Thursday, April 21, 2011

أبو الرب والتبرم من ضيق المساحة . بقلم محمود فهمي عامر

مجموعة متحف فرحات

في الأعمال الجدارية ذوات الأمتار الطويلة وبصحبة أغاني فيروز يجد الرسام المبدع إبراهيم أبو الرب ذاته، هناك فقط تتحقق حريته الكاملة في حركاته السريعة اللإرادية، وكأنك في ساحة قتال تدور رحاها بين فنان ولوحته في حالة من الإلهام الفني المثير تتطاير خلالها الفحمة التي انتهى دورها التفريغي، وهناك فقط يستطيع أبو الرب أن يسامر بنات أفكاره بما شاء دون الشعور بالقضبان المحيطة به، وهناك أمام هذه اللوحات المعلقة على جداران منزله أو في الساحات العامة تجد شخصا آخر غير الذي تعرفه أو جلست معه قبل هذه الحالة الفنية التي يجهز أجواءها الصاخبة في أعماقه قبل استدعائها أو استضافتها في لوحاته المقاتلة، وهذه الحيوية التي تعيش قلق وجودها هي التي جعلته يشعر دائما بضيق المساحة مهما اتسعت، وقد عبر الدكتور إبراهيم أبو الرب عن هذا المعنى في لقاء معه في جريدة الأخبار الأردنية في 28 – 11 – 1980م بقوله: (لو أعطوني طول الكرة الأرضية وبعد التاريخ لكي أقول قضية شعبي فلن تكفي).

مجموعة متحف فرحات
وعن فسيفساء روحه الساحرة التي شاهدتها بنفسي وهو ينفذ لوحة فحمية من لوحاته المعلقة على جدار بيته أمام فريق من قناة الجزيرة الفضائية القطرية في لقاء خاص معه جعلتني أردد إضافة لمقدمتي قولين، الأول للناقد العراقي فاروق يوسف في جريدة الوطن القطرية 4 – 11 - 1999م: (يسحره الوقوف أمام المساحات حيث يمارس فعلا طقسيا من خلال أشكال تهبط بشكل مفاجئ وبانفعال وتجلي بأثر الحدث)، والثاني لمحمد أبو زريق من كتاب بانوراما الفن التشكيلي الأردني الصادر عن وزارة الثقافة الأردنية عام 1990م: (إنه يفرغ انفعالاته على سطح اللوحة من خلال ضربات الفرشاة الصريحة والمنفعلة، فيما يشبه الغياب الواعي، وبتعبيرية تختزل الغضب ضمن ملحمياته في تكوين وحركة نحو الأفق والهدف والمصير).
حقا إن المشاهد وهو يقف أمام هذه الجداريات الملحمية (لا يملك إلا أن يجد نفسه داخل هذه الأعمال؛ لأنها وجهه الآخر، ولون دمه، وخطوط حياته) كما قال إبراهيم نصر الله عنها في الاخبار الأردنية 28 – 11 - 1980م، أو كما قال مصطفى صالح في الدستور الأردنية 16 – 11 - 1980: (أعمال إبراهيم تؤهله لكي يتخطى إلى العالمية).

مجموعة متحف فرحات
وللدخول أكثر إلى عالم هذا الفنان الذي أذهلني وأنا أشاهد طريقته الفريدة في التعامل مع الفن أنقل ما أوجزه محمد أبو زريق في الكتاب المذكور: ( تكتسب الشخوص هويتها في أعماله من خلال المجموع، ويكتسب المجموع وجوده الفاعل من خلال الحركة الدائمة ضمن إطار التشكيل، وضمن هذا الإطار تنعدم المسافات، وتتلاشى الأبعاد، ويتحد الموضوع مع الخلفية، وتتسارق العناصر ضمن أطر هرمية أو حلزونية توحي بالحركة أحيانا وبالثبات أحيانا أخرى، ومن خلال هذا الربط المستمر يتوحد العمل التشكيلي لديه معطيا الفنان درجة كبيرة من التوحد في العمل).

