Friday, April 8, 2011

فن أميركي يثور في وجه الضمير العالمي ,بقلم سمية عيتاني


لطالما كان الفن وليد بيئته، ولطالما كانت المعاناة الإنسانية شيطانة الإبداع الملهمة، ونحن إذ نقف أمام أعمال سوزان كلوز Suzanne Klotz ،الفنانة الأميركية الأصل، نسمع أصواتاً غربية غريبة عنا ولكنها في جذورها قريبة قريبة. شهدت معاناتنا وعايشتها فأتى ابداعها عربي القلب والقالب، في حين ان بعض الفنانين العرب مازالوا يلهثون وراء الفن الغربي، يستعيرون منه الأسلوب، الموتيفات،ينهلون منه، يتقمصون روحاً أخرى ما كانت لتشبهم وما كانوا ليشبهوها !! لكن ما يشفع لهم صغر هذا العالم الذي فتح أمامنا الباب لكي نكون من نشاء، أنت تستطيع أن تكون أنت، الآخر أو حتى العدو نفسه! فما قولك لمن تنكر لإنسانيته وهجر العالم وسكن المريخ !
الطفل الأميركي , سوزان كلوتز , مجموعة متحف فرحات

أصدرت الفنانة سوزان كلوز Suzanne Klotz كتاباً يدعى "فن الاحتلال في مجموعة فرحات الفنية"، وقد احتضن الكتاب بين دفتيه أعمالها الفنية التي أودعتها مجموعة فرحات للفن العربي الحديث والمعاصر. وقد لاقت أعمال الفنانة الأميركية صدىً لها في هذه المجموعة التي سارعت لاحتضان فنها والتعريف به في عالمنا العربي. 
 مجموعة متحف فرحات هذه المجموعة الفنية، تمثل أفضل تمثيل قوة تعبير الفن العربي المعاصر، أما هدفها الأسمى فهو تمثيل الصراع في حياة الشعب العربي، تمثيلاً انسانياً وإعلامياً يساعد العالم على فهم العرب كشعب وفهم قضيته، بالإضافة إلى تقويم تلك الصورة المشوّهة للعرب المعاصرين المنتشرة بكثافة في الإعلام الغربي، وإعادة بناء الذاكرة الجماعية لشعب تحاول القوى الغربية قمعه ومحو ذاكرته لأجل فرض مصالحها وبسط نفوذ أتباعها في المنطقة.
شهادة , سوزان كلوتز , مجموعة متحف فرحات


تقول الفنانة سوزان كلوز Suzanne Klotz : "أن الفنّ يعكس قيم المجتمع ويمدّ جسراً بين المألوف والغريب، وهو يهدف إلى زيادة الوعي، إنارة الروح، وتوحيد الإنسانية.أردتُ تقديم أفكاري لعلها تساعد في الكشف عن أوهام متواجدة في وعينا الإجتماعي من الممكن أن نكون قد أغفلنا عن الإحاطة بها.حين يكون الإعلام المرئي والمكتوب – المكلّف بنقل وقائع الاحتلال العسكري لأرض أجنبية -  مسيّراً من قبل رجالات السياسة، يصبح من السهل جداً تبرير الدمار والموت المقنّعين بقناع البطولة لإخفاء ذلك الحنين للغزو والاستعمار، حيث تحرّف أجهزة الإعلام الوقائع بمكرٍ شديدٍ بقصد التعمية و نشر الجهل العام والتضليل.أهدف من خلال عملي هذا تشجيع التحقيق الشخصي لكلٍّ منا حتى نكشف عن "الوقائع الحقيقية التي تجري على الأرض" ، الأرض البعيدة المحتلة وكذلك أرضنا الداعمة لهذا الاحتلال.إنّ الحقيقة السطحيّة التي يقدمها أولئك الذين يتقلدون مناصب السلطة (الحكومة، وسائل الإعلام والمؤسسات) لها أكبر الأثر على قيم المجتمع ومعاييره الأخلاقية - تلك المسؤولية التي تقع على عاتقهم - وهم يبررون بهذه الحقيقة المزيفة سوء استعمالهم للسلطة في علاقاتهم الإجتماعية التي تسودها الإنتهاكات المجحفة لحقوق الإنسان.إنّ الحافز الذي يقف وراء أعمالي الفنية هو البيان العالمي لحقوق الانسان، تلك القوانين الواجب تطبيقها على كل أفراد الإنسانية في أوقات الحرب وفي أوقات السلم على حدٍّ سواء."

