القواعد والمقاييس والاعتبارات الفنية التي توارثها عالم التصوير ، وهي خرجت من اطارها التقليدي ، التي جسدتها هذه القواعد، كتحديد مهارات المصور التي تدخل في مجال دراسة ظروف التصوير، وحركة الظل و الـ "Contre jour" والسرعة والعدسات والضوء، وصولا الى تقنيات النظام الرقمي، لتكون العين هي المهارة الاولى والاخيرة في عالم التصوير الفوتوغرافي ، فما يجري هو تسخير الكاميرا وعدساتها ومعها التقنيات الحديثة ، لخدمة العين والمصور الفوتوغرافي.
احيانا ، لا علاقة للصورة ، بالسبق الصحفي او الحدث المدوي ، او ما شابه. إن نجاح الصورة الصحفية ، يعتمد بالدرجة الأساسية على قدرة المصور الفنية والمهنية، منطلقا بذلك من فهم واضحا للمشهد ـ الحدث، وقدرتهم على التخفيف من الانفعالات ، التي يمكن ان تكون في كثير من الاحيان منطقية ، ودائما ما يكون المصورون الصحفيون، يقرأون الحدث وظروفه وتداعياته، كي تأخذ الصورة مداها في التعبير ، لانه في هذه الحال ن انه امام تحد دائم ، خاصة وانه يتقاسم المشهد مع مصورين آخرين محترفين، فالامتحان صعب والمهمة جميلة ، طالما انك تشعر بالمسؤولية ، حين تتعامل مع الصورة، بحس صحفي ،
سنة بعد سنة ، ونحن نشعر اننا ما زلنا في حالة عشق مع الكاميرا ، ما زال سحرها يحرك فينا كل الحواس، ما زلنا ندرس لغتها ، اليست الصورة كما الموسيقى، لغة عالمية؟.
تصوير عصام حسن |
الصورة الصحافية... والمصورون اللبنانيون
تتعاظم مسؤولية المصور الصحفي ، حين يعمل في مراحل تعتبر من المحطات التاريخية ، بل حين يكون للحدث امتدادات وانعكاسات مؤثرة ، فكيف اذا كانت هذه الامتدادات والانعكاسات ذات تأثير مباشر على حياة مجموعة من البشر ، فالمصور غالبا ما يجد نفسه امام مسؤولية كبيرة ، تفرض عليه ان يكون بمستواها، فاما ان ينجح واما ان يفشل، وهنا يدخل المصور الصحفي في امتحان صعب، ماذا يريد من الحدث؟، وما هي الصورة التي يبحث عنها؟، او لنقل ما هي الصورة التي يمكن لها ان تحكي الحدث ، وهنا، عين المصور هي التي تساعد في البحث عن الصورة التي تعكس الواقع، بعيدا عن أي مكسب او هدف مادي، والامتحان هنا ان عين هذا المصور ، هي غيرها عند المصور الاخر، وهاجس المصور الصحفي ، يركز على الصورة التي تعكس الحياة اليومية لشعب ما، ولا يمكن للصورة ان تنحسر في الدمار او الموت او الدماء او تعاسة والما ومعاناة ، وغالبا ما اجد نفسي مضطرا للبحث عن الانسان في الصورة ، الذي ينبغي ان يكون العنصر الاول في الصورة الفوتوغرافية، فالصورة التي نريدها ، لا تكون بالضرورة، وفي كل مرة ، دمارا وخرابا ودماء .
في كل مرة ، يعيش اللبنانيون حربا قادمة من صوب الجنوب ، كانت هذه الحرب ، تستهدف في ما تستهدف المصورين الصحافيين ، وفي كل مرة ، كان المصورون يسطرون بجهودهم ، ملاحم في الواجب المهني ، وهو واجب لم تألفه الدبابات ولا الطائرات الحربية التي غالبا ما تحتل السماء، ومع كل عدوان يُشن على أي شعب ، كانت العدسة تواكب تفاصيله، وتنقل ما يحمل هذا الحدث من بشاعة ، ومع كل مجزرة ترتكب ضد الاطفال والنساء والشيوخ، كانت العدسة تتحدث عن معاناتهم لتُجسد معاناة شعب ووطن ، ومن وراء العدسة هذه ، هناك عين ترى وتسجل الحدث بكل آلامه .
