Saturday, March 1, 2014

تركيب صوري يحقق الانسجام والتوافق بين الخطوط والألوان

بيروت ـ ضحى عبدالرؤوف المل -

Jon Corca Cornin جون كوركا كورنين , مجموعة متحف فرحات 

تختزن لوحات “جون كوركا كورنين” (Jon Corca cornin) في داخلها حركة عميقة الابعاد فكريا. لانها تتكون من جزئيات ايحائية ترتفع بمستوياتها اللونية،  ونسبتها الضوئية المتأرجحة من حيث التلاعب بالخفوت والتوهج، والسطوع الكلي او التعتيم المتوسط بدرجاته الداكنة والواسعة النطاق تكعبيا،  وبتجريد خفيف ممزوج بتكنيك لوني يرافق الاشكال الهندسية المجردة تكعيبيا من التعبير الانطباعي ذي الانعكاسات الايحائية.

ليهدف من ذلك بتسليط الضوء على الانماط الحركية المصبوغة بالأسس الفنية، والخطوط العامودية المتقطعة احيانا.
رغم صلابة الاتجاهات في الخطوط المائلة والحادة تشكيلياً،  وكأنه يقطع رسوماته الى قطع تكعيبية ذات ابعاد مختلفة، بل ويضع المتلقي امام معادلات رياضية يصعب فهمها، رغم انه يعتمد على تصوير مشهدي يتناسب مع موسيقى اللون،  ودرجاته الطولية العميقة المكونات .
ليجعل من اللوحة قطعة نسيجية محبوكة ومترابط،  ومنضبطة ايقاعيا.

Jon Corca Cornin جون كوركا كورنين , مجموعة متحف فرحات 

تنشط الحركة البصرية في اعمال الفنان “جون كوركا كورنين” خصوصا عند زوايا العناصر الفنية ذات الرؤوس الحادة، كالمثلثات التي تسهم بنائيا في تشكيل صورة متعددة المفاهيم، فالرؤية الهندسية للوحة مبنية على خلق أضداد في رسم الخطوط الحادة واللينة، كالدوائر والعيون داخل المثلثات التي تساعد على تنمية المخيلة،  وتوظيفها في خلق تصورات ذهنية صاغها وفق قيود رياضية شبيهة بالبحور الشعرية البديعة في نظمها الشدبدة الحبك، التي تتمحور حول الخط واهميته في بناء لوحة تشكيلية معقدة فنيا بحيث يصعب تفكيكها بصريا. لأن “جون كوركا كورنين”  يعتمد على المدركات البصرية وشدة حركة اللون وتوهجاته الداكنة والمشرقة ضوئيا.  تركيب صوري يحقق  تكعيبيا الانسجام والتوافق بين الخطوط والألوان. لإيجادايقاعات بصرية يتلاعب بها الخط،  وينسجم معها اللون بحيث تتوازن اللوحة مع الابعاد ، فتتشكل الصورة الفنية بصريا وفق قاعدة التنافر والتضاد، والتوافق والانسجام بحيث يشعر المتلقي بقوة اللوحة ومقاطعها السمفونية المتناسقة مع حركة الاحجام، والاشكال والفراغات المتقاربة، والمرتبط ببعضها البعض لتوليد انفعالات حسية اكتسبت دلالاتها وجمالياتها من مكونات اللوحة وشموليتها ، فأسلوبه السهل الممتنع هو كعلامات استفهام تنتج عن قراءات متعددة لكل لوحة رسمها ” جون كوركا كورنين”  بنظام كينوني شديد هندسيا.
تجذب الالوان الانتباه النفسي  لدى المتلقي . ليغرق المتأمل لأعمال ” جون كوركا كورنين ” بعوالمة الهندسية والتصويرية،  فشخوصه العميقة تتكرر في اكثر من بُعد بصري،  وكأنه يعتمد على التصوير الذاتي،  ولكن بلغة تكعيبة تشكلية ذات خواص موسيقية ناتجة عن تشابكات الالوان وتباعدها،  حيث تتكون المفاهيم الفلسفية وسط حشد من الاشكال المختلفة الشبيهة بالمجتمعات الانسانية الكبيرة، والتي تختلف وتتوافق فيما بينها فكريا اجتماعيا سياسيا ، وما الى ذلك لأن ” جون كوركا كورنين” من خلال التصوير الذاتي يعيدنا الى مشهد الانسان،  واسراره التكوينية القائمة على نظام كوني شديد التعقيد هندسيا وبسيط الرؤية جماليا ً وفنيا، فما نراه في لوحاته من اجزاء خيالية انعكاسية هي بمثابة تشكيلات تكعيبية ترتبط ارتباطا وثيقا بالمضمون والاسلوب،  والمفردات المستقلة فراغيا بشكل عام. ان نقاط الضوء في بعض لوحات ” جون كوركا كورنين ” تسمح بتحفيز حسي خصوصا عند الالتقاء باللون البرتقالي المركب، والعاصف عاطفيا بتوهجات اخفاها بخطوط قاسية الاتجاهات.   ليسمح من خلال ذلك  بتشكيل كل مفردة مستقلة ارتبطت بمفردة اخرى تختلف عنها،  وكأن اللوحة هي كائن حي مركب من جزئيات لونية تنبض بالحياة والجمال،  وتساعد على مد المدركات البصرية بلغة استكشافية تهدف الى خلق تصويرات مختلفة الوجوه والمعاني،  ولكن ضمن اسلوب عقلاني لا يخلو من عاطفة لون منظمة تنظيما بنائيا ذا انشاءات فنية لها تكويناتها المتوازنة حسيا وبصريا ووجدانيا وحتى ذهنياً .