 "فن الاحتلال في مجموعة فرحات الفنية"
Suzanne Klotz occupation art , in the farhat collection
هو كتاب للرسوم المصوّرة بالألوان، دليل إلى الأرض المقدّسة، يصوّر فلسطين تحت الإحتلال الإسرائيلي كما عايشته الفنانة بين الأعوام 1990 و 1995.تعرض فيه الفنانة الحقيقة كما رأتها بعينها المجردة، الساذجة، عين سائحة أميركية قصدت الأرض المقدسة مع ابنتها بغية استكشافها فإذا بها تطالع حقيقة أخرى، حقيقة سعت لتوثيقها من خلال رسومها فأتت على شكل صاعقة تدحض وجهة نظر الاحتلال الإسرائيلي، تصوّر بطولاته كما هي بالواقع، جرائم حرب أخذت على عاتقها إدامة هذا الإحتلال وتوسيع رقعته.أرادت سوزان من خلال هذا الكتاب المؤلف من أربع وأربعين صفحة إعلام المشاهد بنظرة واحدة عن قضيتين أساسيتين هما دور المواطنين الأميركيين في تدمير فلسطين، وخلط دولة اسرائيل بين الصهيونية واليهودية وإدعائها بأنها تمثل كل يهودي على وجه الكرة الأرضية.
كل صفحة من هذا الكتاب هي عملٌ فنيٌ قائمٌ بحد ذاته، كجزء يمثل الكل، ويندد بالاحتلال الصهيوني الغاشم. ما رأته الفنانة الأميركية في فلسطين مثّلته بسلسلة من اللقطات تناقض مفهوم الأرض المقدسة المروّج له إعلانياً  "a land without people for a people without land" أرض بلا شعب لأجل شعبٍ بلا أرض، هذا الكذب الصهيوني الواسع الانتشار في الإعلام الجماهيري الأميركي.
 لم تعمد الفنانة على الغوص في المقدمات، لرغبتها في إظهار الحقيقة كما يراها المشاهد الساذج المحايد، مما زاد من قوة الصدمة، صدمة الحقيقة التي تجرح. مما يدفع المشاهد ليتساءل: " كيف لهؤلاء أن يجهلوا الواقع المرير وهم الذين يموّلون إسرائيل بأموال ضرائبهم؟ كيف لأي أميركي أن لا يعرف كلّ هذا؟".