مجموعة متحف فرحات
هذه الجداريات الملحمية ذات الطابع العالمي، التي أرخت لمراحل خلق الإنسان ومعاناته، وما يتعرض له في هذا الكون من إبادة حضارية ما زالت ـ كما قال لي أبو الرب ـ تبحث عن مكان يناسب أجيالها القادمة، وحلمه أن يجد هذا المكان الدائم الذي تضم حيطانه جدارية: (الثورة العربية الكبرى) 16م × 2م عام 1992م، وجدراية: (يالو جيرنيكا فلسطين) 50م × 2م عام1997م، وجدارية: (مسيرة الشعب العظيم) أريحا 200م، وغيرها من الأعمال التي تستحق أن يكون لها موطئ قدم في متاحفنا العربية.
لقد عاش إبراهيم أبو الرب (أبو وسيم) قضيته الفلسطينة وواكب مسيرتها النضالية؛ فأبدع من وحيها بجرأته الفنية هذه الجداريات الملحمية الملتزمة بقضيتها وبسرياليتها التعبيرية الرمزية، ويمكننا تلخيص هذه التجربة الإنسانية بثلاث محطات ارتبطت بتكوينه الفلسطيني كما يلي: المرحلة التعليمية الأولى من عام 1970 – 1980م، وفيها اقتحم صالات العرض في مصر بحضور مدهش واجتهاد فردي دون دعم خارجي، وأقصد هنا أنه كان يعمل بفنه ليتابع دراسته الجامعية، وهذه العصامية جعلته يجتاز مرحلة التلمذة بمفهومها المدرسي لينضم إلى صفوف المحترفين وإعجابهم.
وتمثلت المرحلة الثانية بفكرة الشهيد أو مرحلة الكتل البيضاء 1980 – 1990م، وفيها نضجت موهبته الفنية بأجسادها الرمزية المتداخلة والمركبة بشاشتها الموميائية البيضاء وسيقانها الطويلة وخطوطها الحلزونية، وهي جداريات تقف أمامها حائرا مكبرا من توليفتها العجيبة حتى تسرح في عالمها متسائلا: أين تقع تضحيات الشهيد المتراكمة من عهد المقاومة إلى واقع استجابتنا (........) في عاصمة الشهيد المقدسة؟
أما المرحلة الثالثة فكانت بعد عام 1990م، وهي مرحلة التحدي والتصعلك الإيجابي على عصر الانحطاط الحقيقي، وأشير هنا إلى عصرين متناقضين في مفهومي الشخصي: العصر الأيوبي الموسوعي الذي وسم ظلما وغدرا بعصر الانحطاء الفني، وعصرنا الحالي.

الفنان امام لوحاته

نبذة عن الفنان
• ولد الفنان إبراهيم أبو الرب في (يالو) القدس عام 1949م، وخرج منها بعد نكبة عام 1967م إلى الأردن، ثم انطلق إلى مصر وحصل على بكالوريوس الفنون الجميلة ودبلوم الدراسات التربوية عام 1976م، ودرجة الماجستير في الفنون الجميلة عام 1982م: (فن التصوير المعاصر في الأردن)، والدكتوراه عام 1987م: (الفن الإسلامي وأثره على التجريد العربي المعاصر)، وجميعها من كلية الفنون الجميلة بالقاهرة، جامعة حلوان.
• أقام عشرات المعارض الفنية الخاصة والمشتركة والجماعية والعامة.
• حصل على جائزة الدولة التقديرية في الفنون من الأردن عام 1995م.
• عضو في العديد من الجمعيات والمراكز والمؤسسات الفنية والثقافية والبيئية.
• أسس جماعة (الفنانين الأردنيين الشباب)
• من أقواله: (علمتني قضية شعبي معنى الصبر والتضحية وحتمية الوصول) و (في حالة قضيتنا وعلى الرغم من تعدد الطروحات فإن الشهادة هي الحل) و (كم هو عظيم أن أمارس فني على أرض فلسطين في ملحمة مسيرة الشعب العظيم).
• قال عنه الناقد المصري محمد حلمي في مجلة الإبداع المصرية العدد الثامن: (إبراهيم نموذج متميز لفنان متمسك بقضية شعبه التي تسكنه ويعيشها).

No comments:

Post a Comment