Jon Corca Cornin جون كوركا كورنين , مجموعة متحف فرحات 

يؤكد كورنين على توحّد اللوحة وانعزالها ذاتيا،  ليجعل منها الماسة متكسرة السطوح ، ومنفردة جماليا بذاتها،  فهو يغرقها بمهاراته التشكيلية، وكأنه يمارس عليها قانون الجاذبية.
كما انه يمنحها نظرياته الفنية  الشديدة بنظامها التكويني. مما يمنع قارىء لوحاته من فهم العمق ببساطة. الا ان البصر ينجذب اليها محاولا تفكيكها الى جزئيات ، لتتشظى الاشكال الهندسية، وتظهر قيمة الانسان في اعماله التي يسعى من خلالها الى وضع ذاته داخل متاهات تأملية يخرج منها بلوحة تحاكي العقل قبل العاطفة،  وتلامس بتجريداتها كل تكعيبية منظمة مألوفة فنيا وتختزن في باطنها تفاصيل حياتية ذات خبرات تقنية ملموسة ومحسوسة مضمونا واسلوبا وادراكيا. فالانفعالات الحسية للاشكال الظاهرة تترجم مرئيا قيمة المشهد المخفي داخل تفاصيل لوحاته التي تتصف بالغموض الفني التكعيبي .
نقطة، خط، شكل، ملمس، لون،ضوء، فراغ، مساحة، ترابط، تباعد، انسجام، ايقاع،  وما الى ذلك من مفردات لغوية ترتبط بالفنون التشكيلية تجدها في لوحات اسسها ببنائية ايقاعية. تظهر من خلالها تصويرات فنية شتى منها العقلاني ومنها العاطفي، وكل ذلك يغني الوجدان عند المتلقي حيث تبدو قراءة اللوحة تختلف من متلق لمتلق،  فهو يثير الاحساس والانتباه تخيليا مشيرا الى سلوك لوحته منهج الكينونة الذاتية التي تعتمد على  ذاكرة اللون البصري،  والربط بين الاجزاء نظرا لاهمية الشكل عند ” جون كورنين”  في تشكيل الاسس المتينة للوحة تتضمن خبراته الجمالية المبسوطة على قماش  يمتص اللون،  فيختزن الضوء ويمنحه توهجا مغايرا عن اساسيات الالوان العادية.  لهذا يختلف اللون بين خلية وخلية على سطوح تتشكل عليها تكعيبيات لا زمان ولا مكان لها.  لأنها معزوفة تحفظ ايقاعاتها الحسية ضمن المثيرات اللونية الداخلية والخارجية ونهايات الزاوية وعند كل نقطة بدأ منها وانتهى اليها.