هذا الكتاب ليس بمجلة صور متحركة مجازية، وهو لا ينتقد نقداً تعسفياً، ولا يرمي اتهامات اعتباطيةً على أيّ مجموعة عرقية أو دينية، لكنّه يلوم بشكل واضح الصهيونية التي تعلن عن ذاتها بغطرسة " الأمة الفضلى"، أو "شعب الله المختار" و تنشر بين الأمم ثقافة الكراهية، الكراهية المشرّعة والتمييز العنصري الذي يلخصه تصرّف كبار الزعماء الإسرائيليين: يدعون الفلسطينيين بالصراصير ويطالبون بطردهم، معتبرين أنه الحل الأمثل والنهائي لجعل إسرائيل دولة لليهود فقط.
هو دليل للسفر في الأرض المقدسة يحمل في طياته بعض السخرية يصوّر احتلال الجيش الصهيوني لفلسطين ويساعد السائح الزائر للأراضي المقدسة للمرة الأولى بأن يجتاز وهم الدعاية الإعلامية الكاذبة ليصل إلى حقيقة العنصرية والاحتلال وجرائم الحرب.
الكتاب ليس كرّاساً مصوّراً فحسب، ما يدعم ذلك احتواء صوره على الكتابات والتعليقات، التي تستعرض البيانات والحقائق الإسرائيلية المنظّمة والمستمرة في الإستيلاء على الأراضي الفلسطينية، والتطهير العرقي والظلم الوحشي الممارس على الفلسطينيين، بالإضافة إلى الحقائق والأرقام القابلة للإثبات، تلك المتعلقة بالدعم الأمريكي الغير محدود والغير مشروط (الدعم الدبلوماسي والعسكري والمالي) لإسرائيل.
تنصهر الكلمات والصور ككلّ واحد، سواء أكانت الكلمات تعليقات خارج الصورة أو مرسومة ضمنها، هذه الصور التي تعتبرها الفنانة ببساطة إيضاحات لما رأته بأم العين وتسجل بها ملاحظاتها الشخصية التي عاينتها عن قرب على عدّة سنوات من الحياة في فلسطين المحتلة، فلسطين المحاصرة. قبل فترة طويلة من زيارتها للقدس قضت الفنانة بعض الوقت في أستراليا كمدافعة عن حقوق الانسان وقد تأثرت بمحنة السكّان الأصليين الأستراليين. عندما تركت أستراليا للذهاب إلى إسرائيل للمرة الأولى، طلب منها العديد من الفنانين الأصليين لصق صلواتهم المكتوبة في حائط المبكى. هذه الحادثة البارزة دفعت بالفنانة بعد حين لإبتكار مصنع جاهز أو كرّست الفنانة العديد من أعمالها لخدمة المأساة الفلسطينيّة ولوضع دمار المجتمع والثقافة الفلسطينيين حيّز اهتمام الجمهور الأميركي خاصة، مما جعلها عرضة لهجوم الصحافة المحليّة في مدينتها (سيدونا، أريزونا)، بقيادة القائمين على الفنون في المدينة 
  City Artsولجنة الثقافة Commission  ووُصفت بأنها معادية للساميّة في الصفحة الأولى من الجريدة المحلية. وترتب على ذلك اضطهاد الفنانة حيث دفع الشعور بالوطنية المتنامي في بلدها إلى اعتبار كل عدو لإسرائيل هو عدو لأميركا نفسها!! فنكث منظمي المعارض بوعودهم لها، وكان من الصعب بمكان أن تعرض أو تبيع عملاً واحداً لها.إن إلتزامها بالقضية الفلسطينية هو إلتزام روحي قبل كل شيء. تعتقد كلوز بأنّ التعليمات الروحية لكلّ الأديان الرئيسية هي نفسها. وترى بأن الصهيونية تعمد إلى تشويه القيم اليهودية وتمثيلها بشكل سيئ، وأنها قد أفسدت وأساءت إلى كلِّ من اليهود والمسيحيين وهي تسيئ أيضاً إلى المسلمين وتشوّه سمعة الإسلام في العالم.
أسماء الله الحسنى , سوزان كلوتز, مجموعة متحف فرحات
الخالق , من اسماء الله الحسنى , مجموعة متحف فرحات
 
أحد أعمالها "99 NAMES OF ALLAH"، مجموعة من 99 كتاب مصنوع يدوياً كل منها يشير إلى إسم من أسماء الله الحسنى التي ذكرها الله تعالى في القرآن كما تداولتها الديانات الأساسية السابقة. كانت الفنانة تختار اسماً واحداً وتتأمل معناه لتصل إلى فهم أعمق لهذه الصفة الإلهية مما ساعدها على تطبيق العمل بشكل أصدق. كل غلاف يحتوي  على قطعة من السيراميك تمثل عين الاله، وتحت كل عين هناك ترجمة إنكليزية للكتابة العربية. استعملت الفنانة في تزيين الغلافات الخرز والجلد والورق المذهّب، بالإضافة إلى الخط العربي وتصاميم التطريز الفلسطينية التقليدية

حين رأت بيتاً يتهدم في مدينتها سيدونا تذكرت أعمال الإجلاء التي تجريها القوات الصهيونية بما يرافقها من تدمير للبيوت الفلسطينية، فاسترعى انتباهها وأدركت أن هذا المنزل هو الوسط المثالي لتركيب installation وتحويل المنزل المهدم إلى منشأ فني، تصوّر من خلاله بيتاً فلسطينياً، لبنانياً أو عراقياً، محطماً. حين يطالعنا هذا العمل للمرة الأولى يتبادر إلى أذهاننا بشكل مخيف الواقع الفلسطيني لعل السبب هو التشابه بين الطبيعة الجبلية لمدينة سيدونا وطبيعة الشرق الأوسط ما يترك في النفوس بالغ الأثر.
حتى ذلك الحين، تواصل سوزان كلوز العمل بموهبة فذة وخيال فريد، وكما استلهم اسلافها من فنون الشرق استلهمت هي معاناة الشرق. تحلم سوزان كلوز بالقيام بورشة عمل في الجنوب اللبناني للاجتماع بالنساء اللبنانيات وخلق أعمال فنية تدمج بها الأساليب التقليدية من حرف تراثية وخط عربي لضمان حفظ الفنون التقليدية والثقافة المحلية اللبنانية.
 

No comments:

Post a Comment