مجموعة متحف فرحات |
التصوير الفوتوغرافي، كغيره، كان صرخة في عالم الاختراعات الحديثة التي أفرزتها الثورة الصناعية في أوروبا، ترك أثره على الساحة الفنية والسياسية. فكما كان شاهداً على اختراعات وتطور علمي وفني، جعلت منه أوروبا سلاحاً فعالاً في ممارسة ساديتها على "الشرق" فيما عُرف بـ"الاستشراق". بيد أن الحركة الصهيونة لم تكن تاركة الأمور تسير "على الغارب" فجعلت منه أداة هامة في اقتلاع شعب فلسطين من أرضه، وحاولت مسحه من ذاكرة التاريخ لتزرع جسماً بديلاً عنه بات يُعرف بـ"إسرائيل".
في التاسع عشر من شهر آب عام 1839 أعلن فرانسوا أراغو، زعيم الحزب الجمهوري الفرنسي، عن اختراع التصوير الفوتوغرافي، مشيراً إلى أن هذا الاختراع الجديد سيساهم بشكل كبير في اكتشاف "عجائب الشرق".
يهوديات على حائط المبكى , من أكثر المواضيع التي ركز عليها المصورين |
تكالب الغرب على هذا الاختراع الجديد، فكان سلاحاً ساعد بشكل جلي في تعبيد الطريق أمام الهجمة الاستشراقية الاستعمارية، وفك رموز افتراضات وايديولوجيات واستيهامات متعلقة بمنطقة من العالم تدعى الشرق. رفع من وتيرتها الصراع بين القطبين الحاكمين (بريطانيا وفرنسا) على اقتسام تركة "الرجل المريض" (الامبراطورية العثمانية) بعد أن بدأ المرض العضال وضع لمساته الأخيره عليه. فبدأت أوروبا في قراءة ثقافة الشرق مستعينين بالصور الفوتوغرافية في نقل أشكال ورسومات مخطوطات أثرية لقرائتها وتحليلها هناك، ما وفر الكثير من الوقت عبر الاستعاضة به عن النسخ. الأمر ذاته تكرر في نقل الجغرافيا والأماكن المقدسة والأثرية بكل ما احتوت من فنون هندسية معمارية وغيرها.
بعد حوالي ثلاثة أشهر من اعلان آراغو، شد مصورون، وباحثون، أوروبيون رحالهم الى "الشرق"، على رأسهم المصور الفرنسي فريدريك غوبيل فيسك، الذي ابتعثته الخارجية الفرنسية - برفقة الرسام هوراس فيرنيه- في رحلة "علمية" وذلك في السادس من تشرين ثاني/ نوفمبر 1839. ويُعتبر فيسك أول مصور يدخل فلسطين خلال رحلته الى "بلاد الشرق والأراضي المقدسة". فبعد وصوله الى فلسطين، عبْر مصر، بدأ في التقاط الصور الفوتوغرافية ملتهماً بعدسته أبرز ما يميزها؛ الأماكن المقدسة والتاريخية. وفي الثامن من شهر آب 1850، وصلت القدس بعثة فرنسية تضم المصور ماكسيم دي كومب يرافقه الكاتب غوستاف فلوبير، والتقط المصور اثنتي عشرة صورة لمدينة القدس، نُشرت في كتاب خاص في باريس سنة 1852.
وفي العام (1844) وصل القدس المصور البريطاني الكسندر كيث، الذي التقط عشرات الصور استعان بها في دراسة الصلة بين ما ورد في الكتاب المقدس وجغرافية الأراضي المقدسة، وهذا ما استفاض في شرحه في كتابه "براهين على حقيقة الدين المسيحي".
حجاج الى الأرض المقدسة |
في تلك الفترة، لم تكن الحركة الصهيونية غائبة عما يغزو العالم من تحولات سياسية واقتصادية وفكرية. ففي نفس العام الذي اُعلن فيه عن اختراع التصوير، أطلق اللورد شافتسبري (1801-1885)، أحد دعاة الانجيلية الصهيونية، عام 1839 في مقال نشرته صحيفة "كوارترلي ريفيو"، أكذوبته الشهيرة أن "فلسطين أرض بلا شعب لشعب بلا أرض" التي التقطها زعماء الحركة الصهيونية مستغلين اختراع التصوير لتحويل الأكذوبة الى واقع.
