Monday, October 6, 2014

الفنان النحات بسام كيرلوس : ما يُنحت هو الأجمل والأعمق


النحت القديم متجذِّر في ذاكرتي

من أعمال كيريلوس من مجموعة متحف فرحات 


ترتبط منحوتات الفنان «بسام كيرلوس»  بالماضي كجزء من ميثولوجيا ذات مدلولات تستجيب لمفاهيم نحتية يسخرها بقوة فعل حركي، لتحاكي حركة الزمن عبر مادة تختلط خاماتها بالافكار التي تتضمن تاريخا، ورؤية تكوينية تتخذ من الكتل الصماء احيانا تجاويف تتميز بمحاكاة الطبيعة،  وبفراغات ذات حركة فيزيائية  تفرض بخطوطها مساحات تتناقض ما بين الظاهر والداخل عبر حركة بناها من  كينونة عناصر  ترتبط بنوعية المادة التي يستعملها، وفق مفهوم نحتي جوهري يتخذ من المرونة صلابته في بناء الاشكال والفراغات والاحجام، بثبات نستقرىء من خلاله المتغيرات الزمنية التي يبتكرها. لتظهر ميثولوجياته متحركة زمنيا،  ونلامس الماضي بصيغة حاضر اشبه بنقطة سابحة في فضاءات مخيلته الباحثة عن التحليق او الابعاد العميقة الرؤيا نحتيا وزواياها الحسية المدركة،  لتوازنات العمل الفني من كافة جوانبه، وبديناميكية تؤثر على الانسجام الداخلي والخارجي للمنحوتة،  وتتابع تفاصيلها بشمولية ذات طابع تجذب الفكر اليها،  ليستوحي من اثارها ميثولوجيا تتناسب وذهنية العمل النحتي الذي يقدمه «بسام كيرلوس» في هذا المعرض،  وبما يتوافق مع الايقاع الزمني والمكاني.  لتتضح عناصر مكوناته وملامستها للطبيعة حيث تكتسب تنويعات مختلفة. مما ينعكس على حركة المنحوتات كل حسب مقاييسها واحجامها واشكالها ومساحاتها، وحتى الطول الاستطيقي لها الذي يحقق بنية اتصالية بمعنى كجسر يصل الماضي والحاضر مع الحركة والسكون ان فيزيائيا بمعناها الخارجي او تمثيليا بمعناها الداخلي المتآخي مع مضمون فكرة كل منحوتة قدمها بأسلوبه القديم الجديد، وهذا يولد تساؤلات كان لا بد من الاضاءة عليها من خلال حوارنا معه عن بعض المفاهيم...

طائر الفينيق المصلوب, من مجموعة متحف فرحات 


* «بسام كيرلوس» والميثولوجيا، متى يبدأ بالنحت واين ينتهي العمل؟ 

- العمل النحتي ليس فقط كتلة ثلاثية الابعاد  يمكن رؤيتها ولمسها، فما لم ينحت هو الاجمل والاعمق. ما وراء العمل النحتي هو ابعاد لا تنتهي للانسان والوجود. لذلك عمل الفنان يبقى عملية تدخل قسرياً للفت النظر وللايحاء، ومحظوظ  الفنان اللذي ينجح في الاقتراب من تلك الحقيقة. بالنسبة لي الحقيقة بدأت بجدية مع الميثولوجيا  ولم تتحقق بشكل منجز مع الدين والفلسفة، وهكذا هو الفن بدأ ويبدأ مع  الميثولوجيا  ويكمل في الدين  ويتوه في الفلسفة، فيتوقف في لحظة غرور الفنان واذعانه بأنه  اكتشف شيئا «ولعل بعض الكبار اكتشفوا شيئا» من الحقيقة  وجعلوا  مشوارنا الى  الشمس اقرب بخطوة. 
* متأثر بالمفاهيم النحتية المعاصرة نوعا ما وتحافظ على الاساليب الكلاسيكية في النحت اين الخطأ والصواب في ذلك؟
- العمل الفني ولا سيما  النحتي لا يكون معاصرا «الا اذا استطاع  ان يختزل كل الازمنة  الماضية  ليستحق ان يكون  معاصرا»  اليوم اللغة  التشكيلية مفتوحة على كل وسائل  التعبير، والفنان مسؤول  عن تاريخ  الفن  قبل ان يكون مكلفاً  بانجاز عمل غير مسبوق، فلا إعادة انتاج الماضي بالامر المشرف، ولا الغرق في موجات رائجة يقدم  خدمة للفن. انما صياغة  تجربة فنية  متجذرة بقالب  يتبنى المفاهيم المعاصرة ويراعي احساس الفنان، يمكن ان ينتج عنه عمل نحتي معاصر وجدي. 
* «بسام كيرلوس» وميثولوجيات برونزية هل تعيد امجاد النحت القديم بلغة عصرية؟.
- الى حد ما، فالنحت القديم متجذر في ذاكرتي ووضعيات الاجساد  التي استخدمت سابقا  نقلتها من تاريخها، ومسحت عنها غبار الامس  لأضعها ضمن اطار معاصر وكأن المشهد هو مزيج  من مضمون قديم  بصورة اطار حديث معاصر.
* هل تعيق مادة البرونز تقنية الآداء ام ان الفكرة قوية في تكوينها وتستطيع تحدي المادة البرونزية؟
- كون مادة البرونز مادة مطواعة وتحتمل التفاصيل الدقيقة، فهي تتوافق مع المواضيع التي اعالجها وبخاصة فكرة الطيران، فالحجر على سبيل المثال  يمكن ان يكون عرضة للكسر  في حال تم اضعاف الكتلة لضرورات التأليف. بالنسبة لي، خصائص البرونز كمادة معدنية قوية ومتماسكة بما يكفي، تسهل ابراز تفاصيل دقيقة في العمل النحتي، اضافة الى خصوصية  هذه المادة  النادرة في التاريخ، فهي تستحضر الماضي ببلاغة.

الأم المنتحبة, من مجموعة متحف فرحات


* تختلف انواع الفراغات في اعمالك ما الهدف من ذلك؟ 
- ان عملية تزاوج الكتل الممتلئة  بالمساحات الفارغة في النحت  تشبه عملية  تشابك الكواكب  بالفضاء، فلا هذا الاخير جذاب بانعدام  المجرات ولا هذه  الاخيرة مهمة بانفرادها . اذأ الفراغ هو جزء ضروري في العمل النحتي. 
* لمست  في بعض المنحوتات كتلة صماء برز فيها  بعض التجاويف. ماذا تقصد  بذلك؟ 
- ان بروز بعض التجاويف هو تأكيد على تبيان المساحة المشغولة وكأنها خام، بينما  الاجزاء الاخرى فهي مشغولة اكثر، ترمز هذه العملية الى انبثاق الروح من المادة. هذا اولا أما ثانيا فتترك التجاويف اثرا عميقا للمتلقي وتأخذه الى التجاويف التي  ترسسمها الطبيعه على الاشجار  وخاصة  الزيتون منها  التي نجدها بكثرة في بلدتي. 


حاورته: ضحى  عبدالرؤوف المل
dohamol@hotmail.com

No comments:

Post a Comment