Friday, April 5, 2013

الفنان اللبناني عزت مزهر, بقلم غازي أنعيم Ezzat Mezher



النحات والرسام عزت مزهر 
غازي انعيم
يعد النحات اللبناني عزت مزهر الذي رحل  سنة 2009 في بيروت عن عمر يناهز ألـ(62) عاماً ، أحد الأسماء المهمة والمؤثرة في الحياة التشكيلية اللبنانية ، سواء من خلال تواصله الدائم مع طلابه ولسنوات عديدة ، حيث أعطى دروسا ومحاضرات في النحت وفي الرسم والأشغال اليدوية في العديد من المدارس والمعاهد وفي الجامعة اللبنانية ، أو من خلال تواصله الدائم مع الناس عبر مشاركاته في معظم المحترفات الدولية التي أقيمت في اهدن ، والمتن ، وعاليه وجونيه والخيام وجبيل.. وكذلك معارضه في الرسم والنحت التي رفدت النحت اللبناني المعاصر.

وبرع النحات الراحل الذي كان مهموماً بقضايا الوطن والأمة ـ حيث كرّس جل وقته وفنه من أجلهما ـ بالتعامل مع كافة تقنيات النحت من حجر ورخام ومعدن وخشب ، بصفتها وسائط مختلفة يقوم عليها العمل الفني ، حيث تتحد جميعاً لخدمة الفكرة. 

وتشهد على براعته عشرات الأعمال النحتية المنتشرة في حدائق وساحات لبنان ، ومنها: بيروت حيث تتوزع في كل من حارة حريك ، والغبيري وجونية ، والجامعة اللبنانية ، وقصر الاونيسكو ، ووزارة الثقافة ، وقصر بيت الدين ، وبعقلين ، والناعمة ، وبلدة الخيام ، وعرمون ، وجبيل ، وعاليه وصيدا.. وتتوزع أعماله أيضاً في كل من فرنسا واليابان وأمريكا.

الفنان عزت مزهر أمام أعماله

وهو صاحب العديد من المعارض والورش الفنية في فرنسا وايطاليا واسبانيا وبريطانيا واليابان.. وقد زادته تلك المعارض والمشاركات معرفة وخبرة ، وساهمت في تكوين شخصيته الفنية ، وهذا ما أسس له سمعة فنية رصينة يشار إليها بالبنان في عموم لبنان.
الفحم والصلصال
ولد الفنان عزت مزهر في حارة الناعمة إلى الجنوب من بيروت على شاطئ البحر المتوسط في العام 1947 ، وفي هذه القرية القابعة ما بين البحر والجبل تفجرت موهبة مزهر الفنية ، حيث راح يرسم بالفحم على جدران منزله ، وهذا لم يعجب والدته التي أرادت أن تعاقبه على فعلته ، فاستنجد بوالده الذي دافع عنه ، فاعتبر موقفه إعجابا وتشجيعاً له لمتابعة هوايته في الرسم. وهذا ما سمعه أيضا من أساتذته وأصدقائه خلال مراحل دراسته ، ما شجعه على الرسم والبحث عن الكتب التي تهتم بالمدارس والأساليب الفنية وسيرة وأعمال الفنانين الكبار.
في هذه المرحلة تعرف على مادة الصلصال التي تصنع منها الجرار والأباريق الفخارية وهي متوفرة في قرية الناعمة ، واكتسب خبرة عملية في تشكيل الصلصال. بعد ذلك أصبح باستطاعته أن يتحكم بالأزميل والمطرقة في إبداع منحوتات من الحجر تمثل حيوانا أو طائرا أو زهرة.