بدو في فلسطين |
التركيز على الأراضي الخالية |
فمن أبرز السمات التي ميزت الصور الفوتوغرافية في تلك الحقبة، هي خلوها من العنصر البشري، فكانت جل الصور تعطي انطباعاً بأن فلسطين أرض خالية من السكان، ويرجع ذلك الى أسباب عقائدية وفنية وغيرها.
فحسب اعتقاد بعض البروتستانت (في تلك الفترة على الأقل) كان هناك اعتقاد مفاده أن فلسطين أرض حلت عليها لعنة الرب لأن المسيح صُلب فيها، بجانب بداية تبلور الحركة المسيحية الصهيونية، التي كان البروستانت مصدرها الأساسي، جعلتهم يلتقطون صوراً تخلو من العنصر البشري، وكأنها أرض لم تطأها قدم انسان وهي على حالها منذ 2000 عام.
في تلك الفترة بدأت الحركة الصهيونية في شراء الصور الأولى لفلسطين ونشرها بين الجاليات اليهودية في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، وبدأ لعاب اليهود في السيلان للانتقال الى تلك الأرض التي "لم تطأها قدم انسان" منذ صلب المسيح عليه السلام، سيما وأنها (الطائفة اليهودية) في أوروبا كانت طائفة غير مرغوب فيها، يتجنب كل شرائح المجتمع التعامل معها. كانت تعيش في عزلة تامة، غرباء، دخلاء، مكروهين، الأمر الذي شجعهم أيضاً للهروب من مكان لا يحظون فيه بالاحترام.
إن خلو الصورة الفوتوغرافية الأولى لفلسطين، من العنصر البشري لا يلغي بعض الاستثناءات، التي ظهر فيها عائلات فلسطينية. بيد أن صور تلك العائلات كانت تتسم بالطابع الديني أو الامجتمع البدائي؛ فكان معظم الأشخاص يظهرون كقديسين أو رهبان أو رعاة؛ فتحمل ايحاءً لسيدنا عيسى عليه السلام، أما "السكان" فكانوا مجرد حفنة من البدو الرحل الذين مروا بفلسطين خلال ترحالهم بحثاً عن المراعي. بمعنى آخر، لم يكن هناك متسع للمواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية، سواء الفلاح أوالطبيب أوالمعلم أورجل الأعمال والعامل ..الخ.
فحسب اعتقاد بعض البروتستانت (في تلك الفترة على الأقل) كان هناك اعتقاد مفاده أن فلسطين أرض حلت عليها لعنة الرب لأن المسيح صُلب فيها، بجانب بداية تبلور الحركة المسيحية الصهيونية، التي كان البروستانت مصدرها الأساسي، جعلتهم يلتقطون صوراً تخلو من العنصر البشري، وكأنها أرض لم تطأها قدم انسان وهي على حالها منذ 2000 عام.
في تلك الفترة بدأت الحركة الصهيونية في شراء الصور الأولى لفلسطين ونشرها بين الجاليات اليهودية في العالم، وفي أوروبا على وجه الخصوص، وبدأ لعاب اليهود في السيلان للانتقال الى تلك الأرض التي "لم تطأها قدم انسان" منذ صلب المسيح عليه السلام، سيما وأنها (الطائفة اليهودية) في أوروبا كانت طائفة غير مرغوب فيها، يتجنب كل شرائح المجتمع التعامل معها. كانت تعيش في عزلة تامة، غرباء، دخلاء، مكروهين، الأمر الذي شجعهم أيضاً للهروب من مكان لا يحظون فيه بالاحترام.
إن خلو الصورة الفوتوغرافية الأولى لفلسطين، من العنصر البشري لا يلغي بعض الاستثناءات، التي ظهر فيها عائلات فلسطينية. بيد أن صور تلك العائلات كانت تتسم بالطابع الديني أو الامجتمع البدائي؛ فكان معظم الأشخاص يظهرون كقديسين أو رهبان أو رعاة؛ فتحمل ايحاءً لسيدنا عيسى عليه السلام، أما "السكان" فكانوا مجرد حفنة من البدو الرحل الذين مروا بفلسطين خلال ترحالهم بحثاً عن المراعي. بمعنى آخر، لم يكن هناك متسع للمواطنين الفلسطينيين في حياتهم اليومية، سواء الفلاح أوالطبيب أوالمعلم أورجل الأعمال والعامل ..الخ.