والمصورون اللبنانيون الذين اكتسبوا خبرات كبيرة خلال سنوات الحرب الداخلية، هذه الحرب التي كادت ان تحولهم الى ابطال في "حرب الشوارع والاقتحامات" التي جرت بين الاطراف المتحاربة في كافة المناطق اللبنانية ، ما زالت مختزنة في ذاكرة الكثيرين ممن عايشوا فصولها، و برز المصورون اللبنانيون خلال الاعتداءات الاسرائيلية الواسعة . وفي يوميات المصورين الصحفيين في جنوب لبنان ، يواجهون مسؤولية العمل بامانة ، لنقل الصورة كما هي ، ومن دون تدخل ، مهما كان المشهد مؤلما ، فعليه ان يصور المشهد ، لنقله الى الرأي العام كما هو ، مبرزا واقعيتها وحقيقتها وتفاصيلها المرتبطة بروحية المشهد، لتتجسد الصورة الواقعية للحدث، بعيدا عن الاصطناع والانفعال والارتجال ، وهؤلاء يصادفون ، لا بل يعانون الكثير ، كقيام بعض الجهات بمنعهم من القيام بواجبهم، من التقاط صورة ما ، تحت ذريعة الاعتبارات الامنية او العسكرية او حتى الشخصية، وفي الحد الادنى لا يسمح للمصور بالعمل في مناخ طبيعي ، فتُزال معالم الصورة الحقيقية التي لا تجذب او تؤثر على الرأي العام ، او تُشوه او تجوّف.
الموت ساكت والدمار ايضا، من يحرك هذا الموت والدمار، انها الصورة ، لا احد غيرها، ... ام تلوح بمنديل او تندب وهي باكية ، او طفل يرتعب من صوت الطائرات او من القصف المدفعي ، او من انفجار ، وهنا لا حاجة لمخيلة المصور ، او صورة اطفال جائعين يبحثون عن فتات ، وفي كل ذلك ، فانه مهما كانت مخيلة المصور مرهفة ، فان المشهد يبقى اقوى تأثير من اجتهاد المصور، مهما بلغت حرفيته وحسه الانساني، والصورة التي نقلت المجازر البشعة التي ارتكبتها قوات الاحتلال الاسرائيلي في الجنوب اللبناني، ، وما اكثرها ، وجسدت تفاصيل البشاعة والاجرام ، تلقاها الرأي العام العالمي من خلال عدسات مصورين لبنانيين يعملون في وكالات صحفية اجنبية ، هؤلاء المصورون حرصوا على " تظهير" الصورة الاكثر تعبيرا عن المعاناة الانسانية .
كثيرون هم المصورون الذين يتسابقون على التقاط مشاهد الموت والدمار والمأساة، وهم في تنافس دائم فيما بينهم، وهذا بديهي وطبيعي ، ولكن المصور يحتاج دائما الى العين التي تقرأ المشهد اكثر، والتي لا يمكن للمواطن او حتى للمراقب ان يشاهدها الا في الصورة ... حين تخرج الى الناس.
تصوير حسن عبدالله - الضاحية الجنوبية لبيروت 2006 |
نحن ، معشر المصورين الصحفيين الذين جُبلنا في ارض الجنوب ، الارض التي لا تزال ، الاكثر التهابا ونارا، منذ عشرات السنين، نزعم اننا ما لم نواكب اي حدث يعيشه الجنوب اللبناني ، بالصورة ، وما لم نرافق اهل الجنوب، نساءه ، اطفاله ، كهوله ، فاننا سنشعر ، بالتأكيد ، بعقدة الذنب ، وباننا لا ننتمي الى هذه البيئة الاجتماعية والانسانية، وهو شعور ، من الصعب ان يشعر به غير المصورين الصحفيين، انطلاقا من ان الصورة ، هي بالتأكيد ، صفحة من تاريخ شعب ووطن، علينا ان نكتب بعض اسطرها.
كثيرا ما تغرينا الصورة ، لتخرجنا من رتابة الاشياء والاسماء ، وهي الحافز الوحيد الذي لا يدعنا نهدأ او نستكين، للبحث عن المزيد ... فالمزيد، لان باستطاعة ذاكرتنا المثقلة بالصور ، ما تزال قادرة على تحمل المزيد ، وان كانت قادتنا مرات ومرات ، الى الكأبة او حتى الى البكاء ، وبكينا في كثير من الاحيان.
