أيمن عيسى, مجموعة متحف فرحات |
يختزل الفنان ايمن عيسى المضامين الوطنية بوعي فني يستهدف منح اللوحة اللون السرمدي والدلالة الواقعية ليحرر المرأة من ذاتها لانها البديل لوطن محاصر ضمن خلفيات لا رؤية واضحة لها، فهو يترك ملامح المكان مجهولة الهوية، ليمحو من الذاكرة كل زمان، ويضعنا داخل حركية ذهنية برزت في قوة العين والخط الافقي الذي يقسمها الى قسمين، وكانه يبحث عن الارض وحمامة السلام.
ايحاءات نسوية مفتوحة فنيا على تفاصيل الوطن وسيميائيته التشكيلية داخل المفردة اللونية. او كينونتها الجوهرية ذات المعايير الجمالية، والاخلاقية بالاضافة الى المدلول الوطني وما يحيط بالواقع من انتهاكات اختلفت مسمياتها. الا انها لها الاسبقية من حيث المناداة بها. او لها حق الوطن، والمرأة، والطفل، فالانعتاق الفني في لوحاته يحتفظ بخصوصية. بحث عنها «ايمن عيسى» من خلال جسد المرأة وقدرته على خلق المحاكاة الحسية، وتجسيد الواقع النسوي مع مراعاة نسبية الخلق والتكوين التشكيلي. الملتزم بالبعد الخيالي والرؤى الواقعية ذات الاسلوب الفني البانورامي، المتماهي مسرحيا مع المفردات والعناصر التشكيلية. بحيث تولد الانعكاسات التخيلية ممزوجة بفكاهة كاريكاتورية.او مشهد تعبيري يحمل توصيفا خاصا، ويتصف بتناقض الاحجام ومضاعفتها نسبيا من حيث توزيعها على مساحة اللون وتضاده، مما يترك الظل في حالة من التشتت المؤثر على نسبة التعتيم، والتفتيح، والالوان القوية التي استعملها الفنان بمزج جمالي شديد السطوع، ومؤثر بصريا على الحواس ودرجة تقبلها للعمل الفني.
يتمرد ايمن عيسى على التفاصيل الفنية، فتشمل رسوماته المرأة بكل تفاصيلها ومفرداتها الحسية الضرورية، لخلق الاشكال التي تعج بالتناقضات الانسانية ذات العلاقة الوثيقة بالجسد او بالارض، فالالوان هي مرتع خياله الاول حيث يجمع الحركة مع الالوان في دائرية غير مرئية. يتلاعب بها بصريا، فالخلفية الصامتة لها سينوغرافية تتواءم مع الفكرة والرؤية والموضوع، ليتكلم من خلال الصورة بلغة جسد له معانيه المضمونية، والاسلوبية المتداخلة بين نمطين حدسي وحسي، ولوني وحركي، ليفصلنا عن كل ازدواجية في المعنى او الخط او الابعاد، لنمسك بالفكرة ونتفاعل بالعنصر التخيلي، وتأويلاته الرمزية الموضوعة ضمن بورتريه والوان حارة وباردة. تجتمع لتظهر العمق الحسي للوحة يطرح من خلالها تساؤلات. تضعك امام انماط يصهرها ضمن بوتقة مشهد له مؤثراته الذهنية، ليتم التركيز البصري على المرأة وحركتها والوانها ووضعية جسدها المتأفف، والمتضجر، والحزين، والمتألم، والحاكمة، والمحكومة، السمينة والنحيلة وكأنها تمثل الحياة بمعانيها المختلفة او هموم وطن مرهق داخل لوحة ضاقت فيها الاجساد بقياساتها المتناقضة مع المساحة.
أيمن عيسى , مجموعة متحف فرحات |
معادلات عامودية لاجساد تؤكد على الامتلاء المعنوي، المنسجم مع الفوضى ذات التناسق الديناميكي المرن، والسريع في لوحة تكتظ بالنساء ليتوجه البصر فيها مباشرة الى حمامة بلون ابيض ورؤوس مائلة، فهو يعتمد على حركة اللون وتناقضاته متنقلا بين الازرق، والبرتقالي، والابيض في لوحة اظهر فيها تعابير الخوف من خلال لغة الجسد والخط المنحني. لان ذهبية الكتلة الهندسية المتوازنة مع لغة جسد تتسق الوانه، وتنسجم هارمونيا مع خطوطه الداخلية والخارجية، والتي هي بمثابة محاكاة تفتح المخيلة نحو الخارج بقوة، وكأن المتلقي هو المحصور داخل لوحة يبحث عن متنفس خارجي يطل منه الى العالم. بالاضافة الى الايحاء بمضمون الجسد الجمالي، وليونة المرأة في تطويع الحركة وتعبيرات لون ابيض مسح الشفاه الخائفة به، لنرى ان الضوء الموجود في الخارج شبيه بالكلام المتراكم على ثغر مغلق.
لغة فنية تشكيلية يخاطب فيها الفنان ايمن عيسى العوالم النسائية، بمجازية تظهر مأساة المساحات الضيقة، والكبت الخارجي. لان الصيغة التشكيلية في اعماله تعتمد على وجود المراة الرمزي والتعبيري، وعلى سخاء اللون الحار والبارد، واشتعالات لغة الجسد وتعبيراته، وعلى الفواصل والمسافات التي توجها بخطوط ذات اشكال تتخذ من المربع، والمستطيل، والدائرة، نقطة انطلاق لها، لتبرز المرأة بالصورة كما رسمها الانسان القديم لاول مرة على جدار الكهوف، فهل يشير ايمن عيسى الى الطوطم؟ ام انه اراد من المرأة ان تساعده في الوصول الى الوطن المحاصر، والامومة المفقودة من خلال النسوة والحركة الموسيقية الصامتة، المتآلفة مع الفكرة والمشهد السردي، والفضاءات الذاتية الملامسة للوجدان والاحاسيس، مما يجعلنا نتعاطف مع المرأة وتواجدها في الاماكن اللونية وتجلياتها المتجانسة مع الحواس.
أيمن عيسى , مجموعة متحف فرحات |
يعتمد عيسى في تكوين لوحاته على النقاء اللوني وصفاء الرؤية، ليتم التأثر والتأثير باللون، والضوء شدته، وخفوته كثافته او شفافيته، وابعاده الفنية المؤطرة داخليا وبصريا، لنعيش جنون كرنفالته النسوية! لونا، وضوءا، وحركة، ومساحة، فالاتساع الفراغي يضيق على نسوة حالمات بالحرية، للخروج من نطاق ضيق الى مجالات اوسع، وكانهن يبحثن عن ضوء يؤكد على استمرارية الحياة، برمزية خط افقي برز في العيون، وباسلوب لم يخلُ من سيمترية عفوية مبطنة، وبقدرات تصويرية لها رمزيتها المتميزة بكيان ذاتي له ميزته الخاصة بشكل عام.
اعمال الفنان ايمن عيسى في مجموعة متحف فرحات.
ضحى عبدالرؤوف المل
No comments:
Post a Comment