سبب فني آخر، ربما، كان له دور في خلو الصور من العنصر البشري؛ هو بطء سرعة غالق العدسة (shutter speed). فعند التقاط صورة لأشخاص في حالة حركة، سيظهرون على شكل أشبه بأشباح، الأمر الذي كان يتجنبه المصورون.
لم تخلُ أهداف البعثات الأوروبية الى الشرق من أهداف علمية وفنية وغيرها، فوصل الى فلسطين عدد من الباحثين/ المصورين الذين قادتهم مهنيتهم الى منحى آخر، ففي العام 1844 التقط المصور والخبير في العمارة الإسلامية، جوزيف برانغي، عدداً من الصور الفوتوغرافية لمباني وشوارع والفن المعماري الاسلامي والأرمني، وغيرها، في القدس، وتعتبر صوره من أندر وأقدم اللقطات للمدينة. غير أن المصور البريطاني فرنسيس فريث الذي زار مصر وفلسطين عام 1859 قال ان جولته هو تسلية الجمهور بابراز عجائب الشرق، باعتبارهما "أبرز مكانين على الكرة الأرضية" كما ذكر في مقدمة كتابه "مصر وفلسطين". وباعتباره صاحب مؤسسة تجارية، التقط مئات الصور مصوباً عدسته نحو الأماكن المقدسة والعتيقة ليجعل منها بضاعة تجارية رائجة .
في مطلع الستينيات من القرن التاسع عشر كان الاهتمام البريطاني الإستراتيجي منصباً على احتلال "الأراضي المقدسة"، الأمر الذي استوجب تكثيف "المعرفة البريطانية" بالمنطقة. وظهرت أول دراسة رسمية بريطانية مصورة عن القدس في العام 1865، بعد أن عمل فريق عسكري تابع لسلاح الهندسة البريطانية رسم الخرائط العسكرية وغير العسكرية والتقاط الصور للقدس وضواحيها، (استعان بها الجنرال اللنبي في دخوله للقدس سنة 1917).
أثار نشر الدراسة المصورة عن القدس اهتماماً كبيراً في أوروبا، وسارعت مؤسسات عديدة إلى إرسال بعثات "علمية" إلى الشرق، مع اهتمام خاص بفلسطين. وتأسس في لندن "صندوق استكشاف فلسطين" عام 1865، وكان الهدف المعلن لهذا الصندوق "استكشاف الماضي" من خلال دراسات أثرية وجغرافية. وساهمت الطائفة اليهودية في تمويل هذا المشروع باهتمام بالغ، ووضعوا جل اهتمامهم في مشروع استكشاف شبه جزيرة سيناء بهدف "توعية تلامذة العهد القديم".
في تلك الفترة كانت الحركة الصهيونية في أوج نشاطها الساعي لا قامة وطن لهم في فلسطين. وابان مؤتمر بال في سويسرا عام (1897) تبنى اسرائيل زانغفيل، أحد قادة الصهيونية، أكذوبة شافتسبري. وكان "وليام بلاكستون" 1841-1935، أحد أعمدة الصهاينة الأمريكيين من غير اليهود، من أبرز ممن أثروا في البروتستانتية الأمريكية عبر كتابه "عيسى قادم"، وقد طُبِعَ من هذا الكتاب أكثر من مليوننسخة، وتُرجِمَ إلى 48 لغة، منها العِبْرية، وقد تأثر بالكتاب بالطبع عدد من سياسيي أمريكا، أبرزهم الرئيس الأمريكي "ودروو ولسن" (1913-1921) المنحدر من بيت مُتديِّن نشأ على التعاليم البروتستانتية الأمريكية، التي تؤمن بالأسطورة الصهيونية، وقد اعترف بأنه ينبغي أن يكون قادراً على المساعدة في "إعادة الأرض المقدسة إلى أهلها".
وزادت الحركة الصهيونية من نشاطاتها وضغوطاتها على الحكومة البريطانية، لتترسخ أكذوبتهم الى واقع عبر الوعد الذي صكهم اياه اللورد بلفور بتاريخ 2/11/1917 باقامة وطن قومي لليهود في فلسطين.
حائط المبكى |
No comments:
Post a Comment