Photo By Abed Al-Razak Al-Sayed تصوير عبد الرزاق السيد |
يبقى الامل في ان تخفف الضوابط والقيود المفروضة على المصورين اللبنانيين، لانهم اعطوا الكثير للصحافة اللبنانية والعالمية، كي يستمروا في العطاء، فكل مصور هو مشروع شهيد، علما انه سقط من المصورين شهداء قضوا اثناء تأديتهم مهامهم الصحافية خلال الحرب واثناء الاعتداءات الاسرائيلية ، ومنهم النقيب جورج سمرجيان، عبدالرزاق السيد، عدنان كركي، الياس الجوهري، خليل الدهيني، حبيب ضيا ، احمد عياش واحمد حيدر احمد وبهجت دكروب ، وغيرهم .
Photo of Nabih Nassar صورة المصور نبيه نصار وهو مصاب |
خلال سنوات الحرب التي امتدت من العام 1975 ، مرورا بحرب تموز من عام 1993، وحرب نيسان من عام 1996، وفي زمن تحرير الجنوب عام 2000 ، وصولا الى حرب تموز عام 2006 ، كان هناك الكثير من لحظات الوجدان الانساني التي كانت تتمالك المصورين الصحفيين ، طوال ساعات العمل، الساعات التي لا تنته، والتي كنا فيخا ننتقل الى المواقع الساخنة… في النبطية ، القاسمية ، صور ، قانا ، بنت جبيل ، مارون الراس ، عيترون ، عيناثا، عربصاليم ، وحوافي الجسور المكسورة قصفا ، والاجساد الممزقة بين ركام المنازل والاشجار ، كنا نشاهد الموت بأم العين ، او كما كان يتراءى لنا، كنا في كل مرة نسخر من الموت القادم من السماء، نسمع عبارة لاحدهم، كانت تعزينا ونشد من عزيمتنا " ان الوطن ليس مكانا نُقتل فيه ، بل هو حلم يعيش فينا.
خلال مواكبتنا الاعلامية لمعاناة اهل القرى والبلدات في جنوب لبنان، عبر نقل الام وافراح هؤلاء ، بالصورة، بات الجنوبيون اصدقاء حميمين للمصورين الصحافيين ، وتتوطد الصداقة اكثر في القرى المتاخمة لخطوط النار، تلك التي يطلق عليها اسم " خطوط التماس" الحدودية، كنا نسأل في سرنا ، هل للصورة الصحفية اصدقاء؟، وهل لها اعداء؟، وهو سؤال لطالما طرحه الكثير من المصورين الصحافيين ، خلال محن واوقات عصيبة، وُضعت الكاميرا فيها في دائرة الاتهام والمطاردة ، او حتى المكافحة!ن وتعامل معها كثيرون على انها "البعبع" الذي يجب تجنبه، قلنا ، نعم للصورة اصدقاء ... واعداء.
الجيش الإسرائيلي يحقق مع المصور علي حشيشو |
تستحق الصورة من المصور الصحفي ، اجتياز مسافات واسعة، والانتظار لساعات، في ظل شجرة ، او تحت اشعة شمس دافئة … او حتى حارقة ، اكثر من ذلك ، تستحق الصورة خوض المغامرة التي تفصل بين الحياة والموت ، ليصل الى مشهد تلتقطه العدسة ونقلها الى الرأي العام ، تستحق الصورة اكثر من ذلك ، اذا كان في وعينا ان الصورة غالبا ما تكون اكبر من الكلمات والمقالات الصحافية والتحاليل الغارقة في المصطلحات التي لا يألفها الا جمهور النخبة المترف.
في حرب تموز عام 2006 ، افرغت الاخبار والتحاليل والمقالات ، قرى وبلدات الجنوب من سكانها ، وسقطت قرى وبلدات تحت سيطرة الغزاة ، لكن الصورة دحضت كل ذلك ، حين تحدثت الصورة عن "ديبة" المسنة الجنوبية التي كانت تجرجر جسدها داخل الاحياء المدمرة في بنت جبيل ، وحين تحدثت الصورة عن اطفال كفركلا الذين كانوا يشاهدون الصواريخ تنهمر على مستعمرة المطلة ، وحين تحدثت الصورة عن ابو محمد على شرفة منزله في بلاط ، نعم الصورة دحضت كل الدعاية التي مارستها الكلمات ، فكان ان سخرت عدسات المصورين من الامبراطورية الاعلامية التي كانت تبنى من خارج مكان الحدث .