ميكانيزمات دينامية تنحصر في تشكيلات تحتفظ بزوايا ذهبية لها تأثيراتها الحسية انطباعيا، خصوصا عند الانتقال بصريا من لون الى لون، ومن شكل الى شكل،  ومن فراغ الى فراغ حيث يعمل على تصنيف الالوان تبعا للاشكال الهندسية وتوزيعاتها ، وفقا لنقاط ذهنية محددة ومرسومة بدقة.
ليبدو ان لكل شكل دلالاته ومعانيه السيميائية الغير مباشرة مع الحفاظ على الخطوات التشكيلية المعاصرة، ومضامينها التكعبية ذات القيمة الفنية والجمالية هندسيا. الا انه التزم بالقواعد الفنية التزاما شديدا، ولم يمنح نفسه  الاستمتاع بحرية اللون والخط. ليضع الذات في لوحات بصرية صارمة تشكيليا ودقيقة تكعيبيا ومتقنة فنيا .
يبتعد ” جون كوركا كورنين”  عن العفوية والسذاجة في التشكيل بحيث تبدو القياسات والمعايير محسوبة رياضيا.  مما يترك المتلقي بعيداً عن الانساق الايحائية ، ومرتبطا بالمراحل التكعيبية والبناءات التشكيلية ذات الاستبصارات المختلفة المتراكمة تصويريا،  وكأنه يساعد الرائي في اختراق حبكة اللوحة،  وبانورامياتها التكنيكية القادرة على فك بعض الغموض في اكثر اللوحات ذات الكفاءة الشمولية في المضمون والاسلوب والرؤية . فهو يحمل في ريشته  انظمة فنية جدلية يحاكي بها المساحات الممتدة.  ليخلق جدلية تكعيبية لا تتنتهي،  وكأن صراعات الانسانية هي جزء من تكعيب معقد بوصفه يتناقض مع دوائر تركها متباعدة. ليثير قضايا كالوجود والعدم، والعودة الى الذات او الى الدائرة الكونية الاساسية ونظمها الثابتة، من خلال النقاط الضوئية واستدارة لونية تكشف عن منطق فلسفي بثه في لوحات غارقة بالوعي والعقلانية،  وتحتاج لمزيد من العاطفة اللونية كي تكون مقروءة فنيا من مختلف المستويات،  لكي تكتسب انطباعات تبعدنا عن التراكمات الفنية .
ان اعمال الفنان ” جون كوركا كورنين”  بمعطياتها التكعيبية والفنية الاخرى. تحقق واقعية ملفوفة بغمموض فني، وبموضوعية فلسفية تضعنا في شك امام قوة وجودية تبدو حركتها في الداوئر الشبيهة بالمجرات،  وبوجوه الانسان تاركا الزمن والمكان في المجهول الذي يؤطر به اللوحة.  ليمنح تصوراته الفنية قيمة تشكيلية ذات تصورات ذهنية تدفعنا اجتماعيا نحو الانسان والانسانية وقيمة الوجود.  لترتقي بتكوينها نحو فلسفة تشكيلية اكتسبت من الريشة الوانها الاساسية التحليلية والتركيبية المرتبطة بقياسات الدائرة اللونية الخاصة بالفنان “جون كوركا كورنين”  وقدرته على الالتزام بقواعد الاسلوب الفني الملتزم بقضايا الانسان وجمالياته . 

No comments:

Post a Comment