حروفية , عزت مزهر , مجموعة متحف فرحات 

بعد أن أنهى مزهر الثانوية العامة ، أراد أن يحقق رغبته بإكمال دراسته في مجال الرسم والنحت ، لكن هذه الرغبة اصطدمت برفض عائلته لهذا التخصص اعتقادا بأن هذه الهواية لا تستطيع أن تؤمن له لقمة العيش الكريمة ، ونزولاً عند رغبة عائلته درس هندسة الديكور وهذا التخصص قريب من هوايته ، وبعد أن أنهى مزهر دراسته للديكور في العام ,1966 أقنع أهله بإكمال دراسته في فرنسا ، وفيها دخل المعهد العالي للرسم والنحت ، ولم يخبر عائلته بذلك إلا بعد مرور ثلاث سنوات.

خلال اقامته في باريس شارك مع احد النحاتين الكبار في ترميم التماثيل ، كما قام بتصميم العديد من ملصقات الحفلات التي كانت تقام بشكل أسبوعي في المركز الثقافي الأمريكي في باريس. وكذلك أقام وشارك في العديد من المعارض والنشاطات الفنية في كل من فرنسا وبريطانيا واليابان وإيطاليا. 

وقد أكسبه الاحتكاك بثقافات وحضارات تلك الامم معرفة وخبرة ساهمت بشكل فعال في تكوين شخصيته وانعكست بكل ايجابي على حياته الفنية فيما بعد.

العفدة اللبنانية , عزت مزهر , مجموعة متحف فرحات

في العام 1974 عاد مزهر إلى لبنان ، وكان أول ما قام به تنفيذه لتمثال نصفي بالرخام لأحد أطباء الأسنان في مدينة صيدا ، كان هذا التمثال بالنسبة له نقطة تحول ، حيث سنحت له الفرصة ليؤكد لأهله بأنه يستطيع أن يكسب قوت يومه ورزقه ويتدبر أموره المادية من خلال الفن.

بعد ذلك راح يعمل في مشغله وينتج وينفذ العديد من التماثيل النحتية ويشارك فيها من خلال جمعية الفنانين اللبنانيين بالنشاطات والمعارض الفنية سواء في لبنان أو خارجها.

في العام 1975 التحق بمعهد الفنون الجميلة بالجامعة اللبنانية بصفة أستاذ متعاقد ، وتدرج إلى رتبة رئيس محترف ، ليتفرغ بعدها في الجامعة اللبنانية إلى أن فارق الحياة في 14 ـ 12 ـ ,2009
الطاووس , عزت مزهر , مجموعة متحف فرحات

نظرة فلسفية
كانت للراحل طيلة مسيرته الفنية ، نظرة فلسفية لفن النحت يحاول أن يترجمها عملياً في منحوتاته ، وكان يعتبر النحت فعلا ثقافيا يجمع بين الفكر والإحساس ، ولذلك فان تعامله مع الخامة جاء بصفتها وسيطاً يعبر به عن فكرة العمل ، من هنا كانت مواضيع لوحاته وتماثيله ذات الأسلوب الواحد والتي تمثل عناصر تنبع من ذاته بما لهذه الذات من بيئة إنسانية فطرت عليها ، مرتبطة بدلالات محددة أراد الفنان التعبير عنها في نطاق الشكل.

في الوقت نفسه استلهمت اعماله مفرداتها من الواقع ومن الأساطير ومن كل شيء. وكل تلك العناصر المنحوتة والمتقاربة ، سواء من حيث الموضوعات أو من حيث الشكل والمضمون ، نفذت ببراعة تنم عن مهارة فنية عالية في تقديم الفكرة المراد التعبير عنها ، حيث أبرز الفنان مزهر بعد تلاعبه على نحو بارع ، بالكتلة والفراغ ، خصائص الجسد وحركته الرمزية المعبرة من خلال خطوط رشيقة لينة شبه دائرية.
أخيراً ترك الفنان الدكتور عزت مزهر ، بصمة شخصية في الحدائق والساحات اللبنانية بعد أن حقق حضوره وبتميز وبراعة ضمن مسيرة الفن التشكيلي ، واضعاً لنفسه صفحة مستقلة في سفر الرسم والنحت اللبناني المعاصر.

No comments:

Post a Comment