في زمن الحرب ، خرجت الصورة من الاحياء السكنية التي مالت من عصف الصواريخ المندفعة نحوها ، والابنية النائمة، وكأنها تعبت وهي تعلو واقفة ، والاشجار تحتضن تراب الارض ، و"صنادل" التبغ المكومة بين اطلال المنازل ، حينها لم تعد النوافذ نوافذ، ولا الابواب ابوابا ، ضاعت معالم الامكنة ، وتوقف الزمان عند الذين راحوا يبحثون بين الغرف الموزعة في الاحياء ، طفل الثماني سنوات رأيناه يصرخ من هول جراحه النازفة دما والما.
كثيرة هي الصور التي التقطناها في جنوب لبنان ، خلال العدوان ، اعتبرها الاسرائيليون انها "مشينة بحث المجتمع الاسرائيلي واخلاقياته" ، كصور لضحايا نساء واطفال قتلوا تحت انقاض منازلهم، حتى ان وسائل الاعلام الاسرائيلية ، شككت بحقيقة هذه الصور ، وكالت الاتهامات للمصورين بـ "التواطؤ بالمقاومة" ، في موازاة ذلك ، راح الاعلام الاسرائيلي يخوض حملة لابراز الاخفاقات العسكرية الاسرائيلية، ويعتبر هزيمة الجيش الاسرائيلي التي عكستها الصورة الاتية من جنوب لبنان ، بانها مهينة بحق الرأي العام الاسرائيلي.
الصورة ، لا تصنع نصرا لشعب ، ولكنها خير مساهم في صناعة هذا النصر ، وفي جنوب لبنان ، وفي كل الحروب التي سجلت ، هزمت صورة المصور الصحفي في لبنان ، بمضمونها وبتعابيرها، صور المصورين الاسرائيليين ، فالاولى امتلكت القصة ، وهذا هو كل الموضوع .
الناجية الوحيدة من مجزرة مروحين - حرب تموز 2006 تصوير علي علوش |
والمصورون الصحفيون في جنوب لبنان ، توقفوا كثيرا عند ما ورد في تقارير الاعلام الاسرائيلي ، التي حملت الكثير من التشكيك بصورهم ، وهي شنت حملات عليهم ، واتهمتهم بانهم يحضرون دمى الاطفال معهم الى منازل المواطنين التي استهدفتها الغارات، بوضع هذه الدمى وسط ركام المنازل، في ايحاء وقح ، بان اطفال اهل الجنوب اللبناني لا يعرفون الدمى ولا يلهون بالالعاب ، ولا احد منهم يمتلك دراجة هوائية !. هذه الحملات ، جاءت بعد ردود فعل عالمية غاضبة ومنددة بالعمليات العسكرية التي تشنها اسرائيل على المدنيين في حربها على لبنان ، بالاستناد الى صور المصورين الذين واكبوا ايام العدوان الاسرائيلي الذي كان حافلا باستهداف المدنيين ، في ظل عجز للاعلام الاسرائيلي في تقديم "الصورة الافضل" لاسرائيل خلال الحرب، فضلا عن العجز في التخفيف من وهج الهزيمة التي مني بها الجيش الاسرائيلي، الهزيمة التي صار اسمها "اخفاقات".
في كل مرة ، كانت العدسة تلح علي ، لاحتك اكثر بالمشهد الذي يحتل الامكنة ، فكيف ان كانت الصورة المعلقة على الجدار ، ما تزال هي هي . في الجنوب ، بقيت صور الوجوه معلقة على جدرات البيوت المكسورة ، لم تشأ ان تسقط، علها تبقى شاهدا على مشهد لم يبرح المكان ، صور تحتل جدارا جُبل مع الصخر ، صور بقيت تنظر الى زوارها... امامها لم نكن نجد مكانا للكلام.
http://www.lebanesephotobank.info/
No comments:
Post